الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***
وَأَمَّا بَيَانُ ما يَجِبُ بَيَانُهُ في الْمُرَابَحَةِ وما لَا يَجِبُ فَالْأَصْلُ فيه أَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ بَيْعُ أَمَانَةٍ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ ائْتَمَنَ الْبَائِعَ في إخْبَارِهِ عن الثَّمَنِ الْأَوَّلِ من غَيْرِ بينه وَلَا اسْتِحْلَافٍ فَتَجِبُ صِيَانَتُهَا عن الْخِيَانَةِ وَعَنْ سَبَبِ الْخِيَانَةِ وَالتُّهْمَةِ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عن ذلك كُلِّهِ وَاجِبٌ ما أَمْكَنَ قال اللَّهُ عز شَأْنُهُ: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وقال عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ليس مِنَّا من غَشَّنَا. وقال عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِوَابِصَةَ بن مَعْبَدٍ رضي اللَّهُ عنه الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ فَدَعْ ما يَرِيبُكَ إلا [إلى] ما لَا يَرِيبُكَ وَرُوِيَ عنه عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قال أَلَا إنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ فَمَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فيه وقال عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ من كان يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلَا يَقِفَنَّ مَوَاقِفَ التُّهَمِ وَالِاحْتِرَازُ عن الْخِيَانَةِ وَعَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ وَالتُّهْمَةِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِبَيَانِ ما يَجِبُ بَيَانُهُ فَلَا بُدَّ من بَيَانِ ما يَجِبُ بَيَانُهُ وما لَا يَجِبُ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. إذَا حَدَثَ بِالسِّلْعَةِ عَيْبٌ في يَدِ الْبَائِعِ أو في يَدِ الْمُشْتَرِي فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً يُنْظَرُ إنْ حَدَثَ بآفاة [بآفة] سَمَاوِيَّةٍ له أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً بِجَمِيعِ الثَّمَنِ من غَيْرِ بَيَانٍ عِنْدَنَا وقال زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً حتى يُبَيِّنَ وَإِنْ حَدَثَ بِفِعْلِهِ أو بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ لم يَبِعْهُ مُرَابَحَةً حتى يُبَيِّنَ بِالْإِجْمَاعِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا إن الْبَيْعَ من غَيْرِ بَيَانِ حُدُوثِ الْعَيْبِ لَا يَخْلُو من شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لو عَلِمَ أَنَّ الْعَيْبَ حَدَثَ في يَدِ الْمُشْتَرِي لَكَانَ لَا يَرْبَحُهُ فيه وَلِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ بَعْدَ حُدُوثِ الْعَيْبِ في يَدِهِ فَقَدْ احْتَبَسَ عِنْدَهُ جُزْءًا منه فَلَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْبَاقِي من غَيْرِ بَيَانٍ كما لو احْتَبَسَ بِفِعْلِهِ أو بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ. وَلَنَا أَنَّ الْفَائِتَ جُزْءٌ لَا يُقَابِلُهُ ثَمَنٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو فَاتَ بَعْدَ الْعَقْدِ قبل الْقَبْضِ لَا يَسْقُطُ بِحِصَّتِهِ شَيْءٌ من الثَّمَنِ فَكَانَ بَيَانُهُ وَالسُّكُوتُ عنه بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ وما يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ قَائِمٌ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً من غَيْرِ بَيَانٍ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَائِعًا ما بَقِيَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ ما إذَا فَاتَ بِفِعْلِهِ أو بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ لِأَنَّ الْفَائِتَ صَارَ مَقْصُودًا بِالْفِعْلِ وَصَارَ مُقَابِلُهُ الثَّمَنَ فَقَدْ حَبَسَ الْمُشْتَرِي جُزْءًا يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ فَلَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْبَاقِي مُرَابَحَةً إلَّا بِبَيَانٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَوْ حَدَثَ من الْمَبِيعِ زِيَادَةٌ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ وَالصُّوفِ وَاللَّبَنِ وَالْعُقْرِ لم يَبِعْهُ مُرَابَحَةً حتى يُبَيِّنَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ من الْمَبِيعِ مَبِيعَةٌ عِنْدَنَا حتى تَمْنَعَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَإِنْ لم يَكُنْ لها حِصَّةٌ من الثَّمَنِ لِلْحَالِ فَهَذَا حَبَسَ بَعْضَ الْمَبِيعِ وَبَاعَ الْبَاقِيَ فَلَا يَجُوزُ من غَيْرِ بَيَانٍ وَكَذَا لو هَلَكَ بِفِعْلِهِ أو بعفل [بفعل] أَجْنَبِيٍّ وَوَجَبَ الْأَرْشُ لِأَنَّهُ صَارَ مَبِيعًا مَقْصُودًا يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ ثُمَّ الْمَبِيعُ بَيْعًا غير مَقْصُودٍ لم يَبِعْهُ مُرَابَحَةً من غَيْرِ بَيَانٍ فَالْمَبِيعُ مَقْصُودًا أَوْلَى وَلَوْ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ له أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً من غَيْرِ بَيَانٍ لِأَنَّهُ إنْ هَلَكَ طَرَفٌ من أَطْرَافِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ بَاعَهُ مُرَابَحَةً من غَيْرِ بَيَانٍ على ما مَرَّ فَالْوَلَدُ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالطَّرَفِ. وَلَوْ اسْتَغَلَّ الْوَلَدَ وَالْأَرْضَ جَازَ له أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً من غَيْرِ بَيَانٍ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ التي لَيْسَتْ بِمُتَوَلِّدَةٍ من الْمَبِيعِ لَا تَكُونُ مَبِيعَةً بِالْإِجْمَاعِ وَلِهَذَا لَا يُمْنَعُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فلم يَكُنْ بِبَيْعِ الدَّارِ أو الْأَرْضِ حَابِسًا جُزْءًا من الْمَبِيعِ فَكَانَ له أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً من غَيْرِ بَيَانٍ وَكَذَلِكَ لو كان المشتري جَارِيَةً ثَيِّبًا فَوَطِئَهَا جَازَ له أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً من غَيْرِ بَيَانٍ فإن الْوَطْءَ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ حَقِيقَةً وَالْمَنْفَعَةُ لَيْسَتْ بِجُزْءٍ لها حَقِيقَةً فَاسْتِيفَاؤُهَا لَا يُوجِبُ نُقْصَانًا في الذَّاتِ إلَّا أَنَّهُ أُلْحِقَ بِالْجُزْءِ عِنْدَ عَدَمِ الْمِلْكِ إظْهَارًا لِخَطَرِ الإبضاع وَلَا حَاجَةَ إلَى ذلك في الْمِلْكِ فَبَقِيَتْ مَبِيعَةً حَقِيقَةً وَوَطْءُ الثَّيِّبِ إنَّمَا مَنَعَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عِنْدَنَا لَا لِأَنَّهُ إتْلَافُ جُزْءٍ من الْعَيْنِ بَلْ لِمَعْنًى آخَرَ نَذْكُرُهُ في مَوْضِعِهِ وَلَوْ كانت الْجَارِيَةُ بِكْرًا فَافْتَضَّهَا الْمُشْتَرِي لم يَبِعْهَا مُرَابَحَةً حتى يُبَيِّنَ لِأَنَّ الِافْتِضَاضَ إزَالَةُ الْعُذْرَةِ وهو [وهي] عُضْوٌ منها فَكَانَ إتْلَافًا لِجُزْئِهَا فَأَشْبَهَ إتْلَافَ سَائِرِ الْأَجْزَاءِ وَلَوْ أَتْلَفَ منها جُزْءًا آخَرَ لَكَانَ لَا يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً حتى يُبَيِّنَ كَذَا هذا. وَلَوْ اشْتَرَى شيئا نَسِيئَةً لم يَبِعْهُ مُرَابَحَةً حتى يُبَيِّنَ لِأَنَّ لِلْأَجَلِ شُبْهَةَ الْمَبِيعِ وَإِنْ لم يَكُنْ مَبِيعًا حَقِيقَةً لِأَنَّهُ مَرْغُوبٌ فيه أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ قد يُزَادُ لِمَكَانِ الْأَجَلِ فَكَانَ له شُبْهَةٌ أَنْ يُقَابِلَهُ شَيْءٌ من الثَّمَنِ فَيَصِيرَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً على ثَمَنِ الْكُلِّ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ في هذا الْباب فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عنها بِالْبَيَانِ. وَلَوْ اشْتَرَى من إنْسَانٍ شيئا بِدَيْنٍ له عليه له أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً من غَيْرِ بَيَانٍ وَلَوْ أَخَذَ شيئا صُلْحًا من دَيْنٍ له على إنْسَانٍ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حتى يُبَيِّنَ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ مَبْنَى الصُّلْحِ على الْحَطِّ وَالْإِغْمَاضِ وَالتَّجَوُّزِ بِدُونِ الْحَقِّ فَلَا بُدَّ من الْبَيَانِ لِيَعْلَمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ سَامَحَ أَمْ لَا فَيَقَعُ التَّحَرُّزُ عن التُّهْمَةِ وَمَبْنَى الشِّرَاءِ على الْمُضَايَقَةِ وَالْمُمَاكَسَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَيَانِ وَفَرْقٌ آخَرُ إن في الشِّرَاءِ لَا تُتَصَوَّرُ الْخِيَانَةُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَقَعُ بِذَلِكَ الدَّيْنِ بِعَيْنِهِ بَلْ بمثله وهو أَنْ يَجِبَ على الْمُشْتَرِي مِثْلُ ما في ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَالدَّلِيلُ على أَنَّهُ كَذَلِكَ أَنَّهُ لو اشْتَرَى ثُمَّ تَصَادَقَا على أَنَّهُ لم يَكُنْ عليه دَيْنٌ لم يَبْطُلْ الشِّرَاءُ وَلَوْ وَقَعَ الشِّرَاءُ بِذَلِكَ الدَّيْنِ بِعَيْنِهِ لَبَطَلَ الشِّرَاءُ وإذا لم يَقَعْ الشِّرَاءُ بِذَلِكَ الدَّيْنِ بِعَيْنِهِ لَا تَتَقَدَّرُ الْخِيَانَةُ كما إذَا اشْتَرَى منه ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الصُّلْحِ فإنه يَقَعُ بِمَا في الذِّمَّةِ على الْبَدَلِ الْمَذْكُورِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لو تَصَادَقَا بَعْدَ عَقْدِ الصُّلْحِ على أَنَّهُ لم يَكُنْ عليه دَيْنٌ يَبْطُلُ الصُّلْحُ فَاحْتَمَلَ تُهْمَةَ الْمُسَامَحَةِ وَالتَّجَوُّزِ بِدُونِ الْحَقِّ فَوَجَبَ التَّحَرُّزُ عن ذلك بِالْبَيَانِ وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَرَقَمَهُ اثْنَيْ عَشَرَ فَبَاعَهُ مُرَابَحَةً على الرَّقْمِ من غَيْرِ بَيَانٍ جَازَ إذَا كان الرَّقْمُ مَعْلُومًا وَالرِّبْحُ مَعْلُومًا وَلَا يَكُونُ خِيَانَةً لِأَنَّهُ صَادِقٌ لَكِنْ لَا يقول اشْتَرَيْته بِكَذَا لِأَنَّهُ يَكُونُ كَاذِبًا فيه وروى عن أبي يُوسُفَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كان لَا يَعْلَمُ عَادَةَ التُّجَّارِ وَعِنْدَهُ أَنَّ الرَّقْمَ هو الثَّمَنُ لم يَبِعْهُ مُرَابَحَةً على ذلك من غَيْرِ بَيَانٍ وَكَذَلِكَ لو وَرِثَ مَالًا فَرَقَمَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً على رَقْمِهِ يَجُوزُ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ اشْتَرَى شيئا ثُمَّ بَاعَهُ بِرِبْحٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً فإنه يَطْرَحُ كُلَّ رِبْحٍ كان قبل ذلك فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً على ما يبقي من رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ الطَّرْحِ فَإِنْ لم يَبْقَ منه شَيْءٌ بِأَنْ اسْتَغْرَقَ الرِّبْحُ الثَّمَنَ لم يَبِعْهُ مُرَابَحَةً وَهَذَا عِنْدَ أبي حَنِيفَةِ. وَأَمَّا عِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً على الثَّمَنِ الْأَخِيرِ من غَيْرِ بَيَانٍ وَلَا عِبْرَةَ بِالْعُقُودِ الْمُتَقَدِّمَةِ رَبِحَ فيها أو خَسِرَ وَبَيَانُ ذلك إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ فَبَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فإنه يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً على خَمْسَةٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا على عَشَرَةٍ وَلَوْ بَاعَهُ بِعِشْرِينَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ لم يَبِعْهُ مُرَابَحَةً أَصْلًا وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً على عَشَرَةٍ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْعُقُودَ الْمُتَقَدِّمَةَ لَا عِبْرَةَ بها لِأَنَّهَا ذَهَبَتْ وَتَلَاشَتْ بِنَفْسِهَا وَحُكْمِهَا فَأَمَّا الْعَقْدُ الْأَخِيرُ فَحُكْمُهُ قَائِمٌ وهو الْمِلْكُ فَكَانَ هذا الْمُعْتَبَرُ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً على الثَّمَنِ الْأَخِيرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ عليه الرَّحْمَةُ أَنَّ الشِّرَاءَ الْأَخِيرَ كما أَوْجَبَ مِلْكَ الثَّوْبِ فَقَدْ أَكَّدَ الرِّبْحَ وهو خمسه لِأَنَّهُ كان يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ أو بِغَيْرِهِ من أَسْباب الْفَسْخِ فإذا اشْتَرَى فَقَدْ خَرَجَ عن احْتِمَالِ الْبُطْلَانِ فَتَأَكَّدَ وَلِلتَّأَكُّدِ شُبْهَةُ الأثبات فَكَانَ مُشْتَرِيًا لِلثَّوْبِ وَخَمْسَةُ الرِّبْحِ بِعَشَرَةٍ من وَجْهٍ فَكَانَ فيه شبهه أَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً على ثَمَنِ الْكُلِّ وَذَا لَا يَجُوزُ من غَيْرِ بَيَانٍ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ في هذا الْباب لها حُكْمُ الْحَقِيقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ نَسِيئَةً ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً على عَشَرَةٍ نقد [نقدا] لم يَبِعْهُ مُرَابَحَةً من غَيْرِ بَيَانٍ احتراز [احترازا] عن الشُّبْهَةِ لِأَنَّ لِلْأَجَلِ شُبْهَةَ أَنْ يُقَابِلَهُ الثَّمَنُ على ما مَرَّ فَوَجَبَ التَّحَرُّزُ عنه بِالْبَيَانِ كَذَا هذا فإذا بَاعَهُ بِعَشْرَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ صَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى ثَوْبًا وَعَشَرَةً بِعَشَرَةٍ فَيَكُونُ الْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ وَيَبْقَى الثَّوْبُ خَالِيًا عن الْعِوَضِ في عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَيَتَمَكَّنُ فيه شُبْهَةُ الرِّبَا فلم يَبِعْهُ مُرَابَحَةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَوْ اشْتَرَى مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ له كَالْوَالِدَيْنِ والمولدين [والمولودين] وَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ لم يَجُزْ له أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً حتى يُبَيِّنَ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وقال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ له ذلك من غَيْرِ بَيَانٍ وَلَوْ اشْتَرَى من مُكَاتَبِهِ أو عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أو لَا دَيْنَ عليه لم يَبِعْهُ مُرَابَحَةً من غَيْرِ بَيَانٍ بِالْإِجْمَاعِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَا خَلَلَ في الشِّرَاءِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ مِلْكَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُمْتَازٌ عن مِلْكِ صَاحِبِهِ مُنْفصل عنه فَصَحَّ الشِّرَاءُ الْأَوَّلُ فَلَا يَجِبُ الْبَيَانُ كما إذَا اشْتَرَى من الْأَجْنَبِيِّ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ تُهْمَةَ الْمُسَامَحَةِ في الشِّرَاءِ الْأَوَّلِ قَائِمَةٌ لِأَنَّ الناس في الْعَادَاتِ لَا يُمَاكِسُونَ في الشِّرَاءِ من هَؤُلَاءِ فَكَانَتْ التُّهْمَةُ وَهِيَ الشِّرَاءُ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ قَائِمَةً فَلَا بُدَّ من الْبَيَانِ كما في الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ وَلِأَنَّ لِلشِّرَاءِ من هَؤُلَاءِ شُبْهَةَ عَدَمِ الصِّحَّةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَبِيعُ بِمَالِ صَاحِبِهِ عَادَةً وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ لِكَوْنِهَا شَهَادَةً لِنَفْسِهِ من وَجْهٍ فَكَانَ مَالُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ قَائِمًا مَعْنًى فَكَانَ لِهَذَا الشِّرَاءِ شُبْهَةُ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَالشُّبْهَةُ في هذا الْباب مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فيؤثر [فتؤثر] في الْمُرَابَحَةِ كما في الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ. وَلَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً من رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ اشْتَرَى منه من لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ له بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فإنه يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً على أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ وَذَلِكَ أَلْفٌ وَلَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً على أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ إلَّا بِبَيَانٍ عِنْدَ أبي حَنِيفَةِ وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً على أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ من غَيْرِ بَيَانٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَجْمَعُوا على أَنَّهُ لو اشْتَرَى عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ فَبَاعَهُ من الْمُكَاتَبِ الْمَدْيُونِ أو لَا دَيْنَ عليه بِأَلْفٍ إنه لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً على أَكْثَرِ الثَّمَنَيْنِ. وَكَذَا لو اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أو الْمَأْذُونُ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ فَبَاعَهُ من الْمَوْلَى بِأَلْفٍ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ اشْتَرَى من مُضَارِبِهِ أو اشْتَرَى مضاربه منه فإنه يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً على أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ من الرِّبْحِ إنْ كان فيه رِبْحٌ وَإِنْ لم يَكُنْ رِبْحٌ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً على أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ بَيَانُ ذلك إذَا دَفَعَ أَلْفًا مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ فَبَاعَهُ من الْمُضَارِبِ بِأَلْفٍ فإن الْمُضَارِبَ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً على خَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ جَوَازَ بَيْعِ رَبِّ الْمَالِ من الْمُضَارِبِ وَالْمُضَارِبِ من رَبِّ الْمَالِ ليس بِمَقْطُوعٍ بِهِ بَلْ هو مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ فإن عِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ وهو الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَالِ نَفْسِهِ على نَفْسِهِ وَالشِّرَاءُ من الْإِنْسَانِ بِمَالِهِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا الْجَوَازَ بِالِاجْتِهَادِ مع احْتِمَالِ الْخَطَأِ فَكَانَ شُبْهَةُ عَدَمِ الْجَوَازِ قَائِمَةً فتلحق [فتلتحق] بِالْحَقِيقَةِ في الْمَنْعِ من الْمُرَابَحَةِ من غَيْرِ بَيَانٍ وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ بَاعَهُ من الْمُضَارِبِ بِأَكْثَرَ من قِيمَتِهِ لَكِنْ سَاهَلَهُ الْمُضَارِبُ لِأَنَّهُ ما اشْتَرَاهُ بِمَالِ نَفْسِهِ بَلْ بِمَالِ رَبِّ الْمَالِ فَتَمَكَّنَتْ التُّهْمَةُ في هذا الْبَيْعِ فَلَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِأَوْفَرِ الثَّمَنَيْنِ إلَّا بِبَيَانٍ. وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ من رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ فإن لِرَبِّ الْمَالِ بَيْعَهُ مُرَابَحَةً على أَلْفٍ وَمِائَةٍ إنْ كانت الْمُضَارَبَةُ بِالنِّصْفِ لِأَنَّ الْمِائَتَيْنِ رِبْحٌ وَهِيَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ حِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ فيها شُبْهَةٌ وَتُهْمَةٌ على ما ذَكَرْنَا فَيُطْرَحُ ذلك الْقَدْرُ من بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَأَمَّا حِصَّةُ الْمُضَارِبِ فَلَا شُبْهَةَ فيها وَلَا تُهْمَةَ إذْ لَا حَقَّ فيها لِرَبِّ الْمَالِ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً على أَلْفٍ وَمِائَةٍ وَكَذَلِكَ لو اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ من الْمُضَارِبِ بِمِائَةٍ بَاعَهُ الْمُضَارِبُ مُرَابَحَةً على مِائَةٍ وَكَذَلِكَ لو اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ من رَبِّ الْمَالِ بِمِائَةٍ بَاعَهُ رَبُّ الْمَالِ مُرَابَحَةً على مِائَةٍ وَهِيَ أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ في الْأَقَلِّ وفي الْأَكْثَرِ تُهْمَةٌ على ما بَيَّنَّا. وَلَوْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ بِخَمْسِمِائَةٍ فَبَاعَهُ من الْمُضَارِبِ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ بَاعَهُ الْمُضَارِبُ مُرَابَحَةً على خَمْسِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ لِأَنَّ الْخَمْسَمِائَةِ أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ وَالْخَمْسُونَ قَدْرُ حِصَّةِ الْمُضَارِبِ من الرِّبْحِ فَتُضَمُّ إلَى الْخَمْسِمِائَةِ وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حُكْمُ الْخِيَانَةِ إذَا ظَهَرَتْ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ إذَا ظَهَرَتْ الْخِيَانَةُ في الْمُرَابَحَةِ لَا يَخْلُو إمَّا إن ظَهَرَتْ في صِفَةِ الثَّمَنِ وَإِمَّا إن ظَهَرَتْ في قَدْرِهِ فَإِنْ ظَهَرَتْ في صِفَةِ الثَّمَنِ بِأَنْ اشْتَرَى شيئا بِنَسِيئَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً على الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ولم يُبَيِّنْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِنَسِيئَةٍ أو بَاعَهُ تَوْلِيَةً ولم يُبَيِّنْ ثُمَّ عَلِمَ الْمُشْتَرِي فَلَهُ الْخِيَارُ بِالْإِجْمَاعِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ عَقْدٌ بُنِيَ على الْأَمَانَةِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ اعْتَمَدَ الْبَائِعَ وَائْتَمَنَهُ في الْخَبَرِ عن الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَكَانَتْ الْأَمَانَةُ مَطْلُوبَةً في هذا الْعَقْدِ فَكَانَتْ صِيَانَتُهُ عن الْخِيَانَةِ مَشْرُوطَةً دَلَالَةً فَفَوَاتُهَا يُوجِبُ الْخِيَارَ كَفَوَاتِ السَّلَامَةِ عن الْعَيْبِ وَكَذَا لو صَالَحَ من دَيْنِ أَلْفٍ له على إنْسَانٍ على عَبْدٍ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً على الْأَلْفِ ولم يُبَيِّنْ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ كان بَدَلَ الصُّلْحِ فَلَهُ الْخِيَارُ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ ظَهَرَتْ الْخِيَانَةُ في قَدْرِ الثَّمَنِ في الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ بِأَنْ قال اشْتَرَيْتُ بِعَشَرَةٍ وَبِعْتُكَ بِرِبْحِ دَهٍ يا زده أو قال اشْتَرَيْتُ بِعَشَرَةٍ وَوَلَّيْتُكَ بِمَا تَوَلَّيْتُ ثُمَّ تَبَيَّنَّ أَنَّهُ كان اشْتَرَاهُ بتسعه فَقَدْ اُخْتُلِفَ في حُكْمِهِ. قال أبو حَنِيفَةَ عليه الرَّحْمَةُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ في الْمُرَابَحَةِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وفي التَّوْلِيَةِ لَا خِيَارَ له لَكِنْ يُحَطُّ قَدْرُ الْخِيَانَةِ وَيَلْزَمُ الْعَقْدُ بِالثَّمَنِ الْبَاقِي وقال أبو يُوسُفَ لَا خِيَارَ له وَلَكِنْ يُحَطُّ قَدْرُ الْخِيَانَةِ فِيهِمَا جميعا وَذَلِكَ دِرْهَمٌ في التَّوْلِيَةِ وَدِرْهَمٌ في الْمُرَابَحَةِ وَحِصَّةٌ من الرِّبْحِ وهو جُزْءٌ من عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ من دِرْهَمٍ وقال مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ له الْخِيَارُ فِيهِمَا جميعا إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ على الْبَائِعِ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لم يَرْضَ بِلُزُومِ الْعَقْدِ إلَّا بِالْقَدْرِ الْمُسَمَّى من الثَّمَنِ فَلَا يَلْزَمُ بِدُونِهِ وَيَثْبُتُ له الْخِيَارُ لِفَوَاتِ السَّلَامَةِ عن الْخِيَانَةِ كما يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِفَوَاتِ السَّلَامَةِ عن الْعَيْبِ إذَا وُجِدَ الْمَبِيعُ مَعِيبًا وَجْهُ قَوْلِ أبي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ أَصْلٌ في بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ فإذا ظَهَرَتْ الْخِيَانَةُ تَبَيَّنَ أَنَّ تَسْمِيَةَ قَدْرِ الْخِيَانَةِ لم تَصِحَّ فَلَغَتْ تَسْمِيَتُهُ وَبَقِيَ الْعَقْدُ لَازِمًا بِالثَّمَنِ الْبَاقِي وَلِأَبِي حَنِيفَةَ الْفَرْقُ بين الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وهو أَنَّ الْخِيَانَةَ في الْمُرَابَحَةِ لَا تُوجِبُ خُرُوجَ الْعَقْدِ عن كَوْنِهِ مُرَابَحَةً لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَزِيَادَةُ رِبْحٍ وَهَذَا قَائِمٌ بَعْدَ الْخِيَانَةِ لِأَنَّ بَعْضَ الثَّمَنِ رَأْسُ مَالٍ وَبَعْضَهُ رِبْحٌ فلم يَخْرُجْ الْعَقْدُ عن كَوْنِهِ مُرَابَحَةً وَإِنَّمَا أَوْجَبَ تَغْيِيرًا في قَدْرِ الثَّمَنِ وَهَذَا يُوجِبُ خَلَلًا في الرِّضَا فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ كما إذَا ظَهَرَتْ الْخِيَانَةُ في صِفَةِ الثَّمَنِ بِأَنْ ظَهَرَ إن الثَّمَنَ كان نَسِيئَةً وَنَحْوَ ذلك على ما ذَكَرْنَا بِخِلَافِ التَّوْلِيَةِ لِأَنَّ الْخِيَانَةَ فيها تُخْرِجُ الْعَقْدَ عن كَوْنِهِ تَوْلِيَةً لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ من غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وقد ظَهَرَ النُّقْصَانُ في الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَلَوْ أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ لَأَخْرَجْنَاهُ عن كَوْنِهِ تَوْلِيَةً وَجَعَلْنَاهُ مُرَابَحَةً وَهَذَا إنْشَاءُ عَقْدٍ آخَرَ لم يَتَرَاضَيَا عليه وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَحَطَطْنَا قَدْرَ الْخِيَانَةِ وَأَلْزَمْنَا الْعَقْدَ بِالثَّمَنِ الْبَاقِي وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. هذا إذَا كان الْمَبِيعُ عِنْدَ ظُهُورِ الْخِيَانَةِ بِمَحَلِّ الْفَسْخِ فَأَمَّا إذَا لم يَكُنْ بِأَنْ هَلَكَ أو حَدَثَ بِهِ ما يَمْنَعُ الْفَسْخَ بَطَلَ خِيَارُهُ وَلَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ إذَا لم يَكُنْ بِمَحَلِّ الْفَسْخِ لم يَكُنْ في ثُبُوتِ الْخِيَارِ فَائِدَةٌ فَيَسْقُطُ كما في خِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْإِشْرَاكُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ التَّوْلِيَةِ لَا أَنَّهُ تَوْلِيَةٌ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ تَوْلِيَةُ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِبَعْضِ الثَّمَنِ وقد ذَكَرْنَا ما يَتَعَلَّقُ بِالتَّوْلِيَةِ من الشَّرَائِطِ وَالْأَحْكَامِ وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِالْإِشْرَاكِ بَيَانُ الْقَدْرِ الذي تَثْبُتُ فيه الشَّرِكَةُ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ المشتري لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لِوَاحِدٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِاثْنَيْنِ أو أَكْثَرَ فَإِنْ كان لِوَاحِدٍ فَأَشْرَكَ فيه غَيْرَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُشْرِكَهُ في قَدْرٍ مَعْلُومٍ كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَنَحْوِ ذلك وَإِمَّا إن أَطْلَقَ الشَّرِكَةَ فَإِنْ أَشْرَكَهُ في قَدْرٍ مَعْلُومٍ فَلَهُ ذلك الْقَدْرُ لَا شَكَّ فيه لِأَنَّ حُكْمَ التَّصَرُّفِ فيه يَثْبُتُ في قَدْرِ ما أُضِيفَ إلَيْهِ هو الْأَصْلُ فَإِنْ أَطْلَقَ الشَّرِكَةَ بِأَنْ قال أَشْرَكْتُكَ في هذا الْكُرِّ فَلَهُ نِصْفُ الْكُرِّ كما لو قال أَشْرَكْتُكَ في نِصْفِ الْكُرِّ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ الْمُطْلَقَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فَتَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ الرَّجُلِ مِثْلَ نَصِيبِهِ. وَلَوْ أَشْرَكَ رَجُلًا في نِصْفِهِ فلم يَقْبِضْهُ حتى هَلَكَ نِصْفُهُ فَالرَّجُلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ ما بَقِيَ وهو رُبُعُ الْكُرِّ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِأَنَّهُ كان له نِصْفٌ شَائِعٌ من ذلك فما هَلَكَ هَلَكَ على الشَّرِكَةِ وما بَقِيَ بَقِيَ على الشَّرِكَةِ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا كان قبل الْقَبْضِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ قد تَفَرَّقَتْ عليه وَكَذَلِكَ لو بَاعَ رجلا [رجل] نِصْفَ الْكُرِّ ثُمَّ هَلَكَ نِصْفُهُ قبل الْقَبْضِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ كان مَكَانَ الْهَلَاكِ اسْتِحْقَاقٌ بِأَنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْكُرِّ فَهَهُنَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الشَّرِكَةِ وَالْبَيْعِ فَيَكُونُ النِّصْفُ الْبَاقِي لِلْمُشْتَرِي خَاصَّةً في الْبَيْعِ وفي الشَّرِكَةِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا كان كَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْعَ أُضِيفَ إلَى نِصْفٍ شَائِعٍ وَتَعَذَّرَ تَنْفِيذُهُ في النِّصْفِ الْمُسْتَحَقِّ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ وَأَمْكَنَ تَنْفِيذُهُ في نِصْفِ الْمَمْلُوكِ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهُ فيه وَكَذَلِكَ في الشَّرِكَةِ إلَّا أَنَّ تَنْفِيذَهُ في النِّصْفِ الْمَمْلُوكِ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا في ذلك النِّصْفِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ لِلرَّجُلِ وَنِصْفُهُ له. وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فقال له رَجُلٌ أَشْرِكْنِي في هذا الْعَبْدِ فقال قد أَشْرَكْتُكَ ثُمَّ قال له رَجُلٌ آخَرُ مِثْلَ ذلك فَأَشْرَكَهُ فيه إنْ كان الثَّانِي عَلِمَ بِمُشَارَكَةِ الْأَوَّلِ فَلَهُ الرُّبُعُ وَلِلْمُشْتَرِي الرُّبُعُ وَالنِّصْفُ لِلْأَوَّلِ وَإِنْ كان لم يَعْلَمْ بِمُشَارَكَتِهِ فَالنِّصْفُ له وَالنِّصْفُ لِلْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ الثَّانِي بِمُشَارَكَةِ الْأَوَّلِ فلم يَطْلُبْ الشَّرِكَةَ منه إلَّا في نَصِيبِهِ خَاصَّةً وَالشَّرِكَةُ في نَصِيبِهِ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بين النَّصِيبَيْنِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبُعُ. وإذا لم يَعْلَمْ بِالشَّرِكَةِ فَقَوْلُهُ أَشْرِكْنِي طَلَبُ الشَّرِكَةِ في الْكُلِّ وَالْإِشْرَاكُ في الْكُلِّ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ له وَالْأَوَّلُ قد اسْتَحَقَّ النِّصْفَ بِالْمُشَارَكَةِ فَيَسْتَحِقُّ الثَّانِي النِّصْفَ الْبَاقِيَ تَحْقِيقًا لِلشَّرِكَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْمُسَاوَاةِ وَلَوْ قال لِرَجُلٍ اشْتَرِ جَارِيَةَ فلأن بَيْنِي وَبَيْنَكَ فقال الْمَأْمُورُ نعم ثُمَّ لَقِيَهُ غَيْرُهُ فقال له مِثْلَ ما قال الْأَوَّلُ فقال الْمَأْمُورُ نعم ثُمَّ اشْتَرَى الْجَارِيَةَ فَالْجَارِيَةُ بين الْآمِرَيْنِ وَلَا شَيْءَ منها لِلْمَأْمُورِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ نِصْفِ الْجَارِيَةِ وَبِقَبُولِ الْوَكَالَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَخْرُجُ عن كَوْنِهِ وَكِيلًا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُ نَفْسِهِ عن الْوَكَالَةِ من غَيْرِ مَحْضَرٍ من الْمُوَكِّلِ فَبَقِيَ وَكِيلًا له بِشِرَاءِ النِّصْفِ فإذا قَبِلَ الْوَكَالَةَ من الثَّانِي صَارَ وَكِيلًا في شِرَاءِ النِّصْفِ الْآخَرِ فإذا اشْتَرَى الْجَارِيَةَ فَقَدْ اشْتَرَاهَا لِمُوَكِّلَيْهِ فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ لَقِيَهُ ثَالِثٌ فقال له مِثْلَ ما قال الْأَوَّلَانِ فقال نعم ثُمَّ اشْتَرَاهَا كانت الْجَارِيَةُ لِلْأَوَّلَيْنِ وَلَا شَيْءَ لِلثَّالِثِ لِأَنَّهُ قد بَقِيَ وَكِيلًا لِلْأَوَّلَيْنِ إذْ لَا يَمْلِكُ إخْرَاجَ نَفْسِهِ عن وَكَالَتِهِمَا حَالَ غَيْبَتِهِمَا فلم يَصِحَّ قَبُولُهُ الْوَكَالَةَ من الثَّالِثِ شَرِيكَانِ شَرِكَةَ عِنَانٍ في الرَّقِيقِ أَمَرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدَ فُلَانٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَأْمُورِ ثُمَّ أَمَرَهُ آخَرُ بِمِثْلِ ذلك فَاشْتَرَاهُ فَالنِّصْفُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَالنِّصْفُ لِلشَّرِيكَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ من الشَّرِيكَيْنِ يَمْلِكُ شِرَاءَ الرَّقِيقِ بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ من غَيْرِ أَمْرٍ فَكَانَ الْأَمْرُ سَفَهًا فلم يَصِحَّ وَصَحَّ من الْأَجْنَبِيِّ فَاسْتَحَقَّ النِّصْفَ وَاسْتِحْقَاقُ النِّصْفِ تقضية [تقتضيه] الشَّرِكَةُ وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ. هذا إذَا كان المشتري لِوَاحِدٍ فَأَشْرَكَهُ فَإِنْ كان لِاثْنَيْنِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ أَشْرَكَ أَحَدُهُمَا رَجُلًا وَإِمَّا أَنْ أَشْرَكَاهُ جميعا فَإِنْ أَشْرَكَهُ أَحَدُهُمَا فَإِمَّا إن أَشْرَكَهُ في نَصِيبِهِ خَاصَّةً بِأَنْ قال أَشْرَكْتُكَ في نَصِيبِي وَإِمَّا إن أَشْرَكَهُ في نِصْفِهِ بِأَنْ قال أَشْرَكْتُكَ في نِصْفِي وَإِمَّا إن أَشْرَكَهُ مُطْلَقًا بِأَنْ قال أَشْرَكْتُكَ في هذا الْعَبْدِ وَإِمَّا أَنْ أَشْرَكَهُ في نَصِيبِهِ وَنَصِيبِ صَاحِبِهِ وَإِمَّا إن أَشْرَكَهُ في نِصْفِهِ بِأَنْ قال أَشْرَكْتُكَ في نِصْفِ هذا الْعَبْدِ فَإِنْ أَشْرَكَهُ في نَصِيبِهِ خَاصَّةً فَلَهُ النِّصْفُ من نَصِيبِهِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ الْمُطْلَقَةَ في نَصِيبِهِ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ فيه مِثْلَ نَصِيبِهِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَكَذَا لو أَشْرَكَهُ في نِصْفِهِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ الْمُطْلَقَةَ في نِصْفِهِ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فيه وَإِنْ أَشْرَكَهُ مُطْلَقًا فَإِنْ أَجَازَ شَرِيكُهُ فَلَهُ النِّصْفُ كَامِلًا وَالنِّصْفُ لَهُمَا وَإِنْ لم يُجِزْ فَالرُّبُعُ له لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّرِكَةَ الْمُطْلَقَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فَتَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ وَحْدَهُ مِثْلَ نَصِيبِهِمَا جميعا إلَّا أَنَّهُ إذَا لم يُجِزْ تَعَذَّرَ تَنْفِيذُ الْإِشْرَاكِ في نَصِيبِهِ فَيَنْفُذُ في نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَيَكُونُ له الرُّبُعُ وإذا أَجَازَ أَمْكَنَ إجْرَاءُ الشَّرِكَةِ على إطْلَاقِهَا وَهِيَ بِإِطْلَاقِهَا تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَذَلِكَ في أَنْ يَكُونَ له النِّصْفُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبُعُ وَإِنْ أَشْرَكَهُ في نَصِيبِهِ وَنَصِيبِ صَاحِبِهِ فَكَذَلِكَ في ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ إنْ أَجَازَ صَاحِبُهُ فَلَهُ النِّصْفُ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لَهُمَا وَإِنْ لم يُجِزْ فَلَهُ الرُّبُعُ وَرُوِيَ عن أبي يُوسُفَ في النَّوَادِرِ أَنَّهُ إنْ أَجَازَ كان بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَإِنْ أَبَى أَنْ يُجِيزَ كان له ثُلُثُ ما في يَدِ الذي أَشْرَكَهُ وهو سُدُسُ الْكُلِّ. وَجْهُ هذه الرِّوَايَةِ إن إشْرَاكَ أَحَدِهِمَا وَإِجَازَةَ الْآخِرِ بِمَنْزِلَةِ إشْرَاكِهِمَا مَعًا لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَسْتَنِدُ إلَى حَالِ الْعَقْدِ فَكَأَنَّهُمَا أَشْرَكَاهُ مَعًا وَلِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ فَصَارَ كَأَنَّ الْعَاقِدَ أَشْرَكَ بِوَكَالَةِ صَاحِبِهِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِشْرَاكَ وَالْإِجَازَةَ تَثْبُتُ على التَّعَاقُبِ لِوُجُودِ الْإِشْرَاكِ وَالْإِجَازَةِ على التَّعَاقُبِ وَالْحُكْمُ يَثْبُتُ على وَفْقِ الْعِلَّةِ فَصَارَ كما لو أَشْرَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على التَّعَاقُبِ قَوْلُهُ الْإِجَازَةُ تَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الْعَقْدِ. قُلْنَا نعم لَكِنَّ الثَّابِتَ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ يَثْبُتُ لِلْحَالِ ثُمَّ يَسْتَنِدُ فَكَانَ حُكْمُ الْإِجَازَةِ مُتَأَخِّرًا عن حُكْمِ الْإِشْرَاكِ ثُبُوتًا وَإِنْ أَشْرَكَهُ في نِصْفِ الْعَبْدِ فَأَجَازَ شَرِيكُهُ فَلَهُ نِصْفُ ما في يَدِ هذا وَنِصْفُ ما في يَدِ الْآخَرِ وَإِنْ لم يُجِزْ فَلَهُ نِصْفُ ما في يَد الذي أَشْرَكَهُ لِمَا قُلْنَا هذا إذَا أَشْرَكَهُ أَحَدُهُمَا فَأَمَّا إذَا أَشْرَكَاهُ جميعا فَلَا يَخْلُو إمَّا إن أَشْرَكَاهُ مَعًا وَإِمَّا إن أَشْرَكَاهُ على التَّعَاقُبِ فَإِنْ أَشْرَكَاهُ مَعًا فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ له النِّصْفُ كَامِلًا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبُعُ وفي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَإِنْ أَشْرَكَاهُ على التَّعَاقُبِ مُطْلَقًا ولم يُبَيِّنَا قَدْرَ الشَّرِكَةِ أو أَشْرَكَاهُ في نَصِيبِهِمَا بِأَنْ قال كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَشْرَكْتُكَ في نَصِيبِي ولم يُبَيِّنْ في كَمْ أَشْرَكَهُ كان له النِّصْفُ وَلِلْأَوَّلَيْنِ النِّصْفُ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ لَمَّا أَشْرَكَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَدْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ نَصِيبِهِ فَكَانَ النِّصْفُ له وَالنِّصْفُ لَهُمَا جميعا كما لو أَشْرَكَاهُ على التَّعَاقُبِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وهو الْفَرْقُ بين حَالَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ إن الْإِشْرَاكَ الْمُطْلَقَ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا إيَّاهُ في زَمَانٍ وَاحِدٍ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ في أَنْصِبَاءِ الْكُلِّ وهو أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ كل وَاحِدٍ منهم مِثْلَ نَصِيبِ الْآخَرِ في أَنْ يَكُونَ المشتري بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا بِخِلَافِ الْإِشْرَاكِ على التَّعَاقُبِ لِأَنَّ الْإِشْرَاكَ من أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا في زَمَانٍ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ مِثْلَ نَصِيبِهِ وَكَذَلِكَ الْإِشْرَاكُ الْآخَرُ في الزَّمَانِ الثَّانِي فَيَجْتَمِعُ له رُبُعَانِ وهو النِّصْفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبُعُ وَالله أعلم.
وَأَمَّا الْمُوَاضَعَةُ فَهِيَ بَيْعٌ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مع نُقْصَانِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ منه وَيُعْتَبَرُ لها من الشَّرَائِطِ وَالْأَحْكَامِ ما يُعْتَبَرُ لِلْمُرَابَحَةِ وقد ذَكَرْنَا ذلك كُلَّهُ وَالْأَصْلُ في مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الثَّمَنِ في الْمُوَاضَعَةِ أَنْ يُضَمَّ قَدْرُ الْوَضِيعَةِ إلَى رَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ يُطْرَحُ منه فما بَقِيَ بَعْدَ الطَّرْحِ فَهُوَ الثَّمَنُ مِثَالُهُ إذَا قال اشْتَرَيْتُ هذا بِعَشَرَةٍ وَبِعْتُكَ بوضيعه دَهٍ يا زده فإذا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ الثَّمَنَ أَنَّهُ كَمْ هو فَسَبِيلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ دِرْهَمٍ من الْعَشَرَةِ التي هِيَ رَأْسُ الْمَالِ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا فَيَكُونُ الْكُلُّ أَحَدَ عَشَرَ اطْرَحْ منها [منهما] دِرْهَمًا يَكُونُ الثَّمَنُ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ وَجُزْءًا من أَحَدَ عَشَرَ جزء من دِرْهَمٍ وَعَلَى هذا الْقِيَاسِ تَجْرِي مَسَائِلُ الْمُوَاضَعَةِ وَالله الموفق. لِلصَّوَابِ.
وَأَمَّا شَرَائِطُ لُزُومِ الْبَيْعِ بَعْدَ انْعِقَادِهِ وَنَفَاذِهِ وَصِحَّتِهِ فَوَاحِدٌ وهو أَنْ يَكُونَ خَالِيًا عن خِيَارَاتٍ أَرْبَعَةٍ خِيَارِ التَّعْيِينِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَلَا يَلْزَمُ مع أَحَدِ هذه الْخِيَارَاتِ وَهَذَا عِنْدَنَا وقال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ افْتِرَاقُ الْعَاقِدَيْنِ مع الْخُلُوِّ عن الْخِيَارَيْنِ وهو خِيَارُ الشَّرْطِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ شَرْطٌ أَيْضًا وَلَقَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ ليس بِثَابِتٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ ثَابِتٌ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَفْتَرِقَا وَهَذَا نَصٌّ في الْباب وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ قد يَبِيعُ شيئا وَيَشْتَرِي شيئا ثُمَّ يَبْدُو له فَيَنْدَمُ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّدَارُكِ بِالْفَسْخِ فَكَانَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ في الْمَجْلِسِ من باب النَّظَرِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ. وَلَنَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ عز وجل: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عن تَرَاضٍ مِنْكُمْ} أَبَاحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْأَكْلَ بِالتِّجَارَةِ عن تَرَاضٍ مُطْلَقًا عن قَيْدِ التَّفَرُّقِ عن مَكَانِ الْعَقْدِ وَعِنْدَهُ إذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا الْعَقْدَ في الْمَجْلِسِ لَا يُبَاحُ الْأَكْلُ فَكَانَ ظَاهِرُ النَّصِّ حُجَّةً عليه وَلِأَنَّ الْبَيْعَ من الْعَاقِدَيْنِ صَدَرَ مُطْلَقًا عن شَرْطٍ وَالْعَقْدُ الْمُطْلَقُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمِلْكِ في الْعِوَضَيْنِ في الْحَالِ فَالْفَسْخُ من أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ يَكُونُ تَصَرُّفًا في الْعَقْدِ الثَّابِتِ بِتَرَاضِيهِمَا أو في حُكْمِهِ بِالرَّفْعِ وَالْإِبْطَالِ من غَيْرِ رِضَا الْآخَرِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَلِهَذَا لم يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ وَالْإِقَالَةِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ كَذَا هذا وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَإِنْ ثَبَتَ مع كَوْنِهِ في حَدِّ الْآحَادِ مُخَالِفًا لِظَاهِرِ الْكتاب فَالْخِيَارُ الْمَذْكُورُ فيه مَحْمُولٌ على خِيَارِ الرُّجُوعِ وَالْقَبُولِ ما دَامَا في التَّبَايُعِ وهو أَنَّ الْبَائِعَ إذَا قال لِغَيْرِهِ بِعْتُ مِنْكَ كَذَا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ ما لم يَقُلْ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَقْبَلَ أَيْضًا وإذا قال الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ مِنْكَ بِكَذَا كان له أَنْ يَرْجِعَ ما لم يَقُلْ الْبَائِعُ بِعْتُ وَلِلْبَائِعِ أَنْ لَا يَقْبَلَ أَيْضًا وَهَذَا النَّوْعُ من التَّأْوِيلِ لِلْخَبَرِ نَقَلَهُ مُحَمَّدٌ في الْمُوَطَّأِ عن إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وأنه مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ أبي حَنِيفَةَ لِمَا رُوِيَ عن ابْنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا عن بَيْعِهِمَا حَمَلْنَاهُ على هذا تَوْفِيقًا بين الدَّلَائِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا بَيَانُ ما يُكْرَهُ من الْبِيَاعَاتِ وما يَتَّصِلُ بها فَأَمَّا الْبِيَاعَاتُ الْمَكْرُوهَةُ فَمِنْهَا التَّفْرِيقُ بين الرفيق [الرقيق] في الْبَيْعِ وَالْأَصْلُ فيه ما رُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال لَا تُولَهُ وَالِدَةٌ عن وَلَدِهَا وَالتَّفَرُّقُ بَيْنَهُمَا تَوْلِيهٌ فَكَانَ مَنْهِيًّا وَرُوِيَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم رَأَى امْرَأَةً وَالِهَةً في السَّبْيِ فَسَأَلَ عن شَأْنِهَا فَقِيلَ قد بِيعَ وَلَدُهَا فَأَمَرَ بِالرَّدِّ وقال عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ من فَرَّقَ بين وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يوم الْقِيَامَةِ وَهَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْوَعِيدِ وَرُوِيَ أَنَّهُ قال عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَجْتَمِعُ عليهم السَّبْيُ وَالتَّفْرِيقُ حتى يَبْلُغَ الْغُلَامُ وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ وَنَهَى عن التَّفْرِيقِ في الصِّغَرِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهَبَ من سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه غُلَامَيْنِ صَغِيرَيْنِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا فَسَأَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فقال بِعْتُ أَحَدَهُمَا فقال عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِعْهُمَا أو رُدَّ وَالْأَمْرُ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا في الْبَيْعِ أو رَدِّ الْبَيْعِ فِيهِمَا دَلِيلٌ على كَرَاهَةِ التَّفْرِيق وَلِأَنَّ التَّفْرِيقَ بين الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ نَوْعُ إضْرَارٍ بِهِمَا لِأَنَّ الصَّغِيرَ يَنْتَفِعُ بشفقة [بشفعة] الْكَبِيرِ وَيَسْكُنُ إلَيْهِ وَالْكَبِيرُ يَسْتَأْنِسُ بِالصَّغِيرِ وَذَا يَفُوتُ بِالتَّفْرِيقِ فَيَلْحَقُهُمَا الْوَحْشَةُ فَكَانَ التَّفْرِيقُ إضْرَارًا بِهِمَا بِإِلْحَاقِ الْوَحْشَةِ وَكَذَا بين الصَّغِيرَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَأْتَلِفَانِ وَيَسْكُنُ قَلْبُ أَحَدِهِمَا بِصَاحِبِهِ فَكَانَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا إيحَاشًا بِهِمَا فَكُرِهَ وَلِأَنَّ الصِّبَا من أَسْباب الرَّحْمَةِ. قال عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ من لم يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ولم يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا فَلَيْسَ مِنَّا وفي التَّفْرِيقِ تَرْكُ الرَّحْمَةِ فَكَانَ مَكْرُوهًا ثُمَّ الْكَلَامُ في كَرَاهَةِ التَّفْرِيقِ في مَوَاضِعَ في بَيَانِ شَرَائِطِ الْكَرَاهَةِ وفي بَيَانِ ما يَحْصُلُ بِهِ التَّفْرِيقُ وفي بَيَانِ صِفَةِ ما يَحْصُلُ بِهِ التَّفْرِيقُ أَنَّهُ جَائِزٌ أَمْ لَا أَمَّا شَرَائِطُ الْكَرَاهَةِ فَمِنْهَا صِغَرُ أَحَدِهِمَا وهو أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا أو يَكُونَا صَغِيرَيْنِ فَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ لَا يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا لِمَا رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال لَا يَجْتَمِعُ عليهم السَّبْيُ وَالتَّفْرِيقُ حتى يَبْلُغَ الْغُلَامُ وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ مَدَّ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ النَّهْيَ عن التَّفْرِيقِ إلَى غَايَةِ الْبُلُوغِ فَدَلَّ على اخْتِصَاصِ الْكَرَاهَةِ بِحَالَةِ الصِّغَرِ وَزَوَالِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلِأَنَّ الْكَرَاهَةَ مَعْلُولَةٌ بِالْإِضْرَارِ بِزَوَالِ الِاسْتِئْنَاسِ وَالشَّفَقَةِ وَتَرْكِ الرَّحِمِ. وَكُلُّ ذلك يَخْتَصُّ بِحَالَةِ الصِّغَرِ وَمِنْهَا الرَّحِمُ وهو الْقَرَابَةُ فَإِنْ كَانَا أَجْنَبِيَّيْنِ لم يُكْرَهْ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَمِنْهَا الْمَحْرَمِيَّةُ وهو أَنْ يَكُونَا ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ بِأَنْ كان بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ مُحَرِّمَةٌ لِلنِّكَاحِ فَلَا يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ بين إبني الْعَمِّ وَنَحْوِ ذلك لِأَنَّ الْقُرْبَةَ الْمُحَرِّمَةَ لِلنِّكَاحِ مُحَرِّمَةٌ الْقَطْعَ مُفْتَرِضَةٌ الْوَصْلَ فَكَانَتْ مَنْشَأَ الشَّفَقَةِ والإنس بِخِلَافِ سَائِرِ الْقَرَابَاتِ وَكَذَا الْمَحْرَمِيَّةُ بِدُونِ الرَّحِمِ لَا تُحَرِّمُ التَّفْرِيقَ كَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الشَّفَقَةِ والإنس لِعَدَمِ دَلِيلِهِمَا وهو الْقَرَابَةُ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَالِكُهُمَا واحد [واحدا] بِأَيِّ سَبَبٍ مَلَكَهُمَا بِشِرَاءٍ أو هِبَةٍ أو مِيرَاثٍ أو صَدَقَةٍ أو وَصِيَّةٍ حتى لو كان أَحَدُهُمَا في مِلْكِهِ وَالْآخَرُ في مِلْكِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ. وَكَذَا لو كان له وَلَدَانِ صَغِيرَانِ أَحَدُ الْمَمْلُوكَيْنِ في مِلْكِ أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ في مِلْكِ الْآخَرِ لَا بَأْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ في التَّفْرِيقِ أَنْ يَكُونَا في مِلْكِ وَاحِدٍ وَإِنْ لم يَجْمَعْهُمَا مِلْكُ مَالِكٍ وَاحِدٍ لَا يَقَعُ الْبَيْعُ تَفْرِيقًا لِأَنَّهُمَا كَانَا مُتَفَرِّقَيْنِ قبل الْبَيْعِ وَكَذَا إذَا كان أَحَدُهُمَا في مِلْكِهِ وَالْآخَرُ في مِلْكِ مُكَاتَبِهِ لِأَنَّهُمَا لم يَجْتَمِعَا في مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْكَسْبِ مُلْحَقٌ بِالْأَحْرَارِ فَاخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَإِنْ كان أَحَدُهُمَا في مِلْكِهِ وَالْآخَرُ في مِلْكِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ فَإِنْ كان عليه دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَلَا بَأْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ الذي عِنْدَهُ فَأَمَّا على أَصْلِ أبي حَنِيفَةَ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ كَسْبَ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ فلم يُوجَدْ بِالِاجْتِمَاعِ في مِلْكِ مَالِكٍ وَاحِدٍ وَعِنْدَهُمَا. وَإِنْ كان يَمْلِكُهُ لَكِنَّهُ مِلْكٌ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فَكَانَ كَالْأَجْنَبِيِّ عنه فلم يُوجَدْ الِاجْتِمَاعُ مَعْنًى وَإِنْ لم يَكُنْ عليه دَيْنٌ يُكْرَهُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا لِوُجُودِ الِاجْتِمَاعِ في مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَلَوْ كان أَحَدُهُمَا في مِلْكِهِ وَالْآخَرُ في مِلْكِ مُضَارِبِهِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارِبِ وَإِنْ لم يَكُنْ مِلْكَ الْمُضَارِبِ لَكِنْ له حَقٌّ قَوِيٌّ فيه حتى جَازَ بَيْعُ الْمُضَارِبِ من رب [رأس] الْمَالِ وَبَيْعُ رب [رأس] الْمَالِ من الْمُضَارِبِ اسْتِحْسَانًا فَكَانَ رب [رأس] الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ فلم يُوجَدْ الِاجْتِمَاعُ في مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَعَلَى هذا يُخَرَّجُ ما إذَا بَاعَ جَارِيَةً كَبِيرَةً على أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فيها ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مَلَكَ وَلَدَهَا الصَّغِيرَ في مُدَّةِ الْخِيَارِ إنه يُكْرَهُ إيجَابُ الْبَيْعِ في الْجَارِيَةِ بِالْإِجَازَةِ أو بِالتَّرْكِ حتى تَمْضِيَ الْمُدَّةُ بَلْ يُفْسَخُ الْبَيْعُ حتى لَا يَحْصُلَ التَّفْرِيقُ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ زَوَالَ السِّلْعَةِ عن مِلْكِهِ فَكَانَتْ الْجَارِيَةُ على مِلْكِهِ فإذا مَلَكَ وَلَدَهَا الصَّغِيرَ فَقَدْ اجْتَمَعَا في مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَكَانَتْ الْإِجَازَةُ تَفْرِيقًا فَيُكْرَهُ وَلَوْ بَاعَ الْجَارِيَةَ على أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مَلَكَ الْبَائِعُ وَلَدَهَا الصَّغِيرَ في الْمُدَّةِ فَلَا بَأْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ أو يَفْسَخَ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ خَرَجَتْ عن مِلْكِ الْبَائِعِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ خُرُوجَ السِّلْعَةِ عن مِلْكِ الْبَائِعِ بِلَا خِلَافٍ بين أَصْحَابِنَا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في دُخُولِهَا في مِلْكِ الْمُشْتَرِي فلم يَجْتَمِعْ الْمَمْلُوكَانِ في مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ فلم تَكُنْ الْإِجَازَةُ تَفْرِيقًا وَلَوْ كان الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَلَهَا ابْنٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا تُكْرَهُ الْإِجَازَةُ بِلَا إشْكَالٍ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لَا تَكُونُ تَفْرِيقًا بَلْ تَكُونُ جَمْعًا وَأَمَّا الفسح [الفسخ] فَكَذَلِكَ لَا يُكْرَهُ أَيْضًا. أَمَّا على أَصْلِ أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَا يُشْكِلُ أَيْضًا لِأَنَّ الْجَارِيَةَ لم تَدْخُلْ في مِلْكِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ دُخُولَ السِّلْعَةِ في مِلْكِهِ على أَصْلِهِ فلم يَقَعْ الْفَسْخُ تَفْرِيقًا لِانْعِدَامِ الِاجْتِمَاعِ في مِلْكِهِ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْجَارِيَةُ وَإِنْ دَخَلَتْ في مِلْكِهِ لَكِنَّ الْفَسْخَ حَقُّهُ فَالْإِجْبَارُ على الْإِجَازَةِ إبْطَالٌ لِحَقِّهِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَكَانَ له أَنْ يَفْسَخَ وَالله أعلم. وَمِنْهَا أَنْ يملكها [يملكهما] على الْكَمَالِ فَإِنْ مَلَكَ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا شِقْصًا منه لم يُكْرَهْ أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ من أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لِأَنَّ الْبَيْعَ هَهُنَا لَا يَقَعُ تَفْرِيقًا مُطْلَقًا لِحُصُولِ التَّفْرِيقِ قَبْلَهُ من وَجْهٍ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ عن التَّفْرِيقِ على الإطلاق وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحَلًّا لِلْبَيْعِ عِنْدَ الْبَيْعِ فَإِنْ خَرَجَ أَحَدُهُمَا عن مَحَلِّيَّةِ الْبَيْعِ بِالتَّدْبِيرِ أو الِاسْتِيلَادِ فَلَا بَأْسَ من بَيْعِ الْآخَرِ وَإِنْ كان فيه تَفْرِيقٌ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عليه بَيْعُهُمَا جميعا فَلَوْ مُنِعَ عن بَيْعِ الْآخَرِ لَتَضَرَّرَ بِهِ الْمَالِكُ وَكَرَاهَةُ التَّفْرِيقِ شَرْعًا لِدَفْعِ ضَرَرٍ زَائِدٍ فَلَا يَجُوزُ دَفْعُهُ بِإِلْحَاقِ ضَرَرٍ فَوْقَهُ بِالْمَالِكِ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِأَحَدِهِمَا حَقٌّ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِأَنْ لَحِقَ أَحَدَهُمَا دَيْنٌ بِأَنْ اسْتَهْلَكَ مَالَ إنْسَانٍ أو جَنَى جِنَايَةً على بَنِي آدَمَ أو اشْتَرَاهُمَا رَجُلٌ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا لم يُكْرَهْ التَّفْرِيقُ بَلْ يُبَاعُ بِالدَّيْنِ وَيُدْفَعُ بِالْجِنَايَةِ وَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ في الْمَنْعِ من التَّفْرِيقِ دَفْعَ ضَرَرٍ زَائِدٍ بِضَرَرٍ أَقْوَى منه وهو إبْطَالُ الْحَقِّ وَهَذَا لَا يَجُوزُ. وَرُوِيَ عن أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنه إذَا جَنَى أَحَدُهُمَا يُسْتَحَبُّ لِلْمَالِكِ أَنْ يَفْدِيَ لِمَا فيه من مُرَاعَاةِ الْحَقَّيْنِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ من الْجَانِبَيْنِ وَأَنَّهُ حَسَنٌ عَقْلًا وَشَرْعًا وَرُوِيَ عن أبي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُمَا رَجُلٌ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا يَرُدُّهُمَا جميعا أو يُمْسِكُهُمَا وَلَيْسَ له أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً لِأَنَّ رَدَّهُ خَاصَّةً تَفْرِيقٌ وإنه إضْرَارٌ فَصَارَ كما إذَا اشْتَرَى مِصْرَاعَيْ باب أو زَوْجَيْ خُفٍّ أو فعل [نعل] ثُمَّ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا إنه ليس له أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً لِكَوْنِهِ إضْرَارًا بِالْبَائِعِ خَاصَّةً كَذَا هذا. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَالِكُهُمَا مُسْلِمًا فَإِنْ كان كَافِرًا لَا يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ وَسَوَاءٌ كان الْمَالِكُ حُرًّا أو مُكَاتَبًا أو مَأْذُونًا عليه دَيْنٌ أو لَا دَيْنَ عليه صَغِيرًا أو كَبِيرًا وَسَوَاءٌ كان الْمَمْلُوكَانِ مُسْلِمَيْنِ أو كَافِرَيْنِ أو أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ كَافِرًا لِأَنَّ ما ذَكَرْنَا من الدَّلَائِلِ الْمُوجِبَةِ لِكَرَاهَةِ التَّفْرِيقِ من النُّصُوصِ وَالْمَعْقُولِ لَا يُوجِبُ الْفصل. وَلَوْ دخل حَرْبِيٌّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ وَمَعَهُ عَبْدَانِ صَغِيرَانِ أو أَحَدُهُمَا صغيرا [صغير] وَالْآخَرُ كَبِيرٌ وَهُمَا ذَوَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ أو اشْتَرَاهُمَا في دَارِ الْإِسْلَامِ من صَاحِبِهِ الذي دخل معه بِأَمَانٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا فَلَا بَأْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَلَوْ اشْتَرَاهُمَا من مُسْلِمٍ في دَارِ الْإِسْلَامِ أو ذِمِّيٍّ أو حَرْبِيٍّ دخل بِأَمَانٍ من وِلَايَةٍ أُخْرَى لَا من وِلَايَتِهِ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدَهُمَا. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الضَّرُورَةَ دَفَعْت الْكَرَاهَةَ في الْفصل الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لو لم يشتري [يشتر] لَأَدْخَلَهُمَا في دَارَ الْحَرْبِ فَيَصِيرُ عَوْنًا لهم على الْمُسْلِمِينَ وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ تَنْعَدِمُ في هذا الْفصل لِأَنَّهُ يُجْبَرُ على بَيْعِهِمَا وَلَا يُمَكَّنُ من إلْحَاقِهِمَا بِدَارِ الْحَرْبِ فلم تَتَحَقَّقْ الضَّرُورَةُ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَرْضَيَا بِالتَّفْرِيقِ فَإِنْ رَضِيَا لَا يُكْرَهُ بِأَنْ كان الصَّبِيُّ مُرَاهِقًا وَرَضِيَ بِالْبَيْعِ وَرَضِيَتْ أُمُّهُ فَبِيعَ بِرِضَاهُمَا لِأَنَّ كَرَاهَةَ التَّفْرِيقِ لِمَكَانِ الضَّرَرِ فإذا رَضِيَا بِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ فَلَا يُكْرَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. هذا إذَا اجْتَمَعَ مع الصَّغِيرِ في مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ قَرِيبٌ وَاحِدٌ هو ذُو رَحِمٍ مُحَرِّمٍ منه فَأَمَّا إذَا كان معه عَدَدٌ من الْأَقَارِبِ كُلُّ وَاحِدٍ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ من الصَّغِيرِ فَلَا يَخْلُو إمَّا إن كَانَا أَبَوَيْنِ أو غَيْرَهُمَا من ذَوِي الْأَرْحَامِ فَإِنْ كَانَا أَبَوَيْنِ يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِهِمَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَا مِمَّنْ سِوَاهُمَا من ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فأما إن كان أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ من الصَّغِيرِ وَالْآخَرُ أَبْعَدَ منه وَإِمَّا إن كَانَا في الْقُرْبِ منه على السَّوَاءِ فَإِنْ كان أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ لَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بين الصَّغِيرِ وَبَيْنَ الْأَبْعَدِ مِنْهُمَا لِأَنَّ شَفَقَةَ الْأَقْرَبِ تُغْنِي عن شَفَقَةِ الْأَبْعَدِ فلم يَكُنْ التَّفْرِيقُ إضْرَارًا بِالصَّغِيرِ سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ قَرَابَةُ الْكَبِيرَيْنِ كَالْأَبِ مع الْجَدِّ وَالْأُمِّ مع الْجَدَّةِ أو الْخَالَةِ أو الْخَالِ أو اخْتَلَفَتْ كَالْأُمِّ مع الْعَمَّةِ أو الْعَمِّ. وَرُوِيَ عن أبي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِهِمَا كَيْفَ ما كان لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا له شَفَقَةٌ على الصَّغِيرِ وَتَزُولُ بِالتَّفْرِيقِ وَإِنْ كان الْكَبِيرَانِ في الْقُرْبِ من الصَّغِيرِ شَرْعًا سَوَاءً يُنْظَرُ إنْ اتَّفَقَتْ جِهَةُ قَرَابَتِهِمَا كَالْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ والآخرين [والأخوين] لِأَبٍ وَأُمٍّ أو لِأَبٍ أو لأم فَالْقِيَاسُ أَنْ يُكْرَهَ التَّفْرِيقُ بين الصَّغِيرَيْنِ وَبَيْنَ أَحَدِهِمَا وَكَذَا رُوِيَ عن أبي يُوسُفَ وفي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُكْرَهُ إذَا بَقِيَ مع الصَّغِيرِ قَرِيبٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَفَقَةٌ على حِدَةٍ على الصَّغِيرِ فَلَا تَقُومُ شَفَقَةُ أَحَدِهِمَا مَقَامَ الْآخَرِ وَكَذَا قد يَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةِ شَفَقَةٍ لَيْسَتْ في الْآخَرِ فَكَانَ التَّفْرِيقُ إضْرَارًا بِتَفْوِيتِ شَفَقَتِهِ من حَيْثُ الْأَصْلِ أو من حَيْثُ الْقَدْرِ فَيُكْرَهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ كَرَاهَةَ التَّفْرِيقِ لِلْإِضْرَارِ بِالصَّغِيرِ بِتَفْوِيتِ النَّظَرِ وَعِنْدَ اتِّحَادِ جِهَةِ الْقَرَابَةِ وَالتَّسَاوِي في الْقُرْبِ من الصَّغِيرِ كان مَعْنَى النَّظَرِ حَاصِلًا بِبَقَاءِ أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ ما إذَا اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ لِأَنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ جِهَةِ الْقَرَابَةِ تَخْتَلِفُ الشَّفَقَةُ فَيَحْصُلُ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما لَا يَحْصُلُ بِالْآخَرِ فَكَانَ التَّفْرِيقُ إضْرَارًا وَكَذَلِكَ لو مَلَكَ سِتَّةَ أخوة أو سِتَّةَ أَخَوَاتٍ ثَلَاثَةٌ منهم كِبَارٌ وَثَلَاثَةٌ صِغَارٌ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ كل صَغِيرٍ مع كل كَبِيرٍ لِمَا قُلْنَا. وَلَوْ كان مع الصَّغِيرِ أَبَوَانِ حُكْمًا بِأَنْ ادَّعَيَاهُ حتى ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا ثُمَّ اجْتَمَعُوا في مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُكْرَهَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا لِاتِّحَادِ جِهَةِ الْقَرَابَةِ وَهِيَ قَرَابَةُ الْأُبُوَّةِ كَالْعَمَّيْنِ وَالْخَالَيْنِ وَنَحْوِ ذلك وفي الِاسْتِحْسَانِ يُكْرَهُ لِأَنَّ أَبَاهُ أَحَدُهُمَا حَقِيقَةً فَكَانَ الثَّابِتُ قَرَابَةَ أَحَدِهِمَا حَقِيقَةً إلَّا أَنَّا حَكَمْنَا بِثَبَاتِ نَسَبِهِ مِنْهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا في الدَّعْوَةِ وَلَكِنَّ الْأَبَ في الْحَقِيقَةِ أَحَدُهُمَا فَلَوْ بَاعَ أَحَدَهُمَا لَاحْتُمِلَ أَنَّهُ بَاعَ الْأَبَ فَيَتَحَقَّقُ التَّفْرِيقُ بِخِلَافِ ماإذا كان لِلصَّغِيرِ أَبٌ وَأُمٌّ حَيْثُ يُكْرَهُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ قَرَابَةَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَحَقِّقَةٌ فَكَانَ الْبَيْعُ تَفْرِيقًا بين الصَّغِيرِ وَبَيْنَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ بِيَقِينٍ فَيُكْرَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ قَرَابَةِ الْكَبِيرَيْنِ كَالْعَمَّةِ مع الْخَالَةِ وَالْعَمِّ مع الْخَالِ وَالْأَخِ لِأَبٍ مع الْأَخِ لِأُمٍّ وما أَشْبَهَ ذلك يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ لِأَنَّ من يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأَبِ إلَى الصَّغِيرِ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ وَاَلَّذِي يُدْلِي إلَيْهِ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ يَقُومُ مَقَامَ الْأُمِّ فَصَارَ كما لو كان مع الصَّغِيرِ أَبًا وَأُمًّا. وَلَوْ كان كَذَلِكَ يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ كَذَا هذا امْرَأَةٌ سُبِيَتْ وفي حِجْرِهَا بِنْتٌ صَغِيرَةٌ وَقَعَتَا في سَهْمِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَالْمَرْأَةُ تَزْعُمُ أنها بنتها [ابنتها] يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كان لَا يَثْبُتُ نَسَبُهَا بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهَا في سَائِرِ الْأَحْكَامِ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ في كَرَاهَةِ التَّفْرِيقِ وَرَدَتْ في حَقِّ السَّبَايَا وَلَا يَظْهَرُ كَوْنُ الصَّغِيرِ وَلَدَ الْمَسْبِيَّةِ إلَّا بِقَوْلِهَا فَيَدُلُّ على قبولها [قبول] قَوْلِهَا في حَقِّ كَرَاهَةِ التَّفْرِيقِ وَلِأَنَّ هذا من باب الدِّيَانَةِ وَقَوْلُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ في الدِّيَانَاتِ مَقْبُولٌ خُصُوصًا فِيمَا يُسْلَكُ فيه طَرِيقُ الِاحْتِيَاطِ. وَلَوْ كَبِرَتْ الصَّغِيرَةُ في يَدِ السَّابِي وقد كان وطىء الْكَبِيرَةَ ولم يَعْلَمْ من الْمَرْأَةِ الْمَسْبِيَّةِ إرْضَاعَ الصَّغِيرَةِ لَا يَنْبَغِي له أَنْ يَقْرَبَ الْبِنْتَ وَإِنْ لم يَثْبُتْ نَسَبُهَا منها لِدَعْوَتِهَا لِاحْتِمَالِ أنها بِنْتُهَا من النَّسَبِ أو الرَّضَاعِ فَلَا يَقْرَبُهَا احْتِيَاطًا وَلَكِنْ لَا يَمْنَعُ من قُرْبَانِهَا في الْحُكْمِ لِأَنَّ قَوْلَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ في حُقُوقِ الْعِبَادِ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَإِنْ لم تَكُنْ الصَّغِيرَةُ في حِجْرِهَا وَقْتَ السَّبْيِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا في الْوَطْءِ لِأَنَّهُ إذَا لم تَكُنْ في حِجْرِهَا عِنْدَ السَّبْيِ فَلَا دَلِيلَ على كَوْنِهَا وَلَدًا لها في حَقِّ الْحُكْمِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَصْلًا. وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ من السَّبَايَا صَغِيرًا أو صَغِيرَةً أَنَّهُ وَلَدُهُ قُبِلَ قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ منه سَوَاءٌ كان قبل الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أو بَعْدَهُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ قبل الْقِسْمَةِ أو قبل الدُّخُولِ في مِلْكٍ خَاصٍّ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ دَعْوَى الرَّجُلِ صَحِيحَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ منه فَيَظْهَرُ في حَقِّ كَرَاهَةِ التَّفْرِيقِ سَوَاءٌ كان الْوَلَدُ وَقْتَ السَّبْيِ في يَدِهِ أو لم يَكُنْ بِخِلَافِ دَعْوَةِ الْمَرْأَةِ وَكَذَلِكَ لو ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ الْوَلَدَ مَعَهَا من هذا الرَّجُلِ وهو زَوْجُهَا وَصَدَّقَهَا تَثْبُتُ بَيْنَهُمَا الزَّوْجِيَّةُ بِتَصَادُقِهِمَا وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُمَا وَيُكْرَهُ التَّفْرِيقُ بين الصَّغِيرِ وَبَيْنَ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ وَلَدُهُمَا بِإِقْرَارِهِمَا. وَلَوْ ادَّعَى وَاحِدٌ من الْغَانِمِينَ وَلَدًا صَغِيرًا من السَّبْيِ أَنَّهُ وَلَدُهُ قبل الْقِسْمَةِ أو الْبَيْعِ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَيَكُونُ وَلَدُهُ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كان معه عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ كان مُسْلِمًا وَلَا يَسْتَرِقُّ وَإِنْ لم يَكُنْ معه عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ من المدعي [الداعي] وَلَكِنَّهُ يَسْتَرِقُّ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ وَإِنْ صَحَّتْ في حَقِّ ثَبَاتِ النَّسَبِ وَاسْتَنَدَتْ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ لَكِنَّهَا لم تَصِحَّ ولم تَسْتَنِدْ في حَقِّ الِاسْتِرْقَاقِ لِأَنَّ فيه إبْطَالَ حَقِّ الْغَانِمِينَ فَلَا يُصَدَّقُ في إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُصَدَّقَ الْإِنْسَانُ في إقْرَارِهِ في حَقِّ نَفْسِهِ وَلَا يُصَدَّقُ في حَقِّ غَيْرِهِ إذَا تَضَمَّنَ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ كَمَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عبد إنْسَانٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ صَحَّ الشِّرَاءُ وَعَتَقَ عليه وَكَذَا لو اشْتَرَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ في حَقِّهِ حتى يَعْتِقَ عليه وَلَا يَصِحُّ في حَقِّ بَائِعِهِ حتى لم يَكُنْ له أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ على بَائِعِهِ وَلِهَذَا نَظَائِرُ وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ.
وَأَمَّا ما يَحْصُلُ بِهِ التَّفْرِيقُ فَهُوَ التَّمْلِيكُ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَنْقَطِعُ بِهِ مَنْفَعَةُ الإنس وَالشَّفَقَةِ وَكَذَا الْقِسْمَةُ في الْمِيرَاثِ وَالْغَنَائِمِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَخْلُو عن مَعْنَى التَّمْلِيكِ خُصُوصًا فِيمَا لَا مِثْلَ له فَيَحْصُلُ بها التَّفْرِيقُ فَيُكْرَهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْتِقَ أَحَدُهُمَا أو يُكَاتِبَهُ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ ليس بِتَمْلِيكٍ بَلْ هو إزَالَةُ الْمِلْكِ أو إنْهَاؤُهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِهِ التَّفْرِيقُ لِأَنَّهُ إذَا أُعْتِقَ يُمْكِنُهُ الِاسْتِئْنَاسُ بِصَاحِبِهِ والاحسان إلَيْهِ فلم يَكُنْ الْإِعْتَاقُ تَفْرِيقًا وَكَذَلِكَ الْكتابةُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ حُرٌّ يَدًا فَلَا تَنْقَطِعُ بها مَنْفَعَةُ الإنس وَنَحْوُ ذلك فَلَا يَكُونُ تَفْرِيقًا وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ. وَلَئِنْ كان تَفْرِيقًا فَيَقَعُ الْإِعْتَاقُ فَوْقَ ضَرَرِ التَّفْرِيقِ فَلَا يَكُونُ ضَرَرًا مَعْنًى وَلَوْ بَاعَ أَحَدَهُمَا نَسَمَةً لِلْعِتْقِ يُكْرَهُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُكْرَهُ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْوَفَاءَ بِالْوَعْدِ من مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فَالظَّاهِرُ من حَالَةِ الْمُشْتَرِي إنْجَازُ ما وَعَدَ فَيَخْرُجُ التَّفْرِيقُ من أَنْ يَكُونَ ضَرَرًا لِأَنَّهُ يُقَابِلُهُ نَفْعٌ أَعْظَمُ منه وهو الْعِتْقُ وَجْهُ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ عليه الرَّحْمَةُ أَنَّ الْعِتْقَ ليس بِمَشْرُوطٍ في الْبَيْعِ وَلَوْ كان مَشْرُوطًا لَأَوْجَبَ فَسَادَ الْبَيْعِ فَبَقِيَ قَصْدُ الْإِعْتَاقِ وَتَنْفِيذُ هذا الْقَصْدِ ليس بِلَازِمٍ فَبَقِيَ الْبَيْعُ تَفْرِيقًا فَيُكْرَهُ حتى لو كان قال الْمُشْتَرِي إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ قالوا لَا يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ بَعْدَ الشِّرَاءِ لَا مَحَالَةَ فَيَخْرُجُ الْبَيْعُ من أَنْ يَكُونَ ضَرَرًا.
وَأَمَّا صِفَةُ الْبَيْعِ الذي يَحْصُلُ بِهِ التَّفْرِيقُ أَنَّهُ جَائِزٌ أَمْ لَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فيه فقال أبو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْبَيْعُ جَائِزٌ مُفِيدٌ لِلْحُكْمِ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالْبَائِعُ بِالتَّفْرِيقِ آثِمٌ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْبَيْعُ فَاسِدٌ في الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ وفي سَائِرِ ذَوِي الْأَرْحَامِ جَائِزٌ. وقال الشَّافِعِيُّ الْبَيْعُ بَاطِلٌ في الْكُلِّ وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَيْنَا من الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ لِلنَّهْيِ عن التَّفْرِيقِ وما يَجْرِي مَجْرَى النَّهْيِ وَالْبَيْعُ تَفْرِيقٌ فَكَانَ منهي [منهيا] وَالنَّهْيُ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ التي وَرَدَ النَّهْيُ عنها على أَصْلِهِ فَأَبُو يُوسُفَ إنَّمَا خَصَّ الْبَيْعَ في الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودَيْنِ بِالْفَسَادِ لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِتَغْلِيظِ الْوَعِيدِ بِالتَّفْرِيقِ فِيهِمْ وهو ما رَوَيْنَا وَلَهُمَا أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} وَنَحْوَهُ من نُصُوصِ الْبَيْعِ يَقْتَضِيَ شَرْعِيَّةَ الْبَيْعِ على الْعُمُومِ وَالإطلاق فَمَنْ ادَّعَى التَّخْصِيصَ أو التَّقْيِيدَ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ. وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ على النَّهْيِ عن غَيْرِ الْبَيْعِ وهو الْإِضْرَارُ فَلَا يَخْرُجُ الْبَيْعُ عن أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا كَالنَّهْيِ عن الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ على غَيْرِ الْبَيْعِ إمَّا حَمْلًا لِخَبَرِ الْوَاحِدِ على مُوَافَقَةِ الْكتاب الْكَرِيمِ وَإِمَّا لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَرِدُ عَمَّا عُرِفَ حُسْنُهُ عَقْلًا على ما عُرِفَ وَمِنْهَا الْبَيْعُ وَقْتَ النِّدَاءِ وهو أَذَانُ الْجُمُعَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ من يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} أَمَرَ بِتَرْكِ الْبَيْعِ عِنْدَ النِّدَاءِ نَهْيًا عن الْبَيْعِ لَكِنْ لِغَيْرِهِ وهو تَرْكُ السَّعْيِ فَكَانَ الْبَيْعُ في ذَاتِهِ مَشْرُوعًا جَائِزًا لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ اتَّصَلَ بِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وهو تَرْكُ السَّعْيِ. وَمِنْهَا بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِ وهو أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ طَعَامٌ وَعَلَفٌ لَا يَبِيعُهُمَا إلَّا لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ بِثَمَنٍ غَالٍ لِمَا رُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ دَعُوا الناس يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ من بَعْضٍ وَلَوْ بَاعَ جَازَ الْبَيْعُ لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى في غَيْرِ الْبَيْعِ وهو الْإِضْرَارُ بِأَهْلِ الْمِصْرِ فَلَا يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَهَذَا إذَا كان ذلك يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ بِأَنْ كان أَهْلُهُ في قَحْطٍ من الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ فَإِنْ كَانُوا في خِصْبٍ وَسَعَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِانْعِدَامِ الضَّرَرِ وَمِنْهَا بَيْعُ مُتَلَقِّي السِّلَعِ وَاخْتُلِفَ في تَفْسِيرِهِ. قال بَعْضُهُمْ هو أَنْ يَسْمَعَ خَبَرَ قُدُومِ قَافِلَةٍ بِمِيرَةٍ عظمة [عظيمة] فَيَتَلَقَّاهُمْ الرَّجُلُ وَيَشْتَرِي جَمِيعَ ما مَعَهُمْ من الْمِيرَةِ وَيَدْخُلُ الْمِصْرَ فَيَبِيعُ ما يَشَاءُ من الثَّمَنِ وَهَذَا الشِّرَاءُ مَكْرُوهٌ لِمَا رُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال لَا تَتَلَقَّوْا السِّلَعَ حتى تُبْسَطَ الْأَسْوَاقُ وَهَذَا إذَا كان يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ بِأَنْ كان أَهْلُهُ في جَدْبٍ وَقَحْطٍ فَإِنْ كان لَا يَضُرُّهُمْ لَا بَأْسَ وقال بَعْضُهُمْ تَفْسِيرُهُ هو أَنْ يَتَلَقَّاهُمْ فَيَشْتَرِيَ منهم بِأَرْخَصَ من سِعْرِ الْبَلَدِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ سِعْرَ الْبَلَدِ وَهَذَا أَيْضًا مَكْرُوهٌ سَوَاءٌ تَضَرَّرَ بِهِ أَهْلُ الْبَلَدِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ غَرَّهُمْ وَالشِّرَاءُ جَائِزٌ في الصُّورَتَيْنِ جميعا لِأَنَّ الْبَيْعَ مَشْرُوعٌ في ذَاتِهِ وَالنَّهْيُ في غَيْرِهِ وهو الأضرار بِالْعَامَّةِ على التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَتَغْرِيرُ أَصْحَابِ السِّلَعِ على التَّفْسِيرِ الثَّانِي. وَمِنْهَا بَيْعُ الْمُسْتَامِ على سَوْمِ أَخِيهِ وهو أَنْ يُسَاوِمَ الرَّجُلَانِ فَطَلَبَ الْبَائِعُ بِسِلْعَتِهِ ثَمَنًا وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَجَاءَ مُشْتَرٍ آخَرُ وَدَخَلَ على سَوْمِ الْأَوَّلِ فَاشْتَرَاهُ بِزِيَادَةٍ أو بِذَلِكَ الثَّمَنِ لِمَا رُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال لَا يَسْتَامُ الرَّجُلُ على سَوْمِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ على خِطْبَةِ أَخِيهِ وَرُوِيَ لَا يَسُومُ الرَّجُلُ على سَوْمِ أَخِيهِ. وَالنَّهْيُ لِمَعْنًى في غَيْرِ الْبَيْعِ وهو الْإِيذَاءُ فَكَانَ نَفْسُ الْبَيْعِ مَشْرُوعًا فَيَجُوزُ شِرَاؤُهُ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَهَذَا إذَا جَنَحَ الْبَائِعُ لِلْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الذي طَلَبَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فَإِنْ كان لم يَجْنَحْ له فَلَا بَأْسَ لِلثَّانِي أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِأَنَّ هذا ليس اسْتِيَامًا على سَوْمِ أَخِيهِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ وَلِانْعِدَامِ مَعْنَى الْإِيذَاءِ أَيْضًا بَلْ هو بَيْعُ من يَزِيدُ وإنه ليس بِمَكْرُوهٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا له بِبَيْعِ من يَزِيدُ وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لِيَبِيعَ بَيْعًا مَكْرُوهًا وَكَذَا في النِّكَاحِ إذَا خَطَبَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَرَكَنَ قَلْبُهَا إلَيْهِ يُكْرَهُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَخْطِبَهَا لِمَا رَوَيْنَا وَإِنْ لم يَرْكُنْ فَلَا بَأْسَ بِهِ. 2 وَمِنْهَا بَيْعُ السِّلَاحِ من أَهْلِ الْفِتْنَةِ وفي عَسَاكِرِهِمْ لِأَنَّ بَيْعَهُ منهم من باب الْإِعَانَةِ على الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وإنه مَنْهِيٌّ وَلَا يُكْرَهُ بَيْعُ ما يُتَّخَذُ منه السِّلَاحُ منهم كَالْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ ليس مُعَدًّا لِلْقِتَالِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْإِعَانَةِ وَنَظِيرُهُ بَيْعُ الْخَشَبِ الذي يَصْلُحُ لِاِتِّخَاذِ الْمِزْمَارِ فإنه لَا يُكْرَهُ وَإِنْ كُرِهَ بَيْعُ الْمَزَامِيرِ وَأَمَّا ما يُكْرَهُ مِمَّا يَتَّصِلُ بِالْبُيُوعِ فَمِنْهَا الِاحْتِكَارُ وقد ذَكَرْنَا جُمْلَةَ الْكَلَامِ فيه في باب الْكَرَاهِيَةِ وَإِلْحَاقُهُ بهذا الْمَوْضِعِ أَوْلَى. وَمِنْهَا النَّجْشُ وهو أَنْ يَمْدَحَ السِّلْعَةَ وَيَطْلُبَهَا بِثَمَنٍ ثُمَّ لَا يَشْتَرِيهِ بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ لِيُسْمِعَ غَيْرَهُ فَيَزِيدَ في ثَمَنِهِ وَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِمَا رُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نهى عن النَّجْشِ وَلِأَنَّهُ احْتِيَالٌ للأضرار بِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَهَذَا إذَا كان الْمُشْتَرِي يَطْلُبُ السِّلْعَةَ من صَاحِبِهَا بِمِثْلِ ثَمَنِهَا فَأَمَّا إذَا كان يَطْلُبُهَا بِأَقَلَّ من ثَمَنِهَا فَنَجَشَ رَجُلٌ سِلْعَةً حتى تَبْلُغَ إلَى ثَمَنِهَا فَهَذَا ليس بِمَكْرُوهٍ وَإِنْ كان النَّاجِشُ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ.
|