الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **
قال - رحمه الله -: ولو أن أهل الحرب سبوا مسلمة حرة أو مملوكة أو ذمية حرة أو مملوكة فاشتراها من السابي رجل منهم فاستولدها ثم أسلم أهل الدار أو صاروا ذمة فإن كانت مسلمة أو ذمية حرة في الأصل فهي حرة على حالها لأن الحرية المتأكدة في دارنا لا ناقض لها وأولادها أحرار بطريق التبعية لها والنسب ثابت من المشتري لأنه وطئها على وجه الملك بشبهة فتأويلهم الباطل بمنزلة التأويل الصحيح في الحكم ولا صداق عليه لها لأن المستوفى بالوطء في الحكم جزء منها وقد كان حربياً حين استوفى ذلك الجزء فكما لا يغرم شيئاً إذا استهلكها لا يغرم بوطئه إياها شيئاً أيضاً وإن كانت مدبرة أو أم ولد في الأصل فهي مردودة علي مولاها لأنهم لم يملكوها بالإحراز وأولادها أحرار لأنهم كانوا مسلمين تبعاً لها إن كانت مسلمة وذميين تبعاً لها إن كانت ذمية ولأن هذا بمنزلة ولد المغرور على ما بينا أن المشتري استولدها بتأويل الملك وولد المغرور حر ثابت النسب من أبيه إلا أنه ليس على الأب من قيمة الأولاد ها هنا شيء للطريق الذي قلنا في العقر في الفصل الأول فهذا لأن المشتري كان محارباً حين استولدها وذلك يمنع وجوب الضمان عليه باستهلاك جزء منها فكذلك إذا صار مستهلكاً للولد بحكم الغرور فإن قيل: المغرور إنما يضمن قيمة الولد وقت الخصومة وعند الخصومة القوم مسلمون أو أهل الذمة قلنا: نعم ولكن إنما يضمن وقت الخصومة بسبب الاستيلاد المتقدم وذلك السبب تحقق منه حين كان حربياً غير موجب للضمان عليه فلا يجب الضمان بعد ذلك وإن أسلموا وإن كانت مكاتبة فالجواب فيها وفي أولادها أنها ترد مكاتبة على حالها لأن المكاتبة لا تملك بالأسر وأولادها أحرار بحكم الغرور وليس على الأب من العقر ولا من قيمة الأولاد شيء لما قلنا ولمعنى آخر وهو أنه لو غرم قيمة الولد ها هنا إنما يغرم لها وهي إنما تسعى لتحصيل الحرية لنفسها وأولادها ففي هذا تحصيل بعض مقصودها وإن كانت أمة والمسألة بحالها فهي أم الولد لمن استولدها وأولادها أحرار لأنهم ملكوها بالإحراز وقد ملكها المشتري منهم بالشراء فصح استيلاده ثم تقرر ملكه فيها بالإسلام فكانت أم ولد له وإن كان المستولد ذمة للمسلمين فكذلك الجواب إلا أنها تخرج إلى العتق بالسعاية لأنها مسلمة والمسلمة لا تترك في ملك الذمي وقد تعذر إخراجها من ملكه بالبيع لأجل الاستيلاد فيجب إخراجها من ملكه بطريق الاستسعاء في قيمتها والحكم في المرتدين إذا غلبوا على دارهم وفي أهل الذمة إذا نقضوا العهد وغلبوا على دارهم بمنزلة الحكم في أهل الحرب في جميع ما ذكرنا وكذلك الحكم في أهل البغي إذا كانوا سبوا من أهل العدل في جميع هذه الفصول على ما ذكرنا لأن التأويل الفاسد في حق أهل البغي إذا انضم إلى المنعة كان بمنزلة التأويل الصحيح في الحكم والأصل فيه حديث الزهري قال: وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا متوافرين فاتفقوا على أنه لا قود في دم استحل بتأويل القرآن ولا حد في فرج استحل بتأويل القرآن ولا ضمان في مال استحل بتأويل القرآن إلا أن يوجد الشيء بعينه فيرد على أهله ولهذا قلنا ها هنا: إذا كانت المسبية أمة وجب ردها على مولاها إذا تاب أهل البغي بخلاف ما سبق لأنهم ما ملكوها ولم تصر هي أم ولد لمن استولدها وأهل الحرب ملكوها بالإحراز فصارت أم ولد لمن استولدها ولو أن قوماً من لصوص المسلمين غير المتأولين أخذوا النساء والمسألة بحالها فنقول: لا حكم للمنعة إذا تجدرت عن التأويل كما لا حكم للتأويل إذا تجرد عن المنعة فالواطىء بهذا الطريق يكون زانياً مستوجباً للحدود ولا يثبت نسب الولد منه أصلاً بظاهر قوله صلى الله عليه وآله وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم الولد يكون تبعاً للأم على صفة أمه مملوكاً لمن هو مالك للأم بخلاف جميع ما سبق وأوضح هذا الفرق بالاستهلاك قال: ألا ترى أنهم لو استهلكوا الأموال ها هنا كانوا ضامنين بخلاف ما سبق ذكره وقد ذكر بعد هذا باب قد استقصينا شرحه مما أمليناه من شرح الزيادات والله أعلم.
قال - رحمه الله تعالى -: قد بينا في المبسوط أن المسلم إذا ارتكب شيئاً من الأسباب الموجبة للعقوبة في دار الحرب فإنه لا يكون به مستوجباً للعقوبة لانعدام المستوفي فإنه لم يكن تحت ولاية الإمام حين باشر ذلك ولو ارتكب ذلك في العسكر فليس لأمير السرية أن يقيم عليه الحد أيضاً لأنه لم يفوض إليه إقامة الحدود وإنما فوض إليه تدبير الحرب إلا أن يكون الخليفة غزا بنفسه أو أمير العراق فحينئذ له أن يقيم الحد في عسكره كما يقيم في دار الإسلام واستدل على أنه لا يقام الحد في دار الحرب بحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فإنه كتب إلى عماله ألا يجلدن أمير الجيش ولا سرية أحداً حتى يخرج إلى الدرب قافلاً لئلا يلحقه حمية الشيطان فيلتحق بالكفار وهكذا نقل عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - أنه كان ينهى أن تقام الحدود على المسلمين في أرض العدو مخافة أن تلحقهم الحمية فيلحقوا بالكفار فإن تابوا تاب الله عليهم وإلا كان الله تعالى من ورائهم ثم ذكر عن عطية ابن قيس الكلابي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا هرب الرجل وقد قتل أو زنا أو سرق إلى العدو ثم أخذ أماناً على نفسه فإنه يقام عليه ما فر منه وإذا قتل في أرض العدو أو زنا أو سرق ثم أخذ أماناً لم يقم عليه شيء مما أحدث في أرض العدو فهو الأصل لعلمائنا - رحمهم الله تعالى - في اعتبار المواضع التي يرتكب فيها السبب الموجب للحد وقد بينا في المبسوط أن المستأمن في دارنا إذا ارتكب شيئاً من الأسباب الموجبة للعقوبة فإنه لا يقام عليه إلا ما فيه حق العباد من قصاص أو حد قذف وقول أبي يوسف - رحمه الله - في ذلك معروف أنه يقام ذلك كله عليه إلا حد الخمر كما في حق أهل الذمة والله أعلم.
|