الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***
وَأَمَّا شَرَائِطُ جَرَيَانِ الرِّبَا فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْبَدَلَانِ مَعْصُومَيْنِ فَإِنْ كان أَحَدُهُمَا غير مَعْصُومٍ لَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ هذا ليس بِشَرْطٍ وَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا وَعَلَى هذا الْأَصْلِ يَخْرُجُ ما إذَا دخل مُسْلِمٌ دَارَ الْحَرْبِ تَاجِرًا فَبَاعَ حَرْبِيًّا دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أو غير ذلك من سَائِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ في حُكْمِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَعَلَى هذا الْخِلَافِ الْمُسْلِمُ الْأَسِيرُ في دَارِ الْحَرْبِ أو الْحَرْبِيُّ الذي أَسْلَمَ هُنَاكَ ولم يُهَاجِرْ إلَيْنَا فَبَايَعَ أَحَدًا من أهل الْحَرْبِ وَجْهُ قَوْلِ أبي يُوسُفَ أَنَّ حُرْمَةَ الرِّبَا كما هِيَ ثَابِتَةٌ في حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَهِيَ ثَابِتَةٌ في حَقِّ الْكُفَّارِ لِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْحُرُمَاتِ في الصَّحِيحِ من الْأَقْوَالِ فَاشْتِرَاطُهُ في الْبَيْعِ يُوجِبُ فَسَادَهُ كما إذَا بَايَعَ الْمُسْلِمُ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمَنَ في دَارِ الْإِسْلَامِ. وَلَهُمَا أَنَّ مَالَ الْحَرْبِيِّ ليس بِمَعْصُومٍ بَلْ هو مُبَاحٌ في نَفْسِهِ إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمَ الْمُسْتَأْمَنَ مُنِعَ من تَمَلُّكِهِ من غَيْرِ رِضَاهُ لِمَا فيه من الْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ فإذا بَدَّلَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَرِضَاهُ فَقَدْ زَالَ هذا الْمَعْنَى فَكَانَ الْأَخْذُ اسْتِيلَاءً على مَالٍ مُبَاحٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ وأنه مَشْرُوعٌ مُفِيدٌ لِلْمِلْكِ كَالِاسْتِيلَاءِ على الْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ هَهُنَا ليس بِتَمَلُّكٍ بَلْ هو تَحْصِيلُ شَرْطِ التَّمَلُّكِ وهو الرِّضَا لِأَنَّ مِلْكَ الْحَرْبِيِّ لَا يَزُولُ بِدُونِهِ وما لم يَزُلْ مِلْكُهُ لَا يَقَعُ الْأَخْذُ تَمَلُّكًا لَكِنَّهُ إذَا زَالَ فَالْمِلْكُ لِلْمُسْلِمِ يَثْبُتُ بِالْأَخْذِ وَالِاسْتِيلَاءِ لَا بِالْعَقْدِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا لِأَنَّ الرِّبَا اسْمٌ لِفَضْلٍ يُسْتَفَادُ بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ إذَا بَاعَ حَرْبِيًّا دخل دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْعِصْمَةَ بِدُخُولِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ وَالْمَالُ الْمَعْصُومُ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلِاسْتِيلَاءِ فَتَعَيَّنَ التَّمَلُّكُ فيه بِالْعَقْدِ وَشَرْطُ الرِّبَا في الْعَقْدِ مُفْسِدٌ. وَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ إذَا دخل دَارَ الْحَرْبِ فَبَاعَ حَرْبِيًّا دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أو غير ذلك من الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ في الْإِسْلَامِ فَهُوَ على هذا الْخِلَافِ الذي ذَكَرْنَا لِأَنَّ ما جَازَ من بُيُوعِ الْمُسْلِمِينَ جَازَ من بُيُوعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وما يَبْطُلُ أو يَفْسُدُ من بُيُوعِ الْمُسْلِمِينَ يَبْطُلُ أو يَفْسُدُ من بُيُوعِهِمْ إلَّا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ على ما نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْبَدَلَانِ مُتَقَوِّمَيْنِ شَرْعًا وهو أَنْ يَكُونَا مَضْمُونَيْنِ حَقًّا لِلْعَبْدِ فَإِنْ كان أَحَدُهُمَا غير مَضْمُونٍ حَقًّا لِلْعَبْدِ لَا يَجْرِي فيه الرِّبَا وَعَلَى هذا الْأَصْلِ يَخْرُجُ ما إذَا دخل الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ فَبَايَعَ رَجُلًا أَسْلَمَ في دَارِ الْحَرْبِ ولم يُهَاجِرْ إلَيْنَا دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أو غير ذلك من الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ في دَارِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ وَإِنْ كانت ثَابِتَةً فَالتَّقَوُّمُ ليس بِثَابِتٍ عِنْدَهُ حتى لَا يَضْمَنَ نَفْسَهُ بِالْقِصَاصِ وَلَا بِالدِّيَةِ عِنْدَهُ وَكَذَا مَالُهُ لَا يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ وَعِنْدَهُمَا نَفْسُهُ وَمَالُهُ مَعْصُومَانِ مُتَقَوِّمَانِ وَالْمَسْأَلَةُ تَأْتِي في كتاب السِّيَرِ وَلَوْ دخل مُسْلِمَانِ دَارَ الْحَرْبِ فَتَبَايَعَا دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أو غَيْرَهُ من الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ في دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ مَالَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْصُومٌ مُتَقَوِّمٌ فَكَانَ التَّمَلُّكُ بِالْعَقْدِ فَيَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ الذي بَايَعَ الْمُسْلِمَ وَدَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ أو أَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ فما كان من رِبًا مَقْبُوضٍ أو بَيْعٍ فَاسِدٍ مَقْبُوضٍ فَهُوَ جَائِزٌ مَاضٍ وما كان غير مَقْبُوضٍ يَبْطُلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أَمَرَهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِتَرْكِ ما بَقِيَ من الرب [الربا] وَالْأَمْرُ بِتَرْكِ ما بَقِيَ من الرِّبَا نَهْيٌ عن قَبْضِهِ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قال اُتْرُكُوا قَبْضَهُ فَيَقْتَضِي حُرْمَةَ الْقَبْضِ. وَرُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال كُلُّ رِبًا في الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمِي وَالْوَضْعُ عِبَارَةٌ عن الْحَطِّ وَالْإِسْقَاطِ وَذَلِكَ فِيمَا لم يُقْبَضْ وَلِأَنَّ بِالْإِسْلَامِ حُرِّمَ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ فَكَذَا الْقَبْضُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ تَقْرِيرُ الْعَقْدِ وَتَأْكِيدُهُ فَيُشْبِهُ الْعَقْدَ فَيَلْحَقُ بِهِ إذْ هو عَقْدٌ من وَجْهٍ فَيُلْحَقُ بِالثَّابِتِ من كل وَجْهٍ في باب الْحُرُمَاتِ احْتِيَاطًا وَمَتَى حُرِّمَ الْقَبْضُ لم يَكُنْ في بَقَاءِ الْعَقْدِ فَائِدَةٌ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْبَدْلَانِ مِلْكًا لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَإِنْ كان لَا يَجْرِي الرِّبَا وَعَلَى هذا يَخْرُجُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ إذَا بَاعَ مَوْلَاهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ وَلَيْسَ عليه دَيْنٌ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ إذَا لم يَكُنْ عليه دَيْنٌ فما في يَدِهِ لِمَوْلَاهُ فَكَانَ الْبَدَلَانِ مِلْكَ الْمَوْلَى فَلَا يَكُونُ هذا بَيْعًا فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا إذْ هو مُخْتَصٌّ بِالْبِيَاعَاتِ وَكَذَلِكَ الْمُتَعَاوَضَانِ إذَا تَبَايَعَا دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ يَجُوزُ لِأَنَّ الْبَدَلَ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَكَانَ مُبَادَلَةَ مَالِهِ بماله فَلَا يَكُونُ بَيْعًا وَلَا مُبَادَلَةً حَقِيقَةً وَكَذَلِكَ الشَّرِيكَانِ شَرِكَةَ الْعِنَانِ إذَا تَبَايَعَا دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ من مَالِ الشَّرِكَةِ جَازَ لِمَا قُلْنَا. وَلَوْ تَبَايَعَا من غَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا في غَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ أَجْنَبِيَّانِ وَلَوْ كان على الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ دَيْنٌ فَبَاعَهُ مَوْلَاهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ عِنْدَهُ فلم يَجْتَمِعْ الْبَدَلَانِ في مِلْكٍ وَاحِدٍ وَعِنْدَهُمَا وَإِنْ كان يَمْلِكُ لَكِنْ مِلْكًا مَحْجُورًا عن التَّصَرُّفِ فيه لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ فَكَانَ الْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ عنه وَكَذَلِكَ الْمَوْلَى إذَا عَاقَدَ مُكَاتَبَهُ عَقْدَ الرب [الربا] لم يَجُزْ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ في حَقِّ الِاكْتِسَابِ مُلْحَقٌ بِالْأَحْرَارِ لِانْقِطَاعِ تَصَرُّفِ الْمَوْلَى عنها فَأَشْبَهَ الْأَجَانِبَ. وَأَمَّا إسْلَامُ الْمُتَبَايِعِينَ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَرَيَانِ الرِّبَا فَيَجْرِي الرِّبَا بين أَهْلِ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِأَنَّ حُرْمَةَ الرِّبَا ثَابِتَةٌ في حَقِّهِمْ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعَ هِيَ حُرُمَاتٌ إنْ لم يَكُونُوا مُخَاطَبِينَ بِشَرَائِعَ هِيَ عِبَادَاتٌ عِنْدَنَا قال اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وقد نُهُوا عنه وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ الناس بِالْبَاطِلِ} وَرُوِيَ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَى مَجُوسِ هَجَرَ إمَّا أَنْ تَذَرُوا الرِّبَا أو تَأْذَنُوا بِحَرْبٍ من اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَهَذَا في نِهَايَةِ الْوَعِيدِ فَيَدُلُّ على نِهَايَةِ الْحُرْمَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَمِنْهَا الْخُلُوُّ عن احْتِمَالِ الرِّبَا فَلَا تَجُوزُ الْمُجَازَفَةُ في أَمْوَالِ الرِّبَا بَعْضُهَا بِبَعْضٍ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الرِّبَا كما هِيَ مُفْسِدَةٌ لِلْعَقْدِ فَاحْتِمَالُ الرِّبَا مُفْسِدٌ له أَيْضًا لِقَوْلِ عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه ما اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ في شَيْءٍ إلَّا وقد غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ وَالْأَصْلُ فيه أَنَّ كلما جَازَتْ فيه الْمُفَاضَلَةُ جَازَ فيه الْمُجَازَفَةُ وما لَا فَلَا لِأَنَّ التَّمَاثُلَ وَالْخُلُوَّ عن الرِّبَا فِيمَا يَجْرِي فيه الرِّبَا لَمَّا كان شَرْطَ الصِّحَّةِ فَلَا يُعْلَمُ تَحْقِيقُ الْمُمَاثَلَةِ بِالْمُجَازَفَةِ فَيَقَعُ الشَّكُّ في وُجُودِ شَرْطِ الصِّحَّةِ فَلَا تَثْبُتُ الصِّحَّةُ على الْأَصْلِ الْمَعْهُودِ في الْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ على شَرْطٍ إذَا وَقَعَ الشَّكُّ في وُجُودِ شَرْطِهِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّ غير الثَّابِتِ بِيَقِينٍ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ كما أَنَّ الثَّابِتَ بِيَقِينٍ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ. وَبَيَانُ هذا الْأَصْلِ في مَسَائِلَ إذَا تَبَايَعَا حِنْطَةً بِحِنْطَةٍ مُجَازَفَةً فَإِنْ لم يَعْلَمَا كَيْلَهُمَا أو عَلِمَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ أو عَلِمَا كَيْلَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ عُلِمَ اسْتِوَاؤُهُمَا في الْكَيْلِ فَإِنْ عُلِمَ في الْمَجْلِسِ جَازَ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ وَإِنْ طَالَ فَلَهُ حُكْمُ حَالَةِ الْعَقْدِ فَكَأَنَّهُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَإِنْ عُلِمَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ لم يَجُزْ وقال زُفَرُ يَجُوزُ عُلِمَ قبل الِافْتِرَاقِ أو بَعْدَهُ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْكَيْلِ عِنْدَ الْعَقْدِ لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ الْمَشْرُوطَةِ وقد تَبَيَّنَ أنها كانت ثَابِتَةً عِنْدَهُ. وَلَنَا أَنَّ عِلْمَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِالْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْعَقْدِ شَرْطُ الصِّحَّةِ ولم يُوجَدْ وَالدَّلِيلُ على أَنَّ الْعِلْمَ عِنْدَ الْعَقْدِ شَرْطُ الصِّحَّةِ أَنَّ الشَّرْعَ أَلْزَمَ رِعَايَةَ الْمُمَاثَلَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ بِقَوْلِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ أَيْ بِيعُوا الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ أَمَرَ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْبَيْعِ بِصِفَةِ الْمُمَاثَلَةِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ الْمُمَاثَلَةُ مَعْلُومَةً لَهُمَا عِنْدَ الْبَيْعِ لِتُمَكِّنَهُمَا من رِعَايَةِ هذا الشَّرْطِ وَكَذَا لو كان بين رَجُلَيْنِ حِنْطَةٌ فَاقْتَسَمَاهَا مُجَازَفَةً لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فيها مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فَيُشْبِهُ الْبَيْعَ وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فيها مُجَازَفَةً فَكَذَا الْقِسْمَةُ وَلَوْ تَبَايَعَا حِنْطَةً بِحِنْطَةٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ مُتَسَاوِيًا في الْوَزْنِ لم يَجُزْ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ مَكِيلَةٌ وَالتَّسَاوِي في الْكَيْلِ شَرْطُ جَوَازِ الْبَيْعِ في الْمَكِيلَاتِ وَلَا تُعْلَمُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا في الْكَيْلِ فَكَانَ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ مُجَازَفَةً. وروى عن أبي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْوَزْنِ فيها تَصِيرُ وَزْنِيَّةً وَيَعْتَبِرُ التَّسَاوِي فيها بِالْوَزْنِ وَإِنْ كانت في الْأَصْلِ كَيْلِيَّةٌ وَعَلَى هذا تَخْرُجُ الْمُزَابَنَةُ وَالْمُحَاقَلَةُ أَنَّهُمَا لَا يَجُوزَانِ لِأَنَّ الْمُزَابَنَةَ بَيْعُ التَّمْرِ على رؤوس النَّخْلِ بِمِثْلِ كيلة من التَّمْرِ خَرْصًا لَا يدري أَيُّهُمَا أَكْثَرُ وَالزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ لَا يدري أَيُّهُمَا أَكْثَرُ وَالْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحَبِّ في السُّنْبُلِ بِمِثْلِ كيلة من الْحِنْطَةِ خَرْصًا لَا يدري أَيُّهُمَا أَكْثَرُ فَكَانَ هذا بَيْعَ مَالِ الرِّبَا مُجَازَفَةً لِأَنَّهُ لَا تعرف [يعرف] الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا في الْكَيْلِ وقد رُوِيَ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ. وَفَسَّرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُزَابَنَةَ وَالْمُحَاقَلَةَ في الموطأ بِمَا قُلْنَا وهو كان إمَامًا في اللُّغَةِ كما كان إمَامًا في الشَّرِيعَةِ وقال كَذَلِكَ الْجَوَابُ إذَا كان أَكْثَرَ من خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَأَمَّا ما دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَا رَوَى أبو هُرَيْرَةَ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ في بَيْعِ الْعَرَايَا بِالتَّمْرِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَقَدْ رَخَّصَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من جُمْلَةِ ما حَرَّمَ من الْمُزَابَنَةِ ما دُونَ خَمْسَةٍ وَالْمُرَخَّصُ من جُمْلَةِ ما حُرِّمَ يَكُونُ مُبَاحًا وَتَفْسِيرُ الْعَرِيَّةِ عِنْدَنَا ما ذَكَرَهُ مَالِكُ بن أَنَسٍ في الموطأ رضي اللَّهُ عنه وهو أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ نَخِيلٌ فَيُعْطِيَ رَجُلًا منها ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ أو نَخْلَتَيْنِ يَلْقُطُهُمَا لِعِيَالِهِ ثُمَّ يَثْقُلَ عليه دُخُولُهُ حَائِطَهُ فَيَسْأَلَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ له عنها على أَنْ يُعْطِيَهُ بِمَكِيلَتِهَا تَمْرًا عِنْدَ إصْرَامِ النَّخْلِ وَذَلِكَ ما لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ لَا بَيْعَ هُنَاكَ بَلْ التَّمْرُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ النَّخْلِ فَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ له ثَمَرُ النَّخْلِ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ بِمَكِيلَتِهَا من التَّمْرِ إلَّا أَنَّهُ سَمَّاهُ الرَّاوِي بَيْعًا لِتَصَوُّرِهِ بِصُوَرِ الْبَيْعِ لَا أَنْ يَكُونَ بَيْعًا حَقِيقَةً بَلْ هو عَطِيَّةٌ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لم يَمْلِكْهُ المعري له لِانْعِدَامِ الْقَبْضِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ بَيْعًا وَلِأَنَّهُ لو جُعِلَ بَيْعًا لَكَانَ بَيْعَ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إلَى أَجَلٍ وأنه لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ دَلَّ أَنَّ الْعَرِيَّةَ الْمُرَخَّصَ فيها لَيْسَتْ بِبَيْعٍ حَقِيقَةً بَلْ هِيَ عَطِيَّةٌ وَلِأَنَّ الْعَرِيَّةَ هِيَ الْعَطِيَّةُ لُغَةً قال حَسَّانُ بن ثَابِتٍ رضي اللَّهُ عنه لَيْسَتْ بِسَنْهَاءَ وَلَا رَجَبِيَّةٍ وَلَكِنْ عَرَايَا في السِّنِينَ الْجَوَائِحِ وَلَوْ اشْتَرَى بِكُرٍّ من تَمْرٍ نَخْلًا عليها ثَمَرٌ وَسَمَّى التَّمْرَ أو ذَكَرَ كُلَّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هو منه حتى دخل في الْبَيْعِ يُرَاعَى في جَوَازِهِ طَرِيقُ الِاعْتِبَارِ وهو أَنْ يَكُونَ كَيْلُ التَّمْرِ أَكْثَرَ من كَيْلِ الثَّمَرِ لِيَكُونَ الثَّمَرُ بمثله وَالزِّيَادَةُ بِإِزَاءِ النَّخْلِ فَإِنْ كان أَقَلَّ لَا يَجُوزُ. لِأَنَّ التَّمْرَ يَكُونُ بِمِثْلِ كَيْلِهِ وَزِيَادَةُ التَّمْرِ مع النَّخْلِ تَكُونُ زِيَادَةً لَا يُقَابِلُهَا عِوَضٌ فَيَكُونُ رِبًا وَكَذَا إذَا كان مثله لِأَنَّ النَّخْلَ يَكُونُ فَضْلًا لَا يُقَابِلُهُ عِوَضٌ في عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَكَذَا إذَا كان لَا يدري عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَسَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ إنَّمَا يَجُوزُ على طَرِيقِ الِاعْتِبَارِ إذَا كان التَّمْرُ نَقْدًا فَإِنْ كان نَسِيئَةً لم يَجُزْ لِتَحَقُّقِ رِبَا النَّسَاءِ هذا إذَا كان ثَمَرُ النَّخْلِ بُسْرًا أو رُطَبًا أو تَمْرًا يَابِسًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِنْ كان كفري جَازَ الْبَيْعُ كَيْفَ ما كان من غَيْرِ شَرْطِ الِاعْتِبَارِ لِأَنَّهُ بَيْعُ الكفري بِالتَّمْرِ وَأَنَّهُ جَائِزٌ كَيْفَ ما كان وَلَوْ لم يَكُنْ التَّمْرُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ ثُمَّ أَثْمَرَ النَّخْلُ قبل الْقَبْضِ كُرًّا أو أَكْثَرَ من الْكُرِّ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ بِخِلَافِ ما إذَا كان التَّمْرُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ ثُمَّ أَثْمَرَ النَّخْلُ قبل الْقَبْضِ فَبَاعَهُ مع النَّخْلِ بِالتَّمْرِ وَكَيْلُ التَّمْرِ مِثْلُ كَيْلِ ثَمَرِ النَّخْلِ أو أَقَلُّ حَيْثُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْعَاقِدَيْنِ أَدْخَلَا الرِّبَا في الْعَقْدِ لِأَنَّهُمَا قَابَلَا الثَّمَنَ بِكُلِّ الْمَبِيعِ فَانْقَسَمَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا وَبَعْضُ الْمَبِيعِ مَالُ الرِّبَا فَدَخَلَ الرِّبَا في الْعَقْدِ بِاشْتِرَاطِهِمَا وَاشْتِرَاطُ الرِّبَا في الْعَقْدِ مُفْسِدٌ له. وَهَهُنَا الْبَيْعُ كان صَحِيحًا في الْأَصْلِ لِأَنَّ الثَّمَنَ خِلَافُ جِنْسِ الْمَبِيعِ إذْ الْمَبِيعُ هو النَّخْلُ وَحْدَهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا زَادَ فَقَدْ صَارَ مَبِيعًا في حَالِ الْبَقَاءِ لَا بِصُنْعِهِمَا فَبَقِيَ الْبَيْعُ صَحِيحًا وَالزِّيَادَةُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي وَيَنْقَسِمُ الثَّمَنُ على قِيمَةِ النَّخْلِ وَقِيمَةِ الزِّيَادَةِ لَكِنْ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ النَّخْلِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَقِيمَةُ الزِّيَادَةِ وَقْتَ الْقَبْضِ فَيَطِيبُ له من التَّمْرِ قَدْرُ حِصَّتِهِ من الثَّمَنِ لِأَنَّهُ فَضَلَ له ذلك الْقَدْرُ بِبَدَلٍ وَلَا يَطِيبُ له الْفَضْلُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ لِأَنَّهُ رِبْحُ ما لم يَضْمَنْ. وَلَوْ قَضَى الثَّمَنَ من التَّمْرِ الْحَادِثِ يُنْظَرُ إنْ قَضَاهُ منه قبل الْقَبْضِ فَقَضَاؤُهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْقَضَاءَ منه تَصَرُّفٌ في الْمَبِيعِ قبل الْقَبْضِ وأنه لَا يَجُوزُ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ لم يَقْبِضْ حتى لو هَلَكَ الثَّمَنُ في يَدِ الْبَائِعِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ من الثَّمَنِ وَإِنْ أَكَلَهُ الْبَائِعُ تَسْقُطُ حِصَّتُهُ من الثَّمَنِ وَإِنْ كان الْمُشْتَرِي قَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ قَضَى منه جَازَ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ في الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ وأنه جَائِزٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا زَادَ على حِصَّتِهِ من الثَّمَنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَعَلَى هذا بَيْعُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالْقِيمَةُ فِيهِمَا مُجَازَفَةٌ وَلَوْ تَبَايَعَا حِنْطَةً بِشَعِيرٍ أو ذَهَبًا بِفِضَّةٍ مُجَازَفَةً جَازَ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ في بَيْعِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ وَلِهَذَا جَازَتْ الْمُفَاضَلَةُ فيه فَالْمُجَازَفَةُ أَوْلَى وَكَذَلِكَ الْقِيمَةُ وَعَلَى هذا يَخْرُجُ بَيْعُ الْمَوْزُونِ بِجِنْسِهِ وَغَيْرِ جِنْسِهِ كما إذَا اشْتَرَى فِضَّةً مع غَيْرِهَا بِفِضَّةٍ مُفْرَدَةٍ بِأَنْ اشْتَرَى سَيْفًا مُحَلًّى بِفِضَّةٍ مُفْرَدَةٍ أو مِنْطَقَةً مُفَضَّضَةً أو جَارِيَةً في عُنُقِهَا طَوْقٌ من فِضَّةٍ أو اشْتَرَى ذَهَبَا وَغَيْرَهُ بِذَهَبٍ مُفْرَدٍ كما إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا مَنْسُوجًا بِالذَّهَبِ بِذَهَبٍ مُفْرَدٍ أو جَارِيَةً مع حِلْيَتِهَا وَحُلِيُّهَا ذَهَبٌ بِذَهَبٍ مُفْرَدٍ وَنَحْوِ ذلك أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُجَازَفَةً عِنْدَنَا بَلْ يُرَاعَى فيه طَرِيقُ الِاعْتِبَارِ وهو أَنْ يَكُونَ وَزْنُ الْفِضَّةِ الْمُفْرَدَةِ أو الذَّهَبِ الْمُفْرَدِ أَكْثَرَ من الْمَجْمُوعِ مع غَيْرِهِ لِيَكُونَ قَدْرُ وَزْنِ الْمُفْرَدِ بمثله من الْمَجْمُوعِ وَالزِّيَادَةُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا فَإِنْ كان وَزْنُ الْمُفْرَدِ أَقَلَّ من وَزْنِ الْمَجْمُوعِ لم يَجُزْ لِأَنَّ زِيَادَةَ وَزْنِ الْمَجْمُوعِ مع خِلَافِ الْجِنْسِ لَا يُقَابِلُهُ عِوَضٌ في عَقْدِ الْبَيْعِ فَيَكُونُ رِبًا. وَكَذَلِكَ إذَا كان مثله في الْوَزْنِ لِأَنَّهُ يَكُونُ الْفِضَّةُ بِمِثْلِهَا وَالذَّهَبُ بمثله فَالْفَضْلُ يَكُونُ رِبًا وَإِنْ كان من خِلَافِ جِنْسِهِ وَكَذَلِكَ إذَا كان لَا يُعْلَمُ وَزْنُهُ أَنَّهُ أَكْثَرُ أو مِثْلُهُ أو أَقَلُّ أو اخْتَلَفَ أَهْلُ النَّظَرِ فيه فقال بَعْضُهُمْ الثَّمَنُ أَكْثَرُ وقال بَعْضُهُمْ هو مِثْلُهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ يَجُوزُ وَجْهُ قَوْلِهِ أن الْأَصْلَ في الْبَيْعِ جَوَازُهُ وَالْفَسَادُ بِعَارِضِ الرِّبَا وفي وُجُودِهِ شَكٌّ فَلَا يَثْبُتُ الْفَسَادُ بِالشَّكِّ لِأَنَّ جِهَةَ الْفَسَادِ في هذا الْعَقْدِ أَكْثَرُ من جِهَةِ الْجَوَازِ لِأَنَّ وَزْنَ الْمُفْرَدِ لو كان أَقَلَّ يُفْسِدُ وَكَذَلِكَ لو كان مثله وَلَوْ كان أَكْثَرَ يَجُوزُ فَجَازَ من وجد [وجه] وَفَسَدَ من وَجْهَيْنِ فَكَانَتْ الْغَلَبَةُ لِجِهَةِ الْفَسَادِ وَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ ثُمَّ إذَا كان وَزْنُ الْمُفْرَدِ أَكْثَرَ حتى جَازَ الْبَيْعُ فَيَجْتَمِعُ في هذا الْعَقْدِ صَرْفٌ وهو بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ أو الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَبَيْعٌ مُطْلَقٌ وهو بَيْعُ الذَّهَبِ أو الْفِضَّةِ بِخِلَافِ جِنْسِهَا فَيُرَاعَى في الصَّرْفِ شَرَائِطُهُ وَسَنَذْكُرُ شَرَائِطُ الصَّرْفِ في مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وإذا فَاتَ شَيْءٌ من الشَّرَائِطِ حتى فَسَدَ الصَّرْفُ هل يَتَعَدَّى الْفَسَادُ إلَى الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ فيه تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ في مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هذا إذَا اشْتَرَى فِضَّةً مع غَيْرِهَا بِفِضَّةٍ مُفْرَدَةٍ أو ذَهَبًا مع غَيْرِهِ بِذَهَبٍ مُفْرَدٍ فَأَمَّا إذَا اشْتَرَى ذَهَبًا مع غَيْرِهِ بِفِضَّةٍ مُفْرَدَةٍ أو فِضَّةً مع غَيْرِهَا بِذَهَبٍ مُفْرَدٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَا رِبَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ غير أَنَّهُ يُقَسَّمُ الْمُفْرَدُ على قِيمَةِ الْمَجْمُوعِ وَقِيمَةِ ذلك الْغَيْرِ فما كان بِمُقَابَلَةِ الذَّهَبِ أو الْفِضَّةِ يَكُونُ صَرْفًا فَيُرَاعَى فيه شَرَائِطُ الصَّرْفِ وما كان بِمُقَابَلَةِ غَيْرِهِ يَكُونُ بَيْعًا مُطْلَقًا على ما نَذْكُرُهُ في بَيَانِ شَرَائِطِ الصَّرْفِ. وَعَلَى هذا الْأَصْلِ يَخْرُجُ بَيْعُ تُرَابِ مَعْدِنِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ أَمَّا تُرَابُ مَعْدِنِ الْفِضَّةِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَاعَهُ بِفِضَّةٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَاعَهُ بِغَيْرِهَا فَإِنْ بَاعَهُ بِفِضَّةٍ لم يَجُزْ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقَعُ على ما في التُّرَابِ من الْفِضَّةِ لَا على التُّرَابِ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ له وَالْمُمَاثَلَةُ بين الْفِضَّتَيْنِ لَيْسَتْ بِمَعْلُومَةٍ فَكَانَ هذا الْبَيْعُ بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ بَاعَهُ بِذَهَبٍ جَازَ لِأَنَّ الرِّبَا لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَيُرَاعَى فيه شَرَائِطُ الصَّرْفِ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ لم يَخْلُصْ منه شَيْءٌ تَبَيَّنَ أَنَّ الْبَيْعَ كان فَاسِدًا لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ ما ليس بِمَالٍ فَصَارَ كما لو اشْتَرَى شَخْصًا على أَنَّهُ عَبْدٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حُرٌّ أو اشْتَرَى شَاةً مَسْلُوخَةً على أنها مَذْبُوحَةٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أنها مَيِّتَةٌ فَإِنْ خَلَصَ منه شَيْءٌ فَالْأَمْرُ مَاضٍ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لِأَنَّهُ اشْتَرَى شيئا لم يَرَهُ فَأَشْبَهَ ما لو اشْتَرَى ثَوْبًا في سَقَطٍ أو سَمَكَةً في جُبٍّ. وَلَوْ بَاعَهُ بِعِوَضٍ جَازَ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا ثُمَّ يُنْظَرُ أن خَلَصَ منه شَيْءٌ أو لم يَخْلُصْ على ما ذَكَرْنَا وَلَوْ بَاعَهُ بِتُرَابِ مَعْدِنٍ مِثْلِهِ من الْفِضَّةِ لم يَجُزْ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقَعُ على ما فيها من الْفِضَّةِ وَلَا يُعْلَمُ تَسَاوِيهِمَا في الْوَزْنِ فَكَانَ بَيْعَ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً وَلَوْ بَاعَهُ بِتُرَابِ مَعْدِنِ الذَّهَبِ جَازَ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَيُرَاعَى فيه شَرَائِطُ الصَّرْفِ ثُمَّ إنْ لم يَخْلُصْ منه شَيْءٌ تَبَيَّنَ أَنَّ الْبَيْعَ كان فَاسِدًا لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ ما ليس بِمَالٍ. وَكَذَا إنْ خَلَصَ من أَحَدِهِمَا ولم يَخْلُصْ من الْآخَرِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ الْمَالَ بِمَا ليس بِمَالٍ وَإِنْ خَلَصَ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالْأَمْرُ مَاضٍ وَلَهُمَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرٍ ما لم يَرَهُ وَكَذَلِكَ لو كان تُرَابُ مَعْدِنِ الْفِضَّةِ بين رَجُلَيْنِ فَاقْتَسَمَاهُ لم يَجُزْ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فيها مَعْنَى الْبَيْعِ فَلَا يَحْتَمِلُ الْمُجَازَفَةَ كَالْبَيْعِ وَلَوْ بَاعَ منه قَفِيزًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ بِذَهَبٍ أو بِعَرَضٍ لم يَجُزْ لِأَنَّ الْمَبِيعَ ما في التُّرَابِ من الْفِضَّةِ وأنه مَجْهُولُ الْقَدْرِ لِأَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ منه قَفِيزٌ يَخْلُصُ منه خَمْسَةٌ وَمِنْهُ قَفِيزٌ يَخْلُصُ منه عَشَرَةٌ فَكَانَ الْمَبِيعُ مَجْهُولًا جَهَالَةً مُفْضِيَةً إلَى الْمُنَازَعَةِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْقَفِيزِ من صُبْرَةٍ لِأَنَّ قُفْزَانَ الصُّبْرَةِ الْوَاحِدَةِ مُتَمَاثِلَةٌ فلم يَكُنْ الْمَبِيعُ مَجْهُولًا جَهَالَةً مُفْضِيَةً إلَى الْمُنَازَعَةِ. وَلَوْ بَاعَ نِصْفَ جُمْلَةِ التُّرَابِ أو ثُلُثَهَا أو رُبُعَهَا شَائِعًا بِذَهَبٍ أو عَرَضٍ جَازَ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا إلَّا إذَا لم يَخْلُصْ منه شَيْءٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْبَيْعَ كان فَاسِدًا لِمَا قُلْنَا وَإِنْ خَلَصَ منه شَيْءٌ فَيَكُونُ ما خَلَصَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهَا وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ وَلَوْ اسْتَقْرَضَ تُرَابَ الْمَعْدِنِ جَازَ وَعَلَى الْمُسْتَقْرِضِ مِثْلُ ما خَلَصَ منه وَقَبَضَ لِأَنَّ الْقَرْضَ وَقَعَ على ما يَخْلُصُ منه وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ في قَدْرِ ما قَبَضَ وَخَلُصَ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ هذا التُّرَابِ أو بِثُلُثِهِ أو بِرُبُعِهِ يَجُوزُ إنْ خَلَصَ منه شَيْءٌ كما يَجُوزُ لو بِيعَ منه شَيْءٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْبَيْعَ كان فَاسِدًا لِمَا قُلْنَا وَإِنْ خَلَصَ منه شَيْءٌ فَيَكُونُ أَجْرُهُ مِمَّا ما خَلَصَ. وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِتُرَابِ الْمَعْدِنِ بِعَيْنِهِ جَازَتْ الْإِجَارَةُ أن خَلَصَ منه شَيْءٌ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِمَالِ وَالْأَجِيرِ بِالْخِيَارِ لِأَنَّهُ آجَرَ نَفْسَهُ بِمَا لم يَرَهُ فَإِنْ شَاءَ رضي بِهِ وَلَا شَيْءَ له غَيْرَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ وَرَجَعَ على الْمُسْتَأْجِرِ بِأَجْرِ مِثْلِهِ بَالِغًا ما بَلَغَ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِقَفِيزٍ من تُرَابٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ما في التُّرَابِ من الْفِضَّةِ وأنه مَجْهُولُ الْقَدْرِ وَلِهَذَا لم يَجُزْ بَيْعُهُ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا وَلَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ لم يَخْلُصْ لَا يَجُوزُ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَعَلَى هذا حُكْمُ تُرَابِ مَعْدِنِ الذَّهَبِ في جَمِيعِ ما ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَمَّا تُرَابُ الصَّاغَةِ فَإِنْ كان فيه فِضَّةٌ خَالِصَةٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ تُرَابِ مَعْدِنِ الْفِضَّةِ وَإِنْ كان فيه ذَهَبٌ خَالِصٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ تُرَابِ مَعْدِنِ الذَّهَبِ وَإِنْ كان فيه ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِذَهَبٍ أو فِضَّةٍ لم يَجُزْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ما فيه من الذَّهَبِ أو الْفِضَّةِ أَكْثَرَ أو أَقَلَّ أو مثله فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ جَازَ لِأَنَّهُ اشْتَرَى ذَهَبًا وَفِضَّةً بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَيَجُوزُ وَيُصْرَفُ الْجِنْسُ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ ويراعي فيه شَرَائِطُ الصَّرْفِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ جَازَ لِانْعِدَامِ احْتِمَالِ الرِّبَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا خَلَصَ منه شَيْءٌ فَإِنْ لم يَخْلُصْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْبَيْعَ كان فَاسِدًا. وَعَلَى هذا الْأَصْلِ يَخْرُجُ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ التي الْغِشُّ فيها هو الْغَالِبُ بِفِضَّةٍ خَالِصَةٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا على طَرِيقِ الِاعْتِبَارِ وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فيه أَنَّ الدَّرَاهِمَ الْمَضْرُوبَةَ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ أما أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ فيها هِيَ الْغَالِبَةُ وأما أَنْ يَكُونَ الْغِشُّ فيها هو الْغَالِبُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْفِضَّةُ وَالْغِشُّ فيها على السَّوَاءِ فَإِنْ كانت الْفِضَّةُ فيها هِيَ الْغَالِبَةُ بِأَنْ كان ثُلُثَاهَا فِضَّةً وَثُلُثُهَا صُفْرًا أو كانت ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا فِضَّةً وَرُبُعُهَا صُفْرًا وَنَحْوَ ذلك فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ إلَّا سَوَاءً سواء وَكَذَا بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْغَالِبِ وَإِلْحَاقُ الْمَغْلُوبِ بِالْعَدَمِ هو الْأَصْلُ في أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَلِأَنَّ الدَّرَاهِمَ الْجِيَادَ لَا تَخْلُو عن قَلِيلِ غِشٍّ لِأَنَّ الْفِضَّةَ لَا تَنْطَبِعُ بِدُونِهِ على ما قِيلَ فَكَانَ قَلِيلُ الْغِشِّ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عنه فَكَانَتْ الْعِبْرَةُ لِلْغَلَبَةِ وَإِنْ كان الْغِشُّ فيها هو الْغَالِبُ فَإِنْ كانت الْفِضَّةُ لَا تَخْلُصُ بِالذَّوْبِ وَالسَّبْكِ بَلْ تَحْتَرِقُ وَيَبْقَى النُّحَاسُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ النُّحَاسِ الْخَالِصِ لِأَنَّ الْفِضَّةَ فيها إذَا كانت مُسْتَهْلَكَةً كانت مُلْحَقَةً بِالْعَدَمِ فَيُعْتَبَرُ كُلُّهُ نُحَاسًا لَا يُبَاعُ بِالنُّحَاسِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ. وَإِنْ كانت تَخْلُصُ من النُّحَاسِ وَلَا تَحْتَرِقُ وَيَبْقَى النُّحَاسُ على حَالِهِ أَيْضًا فإنه يُعْتَبَرُ فيه كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على حَالِهِ وَلَا يُجْعَلُ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ كَأَنَّهُمَا مُنْفصلانِ مُمْتَازَانِ أَحَدُهُمَا عن صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ تَخْلِيصُ أَحَدِهِمَا من صَاحِبِهِ على وَجْهٍ يَبْقَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الذَّوْبِ وَالسَّبْكِ لم يَكُنْ أَحَدُهُمَا مُسْتَهْلَكًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِفِضَّةٍ خَالِصَةٍ إلَّا على طَرِيقِ الِاعْتِبَارِ وهو أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ أَكْثَرَ من الْفِضَّةِ الْمَخْلُوطَةِ يُصْرَفُ إلَى الْفِضَّةِ الْمَخْلُوطَةِ مِثْلُهَا من الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ وَالزِّيَادَةُ إلَى الْغِشِّ كما لو بَاعَ فِضَّةً وَصُفْرًا مُمْتَازَيْنِ بِفِضَّةٍ خَالِصَةٍ فَإِنْ كانت الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ أَقَلَّ من الْمَخْلُوطَةِ لم يَجُزْ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْفِضَّةِ الْمَخْلُوطَةِ مع الصُّفْرِ يَكُونُ فَضْلًا خَالِيًا من الْعِوَضِ في عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَيَكُونُ رِبًا وَكَذَا إذَا كانت مِثْلَهَا لِأَنَّ الصُّفْرَ يَكُونُ فَضْلًا لَا يُقَابِلُهُ عِوَضٌ وَكَذَا إذَا كان لَا يدري قَدْرُ الْفِضَّتَيْنِ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ أو هُمَا سَوَاءٌ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ يَجُوزُ وقد ذَكَرْنَا الْحُجَجَ فِيمَا قَبْلُ. وَذَكَرَ في الْجَامِعِ إذَا كانت الدَّرَاهِمُ ثُلُثَاهَا صُفْرًا وَثُلُثهَا فِضَّةٌ وَلَا يُقْدَرُ أَنْ يُخَلَّصَ الْفِضَّةُ من الصُّفْرِ وَلَا يدري إذَا خُلِّصَتْ أَيَبْقَى الصُّفْرُ أَمْ يَحْتَرِقُ أَنَّهُ يراعي في بَيْعِ هذه الدَّرَاهِمِ بِفِضَّةٍ خَالِصَةٍ طَرِيقُ الِاعْتِبَارِ ثُمَّ إذَا كانت الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ أَكْثَرَ حتى جَازَ الْبَيْعُ يَكُونُ هذا صَرْفًا وَبَيْعًا مُطْلَقًا فَيُرَاعَى في الصَّرْفِ شَرَائِطُهُ وإذا فَسَدَ بِفَوَاتِ شَرْطٍ منه يَفْسُدُ الْبَيْعُ في الصُّفْرِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تمييزه [تميزه] إلَّا بِضَرَرٍ وَبَيْعُ ما لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ عن غَيْرِهِ إلَّا بِضَرَرٍ فَاسِدٌ على ما ذَكَرْنَا. وَلَوْ بِيعَتْ هذه الدَّرَاهِمُ بِذَهَبٍ جَازَ لِأَنَّ الْمَانِعَ هو الرِّبَا وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ يَمْنَعُ تحقق [تحقيق] الرِّبَا لَكِنْ يُرَاعَى فيه شَرَائِطُ الصَّرْفِ لِأَنَّهُ صَرْفٌ وإذا فَاتَ شَرْطٌ منه حتى فَسَدَ يَفْسُدُ الْبَيْعُ في الصُّفْرِ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا وَلَوْ بِيعَتْ بِجِنْسِهَا من الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ جَازَ مُتَسَاوِيًا وَمُتَفَاضِلًا نَصَّ عليه مُحَمَّدٌ في الْجَامِعِ وَيُصْرَفُ الْجِنْسُ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ كما لو بَاعَ فِضَّةً مُنْفصلةً وَصُفْرًا مُنْفصلا بِفِضَّةٍ وَصُفْرٍ مُنْفصليْنِ وَقَالُوا في السَّتُّوقَةِ إذَا بِيعَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا أنه يَجُوزُ وَيُصْرَفُ الْجِنْسُ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ وَمَشَايِخُنَا لم يُفْتُوا في ذلك إلَّا بِالتَّحْرِيمِ احْتِرَازًا عن فَتْحِ باب الرِّبَا. وَقَالُوا في الدَّرَاهِمِ الْقَطْرُ يفينه [يفنيه] يَجُوزُ بَيْعُ وَاحِدٍ أو اثْنَيْنِ أو ثَلَاثَةٍ أو أَرْبَعَةٍ أو خَمْسَةٍ منها بِدِرْهَمٍ فِضَّةٍ لِأَنَّ ما فيها من الْفِضَّةِ يَكُونُ بِمِثْلِ وَزْنِهَا من الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ وَزِيَادَةُ الْفِضَّةِ تَكُونُ بِمُقَابَلَةِ الصُّفْرِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ سِتَّةٍ منها بِدِرْهَمٍ فِضَّةٍ لِأَنَّ الصُّفْرَ الذي فيها يَبْقَى فَضْلًا خَالِيًا عن الْعِوَضِ في عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَيَكُونُ رِبًا وكان الشَّيْخُ الْإِمَامُ أبو بَكْرٍ محمد بن الْفَضْلِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُفْتِي بِجَوَازِ هذا وَإِنْ كانت الْفِضَّةُ وَالْغِشُّ فيها سَوَاءً فلم يَقْطَعْ مُحَمَّدٌ الْجَوَابَ فيه في الْجَامِعِ لَكِنَّهُ بَنَاهُ على قَوْلِ الصَّيَارِفَةِ. وحكي عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قالوا إنَّ الْفِضَّةَ وَالصُّفْرَ إذَا خُلِطَا لَا تَتَمَيَّزُ الْفِضَّةُ من الصُّفْرِ حتى يَحْتَرِقَ الصُّفْرُ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَمَيَّزَانِ إلَّا بِذَهَابِ أَحَدِهِمَا وَالصُّفْرُ أَسْرَعُهُمَا ذَهَابًا فقال في هذه الدَّرَاهِمِ إنْ كانت الْفِضَّةُ هِيَ الْغَالِبَةُ أَيْ على ما يَقُولُهُ الصَّيَارِفَةُ إن الصُّفْرَ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الِاحْتِرَاقُ عِنْدَ الْإِذَابَةِ وَالسَّبْكِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ وَلَا بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ كَبَيْعِ الزُّيُوفِ بِالْجِيَادِ لِأَنَّ الصُّفْرَ إذَا كان يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الِاحْتِرَاقُ كان مَغْلُوبًا مُسْتَهْلَكًا فَكَانَ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ وَإِنْ لم يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ وَبَقِيَا على السَّوَاءِ يُعْتَبَرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على حِيَالِهِ كَأَنَّهُمَا مُنْفصلانِ وَيُرَاعَى في بَيْعِهِمَا بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ طَرِيقُ الِاعْتِبَارِ كما في النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَسَاوِيًا وَمُتَفَاضِلًا وَيُصْرَفُ الْجِنْسُ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ كما في النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَالله أعلم. وَهَلْ يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ عَدَدًا أَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ وهو ما كانت فِضَّتُهُ غَالِبَةً على غِشِّهِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ إلَّا وَزْنًا لِأَنَّ الْغِشَّ إذَا كان مَغْلُوبًا فيه كان بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ الزَّائِفَةِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ الزَّائِفَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ عَدَدًا لِأَنَّهَا وَزْنِيَّةٌ فلم يُعْتَبَرْ الْعَدَدُ فيها فَكَانَ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُجَازَفَةً فلم يَجُزْ فَلَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهَا أَيْضًا لِأَنَّهَا مُبَادَلَةٌ حَقِيقَةً أو فيها شبه [شبهة] الْمُبَادَلَةِ فَيَجِبُ صِيَانَتُهَا عن الرِّبَا وَعَنْ شُبْهَةِ الرِّبَا وَلِهَذَا لم يَجُزْ اسْتِقْرَاضُ الْكَيْلِيِّ وَزْنًا لِمَا أَنَّ الْوَزْنَ في الْكَيْلِيِّ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَكَانَ إقْرَاضُهُ مُبَادَلَةَ الشَّيْءِ بمثله مُجَازَفَةً أو شُبْهَةَ الْمُبَادَلَةِ فلم يَجُزْ كَذَا هذا وَكَذَلِكَ النَّوْعُ الثَّالِثُ وهو ما إذَا كان نِصْفُهُ فِضَّةً وَنِصْفُهُ صُفْرًا لِأَنَّ الْغَلَبَةَ إذَا كانت الْفِضَّةُ على اعْتِبَارِ بَقَائِهَا وَذَهَابِ الصُّفْرِ في الْمَآلِ على ما يَقُولُهُ أَهْلُ الصَّنْعَةِ كان مُلْحَقًا بِالدَّرَاهِمِ الزُّيُوفِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ عَدَدًا وَإِنْ كان لَا يَغْلِبُ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ وَيَبْقَيَانِ بَعْدَ السَّبْكِ على حَالِهِمَا كان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلًا بِنَفْسِهِ فَيُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على حِيَالِهِ فَكَانَ اسْتِقْرَاضُ الْفِضَّةِ وَالصُّفْرِ جُمْلَةً عَدَدًا وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الصفر إن كان يُوجِبُ الْجَوَازَ لِأَنَّ الْفَلْسَ عَدَدِيٌّ فَاعْتِبَارُ الْفِضَّةِ يَمْنَعُ الْجَوَازَ لِأَنَّ الْفِضَّةَ وَزْنِيَّةٌ فَالْحُكْمُ بِالْفَسَادِ عِنْدَ تَعَارُضِ جِهَتَيْ الْجَوَازِ وَالْفَسَادُ أَحْوَطُ. وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي ما كان الْغِشُّ فيه غَالِبًا وَالْفِضَّةُ مَغْلُوبَةً فإنه يُنْظَرُ إنْ كان الناس يَتَعَامَلُونَ بِهِ وَزْنًا لَا عَدَدًا لَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ عَدَدًا لِأَنَّ الْعَدَدَ في الْمَوْزُونِ بَاطِلٌ فَكَانَ اسْتِقْرَاضُهُ مُبَادَلَةَ الْمَوْزُونِ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً أو شُبْهَةَ الْمُبَادَلَةِ وأنه لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِهِ عَدَدًا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ عَدَدًا لِأَنَّهُمْ إذَا تَعَامَلُوا بِهِ عَدَدًا فَقَدْ أَلْحَقُوهُ بِالْفُلُوسِ وَجَعَلُوا الْفِضَّةَ التي فيه تَبَعًا لِلصُّفْرِ وأنه مُمْكِنٌ لِأَنَّهَا قَلِيلَةٌ وقد يَكُونُ في الْفُلُوسِ في الْجُمْلَةِ قَلِيلُ فِضَّةٍ فَثَبَتَتْ التَّبَعِيَّةُ بِدَلَالَةِ التَّعَامُلِ وَمِثْلُ هذه الدَّلَالَةِ لم تُوجَدْ فِيمَا إذَا تَعَامَلُوا بها وَزْنًا لَا عَدَدًا فَبَقِيَتْ وزنيه فَلَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ عَدَدًا وَإِنْ تَعَامَلَ الناس بها عَدَدًا لِأَنَّ هُنَاكَ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْفِضَّةِ تَبَعًا لِلْغِشِّ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ منه أو مِثْلُهُ وَالْكَثِيرُ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْقَلِيلِ وَمِثْلُ هذا الشَّيْءِ لَا يَكُونُ تَبَعًا أَيْضًا فَبَقِيَتْ على الصِّفَةِ الْأَصْلِيَّةِ الثَّابِتَةِ لها شَرْعًا وَهِيَ كَوْنُهَا وَزْنِيَّةً فَلَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهَا مُجَازَفَةً كما لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُجَازَفَةً وَكَذَا الشِّرَاءُ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ من الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ عَدَدًا حُكْمُهُ حُكْمُ الِاسْتِقْرَاضِ سَوَاءٌ فَلَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ بِالنَّوْعِ الْأَوَّلِ إلَّا وَزْنًا لِأَنَّهَا في حُكْمِ الْجِيَادِ وإنها وَزْنِيَّةٌ فلم يَجُزْ الشِّرَاءُ بها إلَّا وَزْنًا إذَا لم يَكُنْ مُشَارًا إلَيْهَا وَكَذَلِكَ بِالنَّوْعِ الثَّالِثِ لِمَا ذَكَرْنَا في الِاسْتِقْرَاضِ. وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّالِثُ فَالْأَمْرُ فيه على التَّفْصِيلِ الذي ذَكَرْنَاهُ في الِاسْتِقْرَاضِ أَنَّ الناس إنْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بها وَزْنًا لَا عَدَدًا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْتَاعَ بها عَدَدًا لِأَنَّ الْوَزْنَ صِفَةٌ أَصْلِيَّةٌ لِلدَّرَاهِمِ وَإِنَّمَا تَصِيرُ عَدَدِيَّةً بِتَعَامُلِ الناس فَإِنْ جَرَى التَّعَامُلُ بها وَزْنًا لَا عَدَدًا فَقَدْ تَقَرَّرَتْ الصِّفَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَبَقِيَتْ وَزْنِيَّةً فإذا اشْتَرَى بها عَدَدًا على غَيْرِ وَزْنٍ وَالْعَدَدُ هَدْرٌ ولم تُوجَدْ الْإِشَارَةُ فَقَدْ بَقِيَ الثَّمَنُ مَجْهُولًا جَهَالَةً مُفْضِيَةً إلَى الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّهُ لَا يدري ما وَزْنُ هذا الْقَدْرِ من الْعَدَدِ الْمُسَمَّى فَيُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ ما إذَا اشْتَرَى بها عَدَدًا على غَيْرِ وَزْنٍ وَلَكِنْ أَشَارَ إلَيْهَا فِيمَا يكتفي فيه بِالْإِشَارَةِ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ مِقْدَارَ وَزْنِهَا وَإِنْ كان مَجْهُولًا بَعْدَ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا لَكِنَّ هذه جَهَالَةٌ لَا تقضي [تفضي] إلَى الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِالْوَزْنِ إذَا كان قَائِمًا فَلَا يُمْنَعُ جَوَازُ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بها عَدَدًا جَازَ لِأَنَّهَا صَارَتْ عَدَدِيَّةً بِتَعَامُلِ الناس وَصَارَتْ كَالْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ هذا إذَا اشْتَرَى بِالْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ عَدَدًا على وَزْنٍ ولم يُعَيِّنْهَا. فَأَمَّا إذَا عَيَّنَهَا وَاشْتَرَى بها عَرَضًا بِأَنْ قال اشْتَرَيْتُ هذا الْعَرَضَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَأَشَارَ إلَيْهَا فَلَا شَكَّ في جَوَازِ الشِّرَاءِ بها وَلَا تَتَعَيَّنُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا وَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا حتى لو هَلَكَتْ قبل أَنْ يَنْقُدَهَا الْمُشْتَرِي لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ ويعطي مَكَانَهَا مِثْلَهَا من جِنْسِهَا وَنَوْعِهَا وَقَدْرِهَا وَصِفَتِهَا أَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ الْجِيَادِ وإنها لَا تَتَعَيَّنُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهَا فَكَذَا هذه وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي فَلِأَنَّ الصِّفَةَ فيها إنْ كانت هِيَ الْغَالِبَةُ على ما يَقُولُهُ السَّبَّاكُونَ فَهِيَ في حُكْمِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لم يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ يُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحِيَالِهِ فَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ أَيْضًا لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْفِضَّةِ لَا يُوجِبُ الْبُطْلَانَ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ وَاعْتِبَارَ الصُّفْرِ يُوجِبُ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ. وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الناس إنْ كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بها وَزْنًا فَهِيَ وَسَائِرُ الدَّرَاهِمِ سَوَاءٌ فَلَا تَتَعَيَّنُ بِالْإِشَارَةِ وَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِمِثْلِهَا في الذِّمَّةِ لَا بِعَيْنِهَا فَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهَا وَإِنْ كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بها عَدَدًا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ وأنها إذَا قُوبِلَتْ بِخِلَافِ في جِنْسِهَا في الْمُعَاوَضَاتِ لَا تَتَعَيَّنُ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا بَلْ بِمِثْلِهَا عَدَدًا وَلَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا كَذَا هذا. وَلَوْ كَسَدَ هذا النَّوْعُ من الدَّرَاهِمِ وَصَارَتْ لَا تَرُوجُ بين الناس فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْفُلُوسِ الْكَاسِدَةِ وَالسَّتُّوقِ وَالرَّصَاصِ حتى تَتَعَيَّنَ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا وَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا حتى يَبْطُلَ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهَا قبل الْقَبْضِ لِأَنَّهَا صَارَتْ سِلْعَةً لَكِنْ قالوا هذا إذَا كان الْعَاقِدَانِ عَالِمَيْنِ بِحَالِ هذه وَيَعْلَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ الْآخَرَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ فَأَمَّا إذَا كَانَا لَا يَعْلَمَانِ أو يَعْلَمُ أَحَدُهُمَا ولم يَعْلَمْ الْآخَرُ أو يَعْلَمَانِ لَكِنْ لَا يَعْلَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ صَاحِبَهُ يَعْلَمُ فإن الْعَقْدَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَا بِجِنْسِهَا وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالدَّرَاهِمِ الرَّائِجَةِ التي عليها تَعَامُلُ الناس في تِلْكَ الْبَلَدِ هذا إذَا صَارَتْ بِحَيْثُ لَا تَرُوجُ أَصْلًا فَأَمَّا إذَا كانت يَقْبَلُهَا الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الدَّرَاهِمِ الزَّائِفَةِ فَيَجُوزُ الشِّرَاءُ بها وَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا بَلْ يَتَعَلَّقُ بِجِنْسِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الزُّيُوفِ إنْ كان الْبَائِعُ يَعْلَمُ بِحَالِهَا خَاصَّةً لِأَنَّهُ رضي بِجِنْسِ الزُّيُوفِ وَإِنْ كان الْبَائِعُ لَا يَعْلَمُ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِجِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَيِّدِ من نَقْدِ تِلْكَ الْبَلَدِ لِأَنَّهُ لم يَرْضَ إلَّا بِهِ إذَا كان لَا يَعْلَمُ بِحَالِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. ثُمَّ إنَّمَا لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِ الدَّرَاهِمِ في الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا إذَا كان عَلِمَ عَدَدَهَا أو وَزْنَهَا قبل الْهَلَاكِ لِأَنَّهُ إذَا كان عَلِمَ ذلك يُمْكِنُ إعْطَاءُ مِثْلِهَا بَعْدَ هَلَاكِهَا فَأَمَّا إذَا كان لم يَعْلَمْ لَا عَدَدَهَا وَلَا وَزْنَهَا حتى هَلَكَتْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّ الثَّمَنَ صَارَ مَجْهُولًا إذْ الْمُشْتَرِي لَا يُمْكِنُهُ إعْطَاءُ مِثْلِ الدَّرَاهِمِ الْمُشَارِ إلَيْهَا وَمِنْهَا الْخُلُوُّ من شُبْهَةِ الرِّبَا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ في باب الْحُرُمَاتِ احْتِيَاطًا وَأَصْلُهُ ما رُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال لِوَابِصَةَ بن مَعْبَدٍ رضي اللَّهُ عنه الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ فَدَعْ ما يَرِيبُكَ إلَى ما لَا يَرِيبُكَ وَعَلَى هذا يَخْرُجُ ما إذَا بَاعَ رَجُلٌ شيئا نَقْدًا أو نَسِيئَةً وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ولم يَنْقُدْ ثَمَنَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِبَائِعِهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ من مُشْتَرِيهِ بِأَقَلَّ من ثَمَنِهِ الذي بَاعَهُ منه عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ. وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ هذا بَيْعٌ اسْتَجْمَعَ شَرَائِطَ جَوَازِهِ وَخَلَا عن الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ إيَّاهُ فَلَا مَعْنَى لِلْحُكْمِ بِفَسَادِهِ كما إذَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَلَنَا ما رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى سَيِّدَتِنَا عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها وَقَالَتْ إنِّي ابْتَعْتُ خَادِمًا من زَيْدِ بن أَرْقَمَ بِثَمَانِمِائَةٍ ثُمَّ بِعْتُهَا منه بِسِتِّمِائَةٍ فقالت سَيِّدَتُنَا عَائِشَةُ رضي اللَّهُ عنها بِئْسَ ما شَرَيْتِ وَبِئْسَ ما اشْتَرَيْتِ. أبلغني [أبلغي] زَيْدًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قد أَبْطَلَ جِهَادَهُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إنْ لم يَتُبْ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أنها أَلْحَقَتْ بِزَيْدٍ وَعِيدًا لَا يُوقَفُ عليه بِالرَّأْيِ وهو بُطْلَانُ الطَّاعَةِ بِمَا سِوَى الرِّدَّةِ فَالظَّاهِرُ أنها قَالَتْهُ سَمَاعًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا يَلْتَحِقُ الْوَعِيدُ إلَّا بِمُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ فَدَلَّ على فَسَادِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ مَعْصِيَةٌ وَالثَّانِي أنها رضي اللَّهُ عنها سَمَّتْ ذلك بَيْعَ سُوءٍ وَشِرَاءَ سُوءٍ وَالْفَاسِدُ هو الذي يُوصَفُ بِذَلِكَ لَا الصَّحِيحُ وَلِأَنَّ في هذا الْبَيْعِ شُبْهَةَ الرِّبَا لِأَنَّ الثَّمَنَ الثَّانِي يَصِيرُ قِصَاصًا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَبَقِيَ من الثَّمَنِ الْأَوَّلِ زِيَادَةٌ لَا يُقَابِلُهَا عِوَضٌ في عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وهو تَفْسِيرُ الرِّبَا إلَّا أَنَّ الزِّيَادَةَ ثَبَتَتْ بِمَجْمُوعِ الْعَقْدَيْنِ فَكَانَ الثَّابِتُ بِأَحَدِهِمَا شُبْهَةَ الرِّبَا وَالشُّبْهَةُ في هذا الْباب مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ ما إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ لِأَنَّ الْمُقَاصَّةَ لَا تَتَحَقَّقُ بَعْدَ الثَّمَنِ فَلَا تَتَمَكَّنُ الشُّبْهَةُ بِالْعَقْدِ وَلَوْ نقد [نقدا] الثَّمَنَ كُلَّهُ إلَّا شيئا قَلِيلًا فَهُوَ على الْخِلَافِ. وَلَوْ اشْتَرَى ما بَاعَ بِمِثْلِ ما بَاعَ قبل نَقْدِ الثَّمَنِ جَازَ بالإجاع [بالإجماع] لِانْعِدَامِ الشُّبْهَةِ وَكَذَا لو اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا بَاعَ قبل نَقْدِ الثَّمَنِ وَلِأَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ مَعْدُولٌ بِهِ عن الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا عَرَفْنَاهُ بِالْأَثَرِ وَالْأَثَرُ جاء في الشِّرَاءِ بِأَقَلَّ من الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَبَقِيَ ما وَرَاءَهُ على أَصْلِ الْقِيَاسِ هذا إذَا اشْتَرَاهُ بِجِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِخِلَافِ الْجِنْسِ جَازَ لِأَنَّ الرِّبَا لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ إلَّا في الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ خَاصَّةً اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ حَقِيقَةً فَالْتَحَقَا بِسَائِرِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا في الثَّمَنِيَّةِ كَجِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا بِمَجْمُوعِ الْعَقْدَيْنِ فَكَانَ في الْعَقْدِ الثَّانِي شُبْهَةُ الرِّبَا وَهِيَ الرِّبَا من وَجْهٍ وَلَوْ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ في يَدِ الْمُشْتَرِي فَبَاعَهُ من بَائِعِهِ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ جَازَ لِأَنَّ نُقْصَانَ الثَّمَنِ يَكُونُ بِمُقَابَلَةِ نُقْصَانِ الْعَيْبِ فَيَلْتَحِقُ النُّقْصَانُ بِالْعَدَمِ كَأَنَّهُ بَاعَهُ بِمِثْلِ ما اشْتَرَاهُ فَلَا تَتَحَقَّقُ شُبْهَةُ الرِّبَا. وَلَوْ خَرَجَ الْمَبِيعُ من مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَاشْتَرَاهُ الْبَائِعُ من الْمَالِكِ الثَّانِي بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ قبل نَقْدِ الثَّمَنِ جَازَ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْعَيْنِ فَيَمْنَعُ تَحَقُّقَ الرِّبَا وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَاشْتَرَاهُ الْبَائِعُ من وَارِثِهِ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قبل نَقْدِ الثَّمَنِ لم يَجُزْ لِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَاكَ لم يَخْتَلِفْ وَإِنَّمَا قام الْوَارِثُ مَقَامَ الشتري [المشتري] بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَيَرِدُ عليه وَكَذَا لو كان الْمَبِيعُ جَارِيَةً فَاسْتَوْلَدَهَا الْوَارِثُ أو كان دَارًا فَبَنَى عليها ثُمَّ وَرَدَ الِاسْتِحْقَاقُ فَأَخَذَ منه قِيمَةَ الْوَلَدِ وَنَقَضَ عليه الْبِنَاءَ كان لِلْوَارِثِ أَنْ يَرْجِعَ على بَائِعِ الْمُوَرَّثِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ كما كان يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي لو كان حَيًّا لِأَنَّ الْوَارِثَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُشْتَرِي فَكَانَ الشِّرَاءُ منه بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ من الْمُشْتَرِي فَرْقٌ بين هذا وَبَيْنَ ما إذَا مَاتَ الْبَائِعُ فَاشْتَرَى وَارِثُهُ من الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قبل نَقْدِ الثَّمَنِ أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا كان الْوَارِثُ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِلْبَائِعِ في حَالِ حَيَاتِهِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِيمَا وَرِثَهُ وَوَارِثُ الْمُشْتَرِي وَرِثَ عَيْنَ الْمَبِيعِ فَقَامَ مَقَامَهُ في عَيْنِهِ فَكَانَ الشِّرَاءُ منه كَالشِّرَاءِ من الْمُشْتَرِي فلم يَجُزْ وَوَارِثُ الْبَائِعِ وُرِّثَ الثَّمَنُ وَالثَّمَنُ في ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وما عُيِّنَ في ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي لَا يَحْتَمِلُ الْإِرْثَ فلم يَكُنْ ذلك عَيْنَ ما وَرِثَهُ عن الْبَائِعِ فلم يَكُنْ وَارِثُ الْبَائِعِ مقامه فِيمَا وَرِثَهُ. وَرُوِيَ عن أبي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ من وَارِثِ الْبَائِعِ كما لَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ من وَارِثِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلَفَ الْمُوَرِّثَ فَالْمُشْتَرِي قَائِمٌ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ هو وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي ممن غَيْرِهِ فَعَادَ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِهِ فشتراه [فاشتراه] بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ فَهَذَا لَا يَخْلُو إمَّا إنْ عَادَ إلَيْهِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ وَإِمَّا إنْ عَادَ إلَيْهِ على حُكْمِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْمِيرَاثِ وَالْإِقَالَةِ قبل الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَنَحْوِ ذلك من أَسْباب تَجْدِيدِ الْمِلْكِ جَازَ الشِّرَاءُ منه بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْعَيْنِ. وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ على حُكْمِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ كَالرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ قبل الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَبِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَالرَّدِّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ قبل الْقَبْضِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَبِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَبَعْدَ الْقَبْضِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ منه بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ لِأَنَّ الرَّدَّ في هذه الْمَوَاضِعِ يَكُونُ فَسْخًا وَالْفَسْخُ يَكُونُ رَفْعًا من الْأَصْلِ وَإِعَادَةً إلَى قَدِيمِ الْمِلْكِ كَأَنَّهُ لم يَخْرُجْ عن مِلْكِهِ أَصْلًا وَلَوْ كان كَذَلِكَ لَكَانَ لَا يَجُوزُ له الشِّرَاءُ فَكَذَا هذا وَلَوْ لم يَشْتَرِهِ الْبَائِعُ لَكِنْ اشْتَرَاهُ بَعْضُ من لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ له كَالْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ وَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كما لَا يَجُوزُ من الْبَائِعِ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجُوزُ كما يَجُوزُ من الْأَجْنَبِيِّ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أن كُلَّ وَاحِدٍ منها [منهما] أَجْنَبِيٌّ عن مِلْكِ صَاحِبِهِ لِانْفِصَالِ مِلْكِهِ عن مِلْكِ صَاحِبِهِ فَيَقَعُ عَقْدُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا له لَا لِصَاحِبِهِ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ ثُمَّ شِرَاءُ الْأَجْنَبِيِّ لِنَفْسِهِ جَائِزٌ فَكَذَا شِرَاؤُهُ لِصَاحِبِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَبِيعُ بِمَالِ صَاحِبِهِ عَادَةً حتى لَا تُقْبَلَ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ فَكَانَ مَعْنَى مِلْكِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتًا لِصَاحِبِهِ فَكَانَ عَقْدُهُ وَاقِعًا لِصَاحِبِهِ من وَجْهٍ فَيُؤَثِّرُ في فَسَادِ الْعَقْدِ احْتِيَاطًا في باب الرِّبَا وَلَوْ بَاعَ الْمَوْلَى ثُمَّ اشْتَرَاهُ مُدَبَّرُهُ أو مُكَاتَبُهُ أو بَعْضُ مَمَالِيكِهِ وَلَا دَيْنَ عليه أو عليه دَيْنٌ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ الْمَوْلَى لَا يَجُوزُ كما لَا يَجُوزُ عن الْمَوْلَى وَكَذَا لو بَاعَ الْمُدَبَّرُ أو الْمُكَاتَبُ أو بَعْضُ مَمَالِيكِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْمَوْلَى لَا يَجُوزُ لِأَنَّ عَقْدَ هَؤُلَاءِ يَقَعُ لِلْمَوْلَى من وَجْهٍ. وَلَوْ كان وَكِيلًا فَبَاعَ وَاشْتَرَى بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قبل نَقْدِ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ كما لو بَاعَ وَاشْتَرَى الْمُوَكِّلُ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْمَانِعَ تَمَكُّنُ شُبْهَةِ الرِّبَا وَأَنْ لَا يُفصل بين الْوَكِيلِ وَالْمُوَكَّلِ وَلِذَا سَيِّدَتُنَا عَائِشَةُ رضي اللَّهُ عنها لم تَسْتَفْسِرْ السَّائِلَةَ أنها مَالِكَةٌ أو وَكِيلَةٌ وَلَوْ كان الْحُكْمُ يَخْتَلِفُ لَاسْتَفْسَرَتْ وَكَذَا لو بَاعَ الْوَكِيلُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْمُوَكِّلُ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ لو اشْتَرَاهُ وَكِيلُهُ لم يَجُزْ فإذا اشْتَرَاهُ بِنَفْسِهِ أَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ وَكَذَا لو بَاعَهُ الْوَكِيلُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْضُ من لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَكِيلِ له أو بَعْضُ من لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُوَكِّلِ له لم يَجُزْ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ على ما مَرَّ وَلَوْ بَاعَ ثُمَّ وَكَّلَ بِنَفْسِهِ إنْسَانًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ له ذلك الشَّيْءَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قبل نَقْدِ الثَّمَنِ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ فَهُوَ جَائِزٌ لِلْوَكِيلِ وَالثَّمَنَانِ يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا وَالزِّيَادَةُ من الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لا تَطِيبُ لِلْبَائِعِ وَيَكُونُ مِلْكًا له وَهَذَا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ. وقال أبو يُوسُفَ التَّوْكِيلُ فَاسِدٌ وَيَكُونُ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وقال مُحَمَّدٌ التَّوْكِيلُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْبَائِعِ شِرَاءً فَاسِدًا وَيَمْلِكُهُ الْبَائِعُ مِلْكًا فَاسِدًا وَهَذَا بِنَاءً على أَصْلٍ لهم فَأَصْلُ أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الْعَاقِدِ وَيَعْتَبِرُ أَهْلِيَّتَهُ وَلَا يَعْتَبِرُ أَهْلِيَّةَ من يَقَعُ له حُكْمُ الْعَقْدِ وَلِهَذَا قال إنَّ الْمُسْلِمَ إذَا كان وَكَّلَ ذِمِّيًّا بِشِرَاءِ الْخَمْرِ أو بَيْعِهَا أَنَّهُ يَجُوزُ وَكَذَا الْمُحْرِمُ إذَا وَكَّلَ حَلَالًا بِبَيْعِ صَيْدٍ له أو بِشِرَاءِ صَيْدٍ جَازَ التَّوْكِيلُ عِنْدَهُ وَتُعْتَبَرُ أَهْلِيَّةُ الْوَكِيلِ. وَأَصْلُ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا يَعْتَبِرَانِ أَهْلِيَّةَ الْعَقْدِ لِلْعَقْدِ وَالْمَعْقُودِ له جميعا حتى لم يَجُزْ التَّوْكِيلُ عِنْدَهُمَا في الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا خَالَفَ أَبَا يُوسُفَ في هذه الْمَسْأَلَةِ وَتَرَكَ أَصْلَهُ حَيْثُ قال بِصِحَّةِ التَّوْكِيلِ ولم يَنْظُرْ إلَى الْمُوَكِّلِ وَعَلَى هذا الْخِلَافِ إذَا وَكَّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا بِأَنْ يَشْتَرِيَ له من ذِمِّيٍّ عَبْدَهُ بِخَمْرٍ وَغَيْرِ ذلك الْعَبْدِ فَفَعَلَ الْوَكِيلُ صَحَّ الشِّرَاءُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَيَكُونُ الْعَبْدُ لِلْمُوَكِّلِ وَعَلَى الْوَكِيلِ لِلْبَائِعِ الْخَمْرُ وهو يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ على مُوَكِّلِهِ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ التَّوْكِيلُ فَاسِدٌ وَيَكُونُ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ التَّوْكِيلُ صَحِيحٌ وَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْمُوَكِّلِ شِرَاءً فَاسِدًا وَلَوْ بَاعَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلَةٍ فَالشِّرَاءُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ اشْتَرَى ما بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ من حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّ الْحَالَّةَ خَيْرٌ من الْمُؤَجَّلَةِ وَكَذَا لو بَاعَ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى أَبْعَدَ من ذلك الْأَجَلِ فَهُوَ فَاسِدٌ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفٍ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ وَعَبْدًا آخَرَ قبل نَقْدِ الثَّمَنِ فإن الثَّمَنَ يُقَسَّمُ عَلَيْهِمَا على قَدْرِ قيمتهما [قيمتيهما]. ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كانت حِصَّةُ الْعَبْدِ الذي بَاعَهُ مِثْلَ ثَمَنِهِ أو أَكْثَرَ جَازَ الشِّرَاءُ فِيهِمَا جميعا أَمَّا في الذي لم يَبِعْهُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا في الذي بَاعَهُ لِأَنَّهُ اشْتَرَى ما بَاعَ بِمِثْلِ ما بَاعَ أو بِأَكْثَرَ مِمَّا بَاعَ قبل نَقْدِ الثَّمَنِ وأنه جَائِزٌ وَإِنْ كان أَقَلَّ من ثَمَنِهِ يَفْسُدُ الْبَيْعُ فيه وَلَا يَفْسُدُ في الْآخَرِ لِأَنَّ الْفَسَادَ لِكَوْنِهِ شِرَاءَ ما بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قبل نَقْدِ الثَّمَنِ وَذَلِكَ وُجِدَ في أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَهَذَا على أَصْلِهِمَا ظَاهِرٌ وَكَذَا على أَصْلِ أبي حَنِيفَةَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ فِيهِمَا لِأَنَّ من أَصْلِهِ أَنَّ الصَّفْقَةَ مَتَى اشْتَمَلَتْ على أبدال وَفَسَدَتْ في بَعْضِهَا أَنْ يَتَعَدَّى الْفَسَادُ إلَى الْكُلِّ كما إذَا جَمَعَ بين حُرٍّ وَعَبْدٍ وَبَاعَهُمَا جميعا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَإِنَّمَا لم يَفْسُدْ فِيهِمَا لِأَنَّ الْفَسَادَ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمَّا جَمَعَ بين الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَبَاعَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَقَدْ جَعَلَ قَبُولَ الْعَقْدِ في أَحَدِهِمَا شَرْطًا لِقَبُولِ الْعَقْدِ في الْآخَرِ وَالْحُرُّ ليس بِمَحَلٍّ لِقَبُولِ الْعَقْدِ فيه بِيَقِينٍ فَلَا يَصِحُّ الْقَبُولُ فيه فَلَا يَصِحُّ في الْآخَرِ فلم يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ أَصْلًا وَالْفَسَادُ هَهُنَا بِاعْتِبَارِ شِرَاءِ ما بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وَذَلِكَ وُجِدَ في أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَيَفْسُدُ في أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ اقْتِصَارُ الْفَسَادِ على قَدْرِ الْمُفْسِدِ وَلِهَذَا لو جَمَعَ بَيْن عَبْدَيْنِ وَبَاعَ أَحَدَهُمَا إلَى الْحَصَادِ أو الدِّيَاسِ أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ فِيمَا في بَيْعِهِ أَجَلٌ وَلَا يَفْسُدُ في الْآخَرِ. وَكَذَا لو جَمَعَ بين قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ وَبَاعَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً يَصِحُّ الْبَيْعُ في الْقِنِّ وَيَفْسُدُ في الْمُدَبَّرِ لِوُجُودِ الْمُفْسِدِ في أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَذَا هذا وَمِنْهَا قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ في بَيْعِ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ وهو السَّلَمُ وَالْكَلَامُ في السَّلَمِ في الْأَصْلِ في ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ أَحَدُهَا في بَيَانِ رُكْنِهِ وَالثَّانِي في بَيَانِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ وَالثَّالِثُ في بَيَانِ ما يَجُوزُ من التَّصَرُّفِ في الْمُسْلَمِ فيه وما لَا يَجُوزُ أَمَّا رُكْنُ السَّلَمِ فَهُوَ لَفْظُ السَّلَمِ وَالسَّلَفِ وَالْبَيْعِ بِأَنْ يَقُولَ رَبُّ السَّلَمِ أَسْلَمْتُ إلَيْكَ في كَذَا أو أَسْلَفْتُ لِأَنَّ السَّلَمَ وَالسَّلَفَ مُسْتَعْمَلَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ يُقَالُ سَلَّفْتُ وَأَسْلَفْتُ وَأَسْلَمْتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فإذا قال الْمُسْلَمُ إلَيْهِ قَبِلْتُ فَقَدْ تَمَّ الرُّكْنُ وَكَذَا إذَا قال الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِعْتُ مِنْكَ كَذَا وَذَكَرَ شَرَائِطَ السَّلَمِ فقال رَبُّ السَّلَمِ قَبِلْتُ وَهَذَا قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ. وقال زُفَرُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ السَّلَمَ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ أَصْلًا لِأَنَّهُ بَيْعُ ما ليس عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عنه إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِجَوَازِهِ بِلَفْظِ السَّلَمِ بِقَوْلِهِ وَرَخَّصَ في السَّلَمِ وَلَنَا أَنَّ السَّلَمَ بَيْعٌ فَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالدَّلِيلُ على أَنَّهُ بَيْعٌ ما رُوِيَ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بَيْعِ ما ليس عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ في السَّلَمِ نهى عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عن بَيْعِ ما ليس عِنْدَ الْإِنْسَانِ عَامًّا وَرُخِّصَ السَّلَمُ بِالرُّخْصَةِ فيه فَدَلَّ أَنَّ السَّلَمَ بَيْعُ ما ليس عِنْدَ الْإِنْسَانِ لِيَسْتَقِيمَ تَخْصِيصُهُ عن عُمُومِ النَّهْيِ بِالتَّرَخُّصِ فيه.
وَأَمَّا شَرَائِطُ الرُّكْنِ فَهِيَ في الْأَصْلِ نَوْعَانِ نَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْعَقْدِ وَنَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى الْبَدَلِ أَمَّا الذي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْعَقْدِ فَوَاحِدٌ وهو أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ بَاتًّا عَارِيًّا عن شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْعَاقِدَيْنِ أو لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ مع شَرْطِ الْخِيَارِ في الْأَصْلِ ثَبَتَ مَعْدُولًا بِهِ عن الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ لِلْحَالِ وَشَرْطُ الْخِيَارِ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ في حَقِّ الْحُكْمِ وَمِثْلُ هذا الشَّرْطِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ في الْأَصْلِ إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا جَوَازَهُ بِالنَّصِّ وَالنَّصُّ وَرَدَ في بَيْعِ الْعَيْنِ فَبَقِيَ ما وَرَاءَهُ على أَصْلِ الْقِيَاسِ خُصُوصًا إذَا لم يَكُنْ في مَعْنَاهُ وَالسِّلْمُ ليس في مَعْنَى بَيْعِ الْعَيْنِ فِيمَا شُرِعَ له الْخِيَارُ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْغَبْنِ وَالسَّلَمُ مَبْنَاهُ على الْغَبْنِ وَوَكْسِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَفَالِيسِ فلم يَكُنْ في مَعْنَى مَوْرِدِ النَّصِّ فورد [فورود] النَّصِّ هُنَاكَ لَا يَكُونُ وُرُودًا هَهُنَا دَلَالَةً فَبَقِيَ الْحُكْمُ فيه لِلْقِيَاسِ وَلِأَنَّ قَبْضَ رَأْسِ الْمَالِ من شَرَائِطِ الصِّحَّةِ على ما نَذْكُرُهُ وَلَا صِحَّةَ لِلْقَبْضِ إلَّا في الْمِلْكِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ فَيَمْنَعُ الْمُسْتَحِقُّ صِحَّةَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ الْمُسْتَحَقِّ إنه لَا يُبْطِلُ السَّلَمَ حتى لو اسْتَحَقَّ رَأْسَ الْمَالِ وقد افْتَرَقَا عن الْقَبْضِ وَأَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ فَالسَّلَمُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَمَّا أَجَازَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ صَحِيحًا من حِينِ وُجُودِهِ وَكَذَا الْقَبْضُ. إذا الْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ وَبِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ وَلَوْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ قبل الِافْتِرَاقِ بأبدَانِهِمَا وَرَأْسُ الْمَالِ قَائِمٌ في يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ جَائِزًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وقد مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ وَإِنْ كان هَالِكًا أو مُسْتَهْلَكًا لَا يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ يَصِيرُ دَيْنًا على الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَالسَّلَمُ لَا يَنْعَقِدُ بِرَأْسِ مَالِ دَيْنٍ فَلَا يَنْعَقِدُ عليه أَيْضًا. وَأَمَّا الذي يَرْجِعُ إلَى الْبَدَلِ فَأَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ نَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ خَاصَّةً وَنَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى الْمُسْلَمِ فيه خَاصَّةً وَنَوْعٌ يَرْجِعُ إلَيْهِمَا جميعا أَمَّا الذي يَرْجِعُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ فَأَنْوَاعٌ منها بَيَانُ جِنْسِهِ كَقَوْلِنَا دَرَاهِمُ أو دَنَانِيرُ أو حِنْطَةٌ أو تَمْرٌ وَمِنْهَا بَيَانُ نَوْعِهِ إذَا كان في الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ كَقَوْلِنَا دَرَاهِمُ فَتْحِيَّةٌ أو دَنَانِيرُ نَيْسَابُورِيَّةٌ أو حِنْطَةٌ سَقِيَّةٌ أو تَمْرٌ بَرْنِيُّ. وَمِنْهَا بَيَانُ صِفَتِهِ كَقَوْلِنَا جَيِّدٌ أو وَسَطٌ أو رَدِيءٌ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ وأنها مَانِعَةٌ صِحَّةَ الْبَيْعِ لِمَا ذَكَرْنَا من الْوُجُوهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا بَيَانُ قَدْرِهِ إذَا كان مِمَّا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ من الميكلات [المكيلات] وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ الْمُتَقَارِبَةِ وَلَا يكتفي بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وقال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ليس بِشَرْطٍ وَالتَّعْيِينُ بِالْإِشَارَةِ كَافٍ وهو أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ كان رَأْسُ الْمَالِ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ من الذرعيات وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ لَا يُشْتَرَطُ إعْلَامُ قَدْرِهِ ويكتفي بِالْإِشَارَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا إعْلَامُ قَدْرِ الثَّمَنِ في بَيْعِ الْعَيْنِ ليس بِشَرْطٍ وَالْإِشَارَةُ كَافِيَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا قال أَسْلَمْتُ إلَيْكَ هذه الدَّرَاهِمَ أو هذه الدَّنَانِيرَ وَلَا يُعْرَفُ وَزْنُهَا أو هذه الصُّبْرَةَ ولم يُعْرَفْ كَيْلُهَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَلَوْ قال أَسْلَمْتُ إلَيْك هذا الثَّوْبَ ولم يُعْرَفْ ذَرْعُهُ أو هذا الْقَطِيعَ من الْغَنَمِ ولم يُعْرَفْ عَدَدُهُ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى تَعْيِينِ رَأْسِ الْمَالِ وَأَنَّهُ حَصَلَ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعْلَامِ قَدْرِهِ وَلِهَذَا لم يُشْتَرَطْ إعْلَامُ قَدْرِ الثَّمَنِ في بَيْعِ الْعَيْنِ وَلَا في السَّلَمِ إذَا كان رَأْسُ الْمَالِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ جَهَالَةَ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ تُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ قَدْرِ الْمُسْلَمِ فيه وَأَنَّهَا مُفْسِدَةٌ لِلْعَقْدِ فَيَلْزَمُ إعْلَامُ قَدْرِهِ صِيَانَةً لِلْعَقْدِ عن الْفَسَادِ ما أَمْكَنَ كما إذَا أَسْلَمَ في الْمَكِيلِ بِمِكْيَالِ نَفْسِهِ بِعَيْنِهِ وَدَلَالَةً أنها تُؤَدِّي إلَى ما قُلْنَا أن الدَّرَاهِمَ على ما عليه الْعَادَةُ لَا تَخْلُو عن قَلِيلِ زَيْفٍ وقد ورد [يرد] الِاسْتِحْقَاقُ على بَعْضِهَا فإذا رَدَّ الزَّائِفَ ولم يَسْتَبْدِلْ في مَجْلِس الرَّدِّ ولم يتجرز [يتجوز] الْمُسْتَحَقُّ يَنْفَسِخُ السَّلَمُ في الْمُسْلَمِ فيه بِقَدْرِ الْمَرْدُودِ وَالْمُسْتَحَقِّ وَيَبْقَى في الْبَاقِي وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيَصِيرُ الْمُسْلَمُ فيه مَجْهُولَ الْقَدْرِ وَلِهَذَا لم يَصِحَّ السَّلَمُ في الْمَكِيلَاتِ بِقَفِيزٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ هَلَاكَ الْقَفِيزِ فَيَصِيرُ الْمُسْلَمُ فيه مَجْهُولَ الْقَدْرِ فلم يَصِحَّ كَذَا هذا بِخِلَافِ بَيْعِ الْعَيْنِ فإن الزَّيْفَ وَالِاسْتِحْقَاقَ هُنَاكَ لَا يُؤَثِّرُ في الْعَقْدِ لِأَنَّ قَبْضَ الثَّمَنِ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ وَبِخِلَافِ الثِّيَابِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ لِأَنَّ الْقَدْرَ فيها مُلْحَقٌ بِالصِّفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو قال أَسْلَمْتُ إلَيْكَ هذا الثَّوْبَ على أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَوَجَدَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ سُلِّمَتْ الزِّيَادَةُ له فَثَبَتَ أَنَّ الزِّيَادَةَ فيها تَجْرِي مَجْرَى الصِّفَةِ وَإِعْلَامُ صِفَةِ رَأْسِ الْمَالِ ليس بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ السَّلَمِ إذَا كان مُعَيَّنًا مُشَارًا إلَيْهِ. وَعَلَى هذا الْخِلَافِ إذَا كان رَأْسُ الْمَالِ جِنْسًا وَاحِدًا مِمَّا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ على قَدْرِهِ فَأَسْلَمَهُ في جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ أو نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ من جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْهَرَوِيِّ وَالْمَرْوِيِّ ولم يُبَيِّنْ حِصَّةَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالسَّلَمُ فَاسِدٌ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا جَائِزٌ وَلَوْ كان جِنْسًا وَاحِدًا مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ على قَدْرِهِ كَالثَّوْبِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَفَاوِتِ فَأَسْلَمَهُ في شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ولم يُبَيِّنْ حِصَّةَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا من ثَمَنِ رَأْسِ الْمَالِ فَالثَّمَنُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كان رَأْسُ الْمَالِ من جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أو نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَأَسْلَمَهُمَا في جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهُوَ على الِاخْتِلَافِ وَالْكَلَامُ في هذه الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً على الْأَصْلِ الذي ذَكَرْنَا أَنَّ كَوْنَ رَأْسِ الْمَالِ مَعْلُومَ الْقَدْرِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ السَّلَمِ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا ليس بِشَرْطٍ. وَوَجْهُ الْبِنَاءِ على هذا الْأَصْلِ أَنَّ إعْلَامَ الْقَدْرِ لَمَّا كان شَرْطًا عِنْدَهُ فإذا كان رَأْسُ الْمَالِ وَاحِدًا وَقُوبِلَ بِشَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كان انْقِسَامُهُ عَلَيْهِمَا من حَيْثُ الْقِيمَةُ لَا من حَيْثُ الْأَجْزَاءُ وَحِصَّةُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا من رَأْسِ الْمَالِ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَيَبْقَى قَدْرُ حِصَّةِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا من رَأْسِ الْمَالِ مَجْهُولًا وَجَهَالَةُ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ مُفْسِدَةٌ لِلسَّلَمِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إعْلَامُ قَدْرِهِ ليس بِشَرْطٍ فَجَهَالَتُهُ لَا تَكُونُ ضَارَّةً وَلَوْ أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ في ثَوْبَيْنِ جِنْسُهُمَا وَاحِدٌ وَنَوْعُهُمَا وَاحِدٌ وَصِفَتُهُمَا وَاحِدَةٌ وَطُولُهُمَا وَاحِدٌ ولم يُبَيِّنْ حِصَّةَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا من الْعَشَرَةِ فَالسَّلَمُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ إعْلَامَ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ ليس بِشَرْطٍ. وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ حِصَّةَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا من رَأْسِ الْمَالِ تُعْرَفُ من غَيْرِ حَزْرٍ وَظَنٍّ فَكَانَ قَدْرُ رَأْسِ الْمَالِ مَعْلُومًا وَصَارَ كما إذَا أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ في قَفِيزَيْ حِنْطَةٍ ولم يُبَيِّنْ حِصَّةَ كل قَفِيزٍ من رَأْسِ الْمَالِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَا قُلْنَا كَذَا هذا وَلَوْ قَبَضَ الثَّوْبَيْنِ بَعْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِ ليس له أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً على خَمْسَةِ دَرَاهِمَ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ له ذلك وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُمَا جميعا مُرَابَحَةً على عَشَرَةٍ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا لو كان بين حِصَّةِ كل ثَوْبٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ له أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا على خَمْسَةٍ مُرَابَحَةً بِلَا خِلَافٍ وَنَذْكُرُ دَلَائِلَ هذه الْجُمْلَةِ في مَسَائِلِ الْمُرَابَحَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا في مَجْلِسِ السَّلَمِ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فيه دَيْنٌ وَالِافْتِرَاقُ لَا عن قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ يَكُونُ افْتِرَاقًا عن دَيْنٍ بِدَيْنٍ وأنه مَنْهِيٌّ عنه لِمَا رُوِيَ أَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الكالىء [الكالئ] بالكالىء [بالكالئ] أَيْ النَّسِيئَةِ بِالنَّسِيئَةِ وَلِأَنَّ مَأْخَذَ هذا الْعَقْدِ دَلِيلٌ على هذا الشَّرْطِ فإنه يُسَمَّى سَلَمًا وَسَلَفًا لُغَةً وَشَرْعًا تَقُولُ الْعَرَبُ أَسْلَمْتُ وَأَسْلَفْتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وفي الحديث من أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ. وروى من أسلف [سلف] فَلْيُسَلِّفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَالسَّلَمُ ينبىء عن التَّسْلِيمِ وَالسَّلَفُ ينبىء عن التَّقَدُّمِ فَيَقْتَضِي لُزُومَ تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ وَيُقَدَّمُ قَبْضُهُ على قَبْضِ الْمُسْلَمِ فيه فَإِنْ قِيلَ شَرْطُ الشَّيْءِ يَسْبِقُهُ أو يُقَارِنُهُ وَالْقَبْضُ يَعْقُبُ الْعَقْدَ فَكَيْفَ يَكُونُ شَرْطًا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ بَقَاءِ الْعَقْدِ على الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ الصِّحَّةِ فإن الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا بِدُونِ قَبْضٍ ثُمَّ يَفْسُدُ بِالِافْتِرَاقِ لَا عن قَبْضٍ وَبَقَاءُ الْعَقْدِ صَحِيحًا يَعْقُبُ. الْعَقْدَ وَلَا يَتَقَدَّمُهُ فَيَصْلُحُ الْقَبْضُ شَرْطًا له وَسَوَاءٌ كان رَأْسُ الْمَالِ دَيْنًا أو عَيْنًا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ قَبْضُهُ في الْمَجْلِسِ إذَا كان عَيْنًا وهو قَوْلُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَبْضِ لِلِاحْتِرَازِ عن الِافْتِرَاقِ عن دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَهَذَا افْتِرَاقٌ عن عَيْنٍ بِدَيْنٍ وأنه جَائِزٌ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ يَكُونُ دَيْنًا عَادَةً وَلَا تُجْعَلُ الْعَيْنُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ إلَّا نَادِرًا وَالنَّادِرُ حُكْمُهُ حُكْمُ الغالب [الغائب] فَيَلْحَقُ بِالدَّيْنِ على ما هو الْأَصْلُ في الشَّرْعِ في إلْحَاقِ الْمُفْرَدِ بِالْجُمْلَةِ وَلِأَنَّ مَأْخَذَ الْعَقْدِ في الدَّلَالَةِ على اعْتِبَارِ هذا الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ الْفصل بين الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ على ما ذَكَرْنَا وَسَوَاءٌ قَبَضَ في أَوَّلِ الْمَجْلِسِ أو في آخِرِهِ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ لها حُكْمُ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَا لو لم يَقْبِضْ حتى قَامَا يَمْشِيَانِ فَقَبَضَ قبل أَنْ يَفْتَرِقَا بأبدَانِهِمَا جَازَ لِأَنَّ ما قبل الِافْتِرَاقِ بأبدَانِهِمَا له حُكْمُ الْمَجْلِسِ. وَعَلَى هذا يَخْرُجُ الْإِبْرَاءُ عن رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِدُونِ قَبُولِ رَبِّ السَّلَمِ لِأَنَّ قَبْضَ رَأْسِ الْمَالِ شَرْطُ صِحَّةِ السَّلَمِ فَلَوْ جَازَ الْإِبْرَاءُ من غَيْرِ قَبُولِهِ وَفِيهِ إسْقَاطُ هذا الشَّرْطِ أَصْلًا لَكَانَ الْإِبْرَاءُ فَسْخًا مَعْنًى وَأَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِفَسْخِ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَبَقِيَ عَقْدُ السَّلَمِ على حَالِهِ. وإذا قَبِلَ جَازَ الْإِبْرَاءُ لِأَنَّ الْفَسْخَ حِينَئِذٍ يَكُونُ بِتَرَاضِيهِمَا وأنه جَائِزٌ وإذا جَازَ الْإِبْرَاءُ وأنه في مَعْنَى الْفَسْخِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ ضَرُورَةً بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ عن الْمُسْلَمِ فيه أَنَّهُ جَائِزٌ من غَيْرِ قَبُولِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ ليس في الْإِبْرَاءِ عنه إسْقَاطُ شَرْطٍ لِأَنَّ قَبْضَ الْمُسْلَمِ فيه ليس بِشَرْطٍ فَيَصِحُّ من غَيْرِ قَبُولٍ وَبِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ عن ثَمَنِ الْمَبِيعِ أَنَّهُ يَصِحُّ من غَيْرِ قَبُولِ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِأَنَّ قَبْضَ الثَّمَنِ ليس بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ إلَّا أَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِأَنَّ في الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ على سَبِيلِ التَّبَرُّعِ فَلَا يَلْزَمُ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمِنَّةِ وَلَا يَجُوزُ الْإِبْرَاءُ عن الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ عَيْنٌ وَالْإِبْرَاءُ إسْقَاطٌ وَإِسْقَاطُ الْأَعْيَانِ لَا يُعْقَلُ. وَعَلَى هذا يَخْرُجُ الِاسْتِبْدَالُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ في مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وهو أَنْ يَأْخُذَ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ شيئا من غَيْرِ جِنْسِهِ لِأَنَّ قَبْضَ رَأْسِ الْمَالِ لَمَّا كان شَرْطًا فَبِالِاسْتِبْدَالِ يَفُوتُ قَبْضُهُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يُقْبَضُ بَدَلُهُ وَبَدَلُ الشَّيْءِ غَيْرُهُ وَكَذَلِكَ الِاسْتِبْدَالُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ أعطى رَبُّ السَّلَمِ من جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ أَجْوَدَ أو أَرْدَأَ وَرَضِيَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بالأردأ جَازَ لِأَنَّهُ قَبَضَ جِنْسَ حَقِّهِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْوَصْفُ فَإِنْ كان أَجْوَدَ فَقَدْ قَضَى حَقَّهُ وَأَحْسَنَ في الْقَضَاءِ وَإِنْ كان أَرْدَأَ فَقَدْ قَضَى حَقَّهُ أَيْضًا لَكِنْ على وَجْهِ النُّقْصَانِ فَلَا يَكُونُ أَخْذُ الْأَجْوَدِ والأردأ اسْتِبْدَالًا إلَّا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ على أَخْذِ إلا ردأ لِأَنَّ فيه فَوَاتَ حَقِّهِ عن صِفَةِ الْجَوْدَةِ فَلَا بُدَّ من رِضَاهُ وَهَلْ يُجْبَرُ على الْأَخْذِ إذَا أَعْطَاهُ أَجْوَدَ من حَقِّهِ قال عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُجْبَرُ عليه وقال زُفَرُ لَا يُجْبَرُ. وَجْهُ قَوْلِهِ أن رَبَّ السَّلَمِ في إعْطَاءِ الزِّيَادَةِ على حَقِّهِ مُتَبَرِّعٌ وَالْمُتَبَرِّعُ عليه لَا يُجْبَرُ على قَبُولِ التَّبَرُّعِ لِمَا فيه من إلْزَامِ الْمِنَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ من غَيْرِ الْتِزَامِهِ وَلَنَا أَنَّ إعْطَاءَ الْأَجْوَدِ مَكَانَ الْجَيِّدِ في قَضَاءِ الدُّيُونِ لَا يُعَدُّ فَضْلًا وَزِيَادَةً في الْعَادَاتِ بَلْ يُعَدُّ من باب الْإِحْسَانِ في الْقَضَاءِ ولو أحق الْإِيفَاءِ فإذا أَعْطَاهُ الْأَجْوَدَ فَقَدْ قَضَى حَقَّ صَاحِبِ الْحَقِّ وَأَجْمَلَ في الْقَضَاءِ فَيُجْبَرُ على الْأَخْذِ. وَأَمَّا الِاسْتِبْدَالُ بِالْمُسْلَمِ فيه بِجِنْسٍ آخَرَ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا لَكِنْ بِنَاءً على أَصْلٍ آخَرَ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وهو أَنَّ السلم [المسلم] فيه مَبِيعٌ مَنْقُولٌ وَبَيْعُ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قبل الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَعْطَى أَجْوَدَ أو أَرْدَأَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ رَأْسِ الْمَالِ وقد ذكرنا [ذكرناه]. وَأَمَّا اسْتِبْدَالُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بِجِنْسٍ آخَرَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ أو بَعْدَ انْفِسَاخِ السَّلَمِ الْعَارِضِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَيَجُوزُ اسْتِبْدَالُ بَدَلِ الصَّرْفِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ بِالْإِجْمَاعِ وقد مَرَّ الْكَلَامُ فيه وَالْفَرْقُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَتَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ على رَجُلٍ حَاضِرٍ وَالْكَفَالَةُ بِهِ لِوُجُودِ رُكْنِ هذه الْعُقُودِ مع شَرَائِطِهِ فَيَجُوزُ كما في سَائِرِ الْعُقُودِ فَلَوْ امْتَنَعَ الْجَوَازُ فَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ لِمَكَانِ الْخَلَلِ في شَرْطِ عَقْدِ السَّلَمِ وهو الْقَبْضُ وَهَذِهِ الْعُقُودُ لَا تُخِلُّ بهذا الشَّرْطِ بَلْ تُحَقِّقُهُ لِكَوْنِهَا وَسَائِلَ إلَى اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ فَكَانَتْ مُؤَكِّدَةً له هذا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ. وقال زُفَرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ هذه الْعُقُودَ شُرِعَتْ لِتَوْثِيقِ حَقٍّ يَحْتَمِلُ التَّأَخُّرَ عن الْمَجْلِسِ فَلَا يَحْصُلُ ما شُرِعَ له الْعَقْدُ فَلَا يَصِحُّ وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ مَعْنَى التَّوْثِيقِ يَحْصُلُ في الْحَقَّيْنِ جميعا فَجَازَ الْعَقْدُ فِيهِمَا جميعا ثُمَّ إذَا جَازَتْ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ فَإِنْ قَبَضَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ من الْمُحَالِ عليه أو الْكَفِيلِ أو من رَبِّ السَّلَمِ فَقَدْ تَمَّ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا إذَا كان [كانا] في الْمَجْلِسِ سَوَاءٌ بَقِيَ الْحَوِيلُ وَالْكَفِيلُ أو افْتَرَقَا بَعْدَ أَنْ كان الْعَاقِدَانِ في الْمَجْلِسِ وَإِنْ افْتَرَقَا الْعَاقِدَانِ بِأَنْفُسِهِمَا قبل الْقَبْضِ. بَطَلَ السَّلَمُ وَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ وَإِنْ بَقِيَ الْمُحَالُ عليه وَالْكَفِيلُ في الْمَجْلِسِ فَالْعِبْرَةُ لِبَقَاءِ الْعَاقِدَيْنِ وَافْتِرَاقِهِمَا لَا لِبَقَاءِ الْحَوِيلِ وَالْكَفِيلِ وَافْتِرَاقِهِمَا لِأَنَّ الْقَبْضَ من حُقُوقِ الْعَقْدِ وَقِيَامُ الْعَقْدِ بِالْعَاقِدَيْنِ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ مَجْلِسَهُمَا وَعَلَى هذا الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ أَنَّهُمَا جَائِزَانِ لِمَا قُلْنَا لَكِنَّ التَّقَابُضَ من الْجَانِبَيْنِ قبل تَفَرُّقِ الْعَاقِدَيْنِ بأبدَانِهِمَا شَرْطٌ وَافْتِرَاقُ الْمُحَالِ عليه وَالْكَفِيلِ لَا يَضُرُّ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ افْتَرَقَ الْعَاقِدَانِ بأبدَانِهِمَا قبل التَّقَابُضِ من الْجَانِبَيْنِ بَطَلَ الصَّرْفُ وَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ كما في السَّلَمِ. وَأَمَّا الرَّهْنُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ رَأْسِ الْمَالِ أو أَكْثَرُ فَقَدْ تَمَّ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ حَصَلَ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ لِأَنَّهُ قَبْضٌ مَضْمُونٌ وقد تَقَرَّرَ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ وَعَلَى الرَّاهِنِ مِثْلُهُ من جِنْسِهِ في الْمَالِيَّةِ فَيَتَقَاصَّانِ فَحَصَلَ الِافْتِرَاقُ عن قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ فَتَمَّ عَقْدُ السَّلَمِ وَإِنْ كانت قِيمَتُهُ أَقَلَّ من رَأْسِ الْمَالِ تَمَّ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ وَيَبْطُلُ في الْبَاقِي لِأَنَّهُ استوفي من رَأْسِ الْمَالِ بِقَدْرِهِ وَإِنْ لم يَهْلِكْ الرَّهْنُ حتى افْتَرَقَا بَطَلَ السَّلَمُ لِحُصُولِ الِافْتِرَاقِ لَا عن قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ وَعَلَيْهِ رَدُّ الرَّهْنِ على صَاحِبِهِ. وَكَذَا هذا الْحُكْمُ في بَدَلِ الصَّرْفِ إذَا أَخَذَ بِهِ رَهْنًا أَنَّهُ إنْ هَلَكَ الرَّهْنُ قبل افْتِرَاقِ الْعَاقِدَيْنِ بأبدَانِهِمَا تَمَّ عَقْدُ الصَّرْفِ لِأَنَّهُ بِالْهَلَاكِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا وَإِنْ لم يَهْلِكْ حتى افْتَرَقَا بَطَلَ الصَّرْفُ لِفَوَاتِ شَرْطِ الصِّحَّةِ وهو الْقَبْضُ كما في السَّلَمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَعَلَى هذا يَخْرُجُ ما إذَا كان رَأْسُ الْمَالِ دَيْنًا على الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أو على غَيْرِهِ فَأَسْلَمَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ ولم يُوجَدْ حَقِيقَةً فَيَكُونُ افْتِرَاقًا عن دَيْنٍ بِدَيْنٍ وأنه مَنْهِيٌّ فَإِنْ نَقَدَهُ في الْمَجْلِسِ جَازَ إنْ كان الدَّيْنُ على الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمَانِعَ هَهُنَا ليس إلَّا انْعِدَامَ الْقَبْضِ حَقِيقَةً وقد زَالَ وَإِنْ كان على غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ نَقَدَهُ في الْمَجْلِسِ لَكِنْ هُنَاكَ مَانِعٌ آخَرُ وهو الْعَجْزُ عن التَّسْلِيمِ لِأَنَّ ما في ذِمَّةِ الْغَيْرِ لَا يَكُونُ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ وَالْقُدْرَةُ على التَّسْلِيمِ عِنْدَ الْعَقْدِ من شَرَائِطِ الصِّحَّةِ على ما مَرَّ وَهَذَا الْمَانِعُ مُنْعَدِمٌ في الْفصل الْأَوَّلِ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ في يَدِهِ فَكَانَ قَادِرًا على التَّسْلِيمِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا لم يَجُزْ لِعَدَمِ الْقَبْضِ وإذا وُجِدَ جَازَ. وَلَوْ أَسْلَمَ دَيْنًا وَعَيْنًا وَافْتَرَقَا جَازَ في حِصَّةِ الْعَيْنِ وَبَطَلَ في حِصَّةِ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْفَسَادَ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ وَالْمُفْسِدُ عَدَمُ الْقَبْضِ وأنه يَخُصُّ الدَّيْنَ فَيَفْسُدُ السَّلَمُ بِقَدْرِهِ كما لو اشْتَرَى عَبْدَيْنِ ولم يَقْبِضْهُمَا حتى هَلَكَ أَحَدُهُمَا قبل الْقَبْضِ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ في الْهَالِكِ وَيَبْقَى في الْآخَرِ لِمَا قُلْنَا كَذَا هذا وَعَلَى هذا يَخْرُجُ ما إذَا قَبَضَ رَأْسَ الْمَالِ ثُمَّ انْتَقَصَ الْقَبْضَ فيه بِمَعْنًى أَوْجَبَ انْتِقَاصَهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ السَّلَمُ وَبَيَانُ ذلك أَنَّ جُمْلَةَ رَأْسِ الْمَالِ لَا تَخْلُو أما أَنْ تَكُونَ عَيْنًا وهو ما يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وأما أَنْ تَكُونَ دَيْنًا وهو ما لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَالْعَيْنُ لَا تَخْلُو أما أَنْ تُوجَدَ مُسْتَحَقًّا أو مَعِيبًا وَالدَّيْنُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُوجَدَ مُسْتَحَقًّا أو زُيُوفًا أو نبهرهة [نبهرجة] أو سُتُّوقًا أو رَصَاصًا. وَكُلُّ ذلك لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قبل الِافْتِرَاقِ أو بَعْدَهُ وُجِدَ كُلُّهُ كَذَلِكَ أو بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ وَكَذَلِكَ أَحَدُ الْمُتَصَارِفَيْنِ إذَا وُجِدَ بَدَلُ الصَّرْفِ كَذَلِكَ فَهُوَ على التَّفَاصِيلِ التي ذَكَرْنَا فَإِنْ كان رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا فَوَجَدَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مُسْتَحَقًّا أو مَعِيبًا فَإِنْ لم يُجِزْ الْمُسْتَحِقُّ ولم يَرْضَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْعَيْبِ يَبْطُلُ السَّلَمُ سَوَاءٌ كان بَعْدَ الِافْتِرَاقِ أو قَبْلَهُ لِأَنَّهُ انْتَقَضَ الْقَبْضَ فيه بِالِاسْتِحْقَاقِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَا يُمْكِنُ إقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ في الْقَبْضِ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ فَيَحْصُلُ الِافْتِرَاقُ لَا عن قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ في الْمَجْلِسِ فَيَبْطُلُ السَّلَمُ وَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ وَرَضِيَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْعَيْبِ جَازَ السَّلَمُ سَوَاءٌ كان قبل الِافْتِرَاقِ أو بَعْدَهُ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ قَبْضَهُ وَقَعَ صَحِيحًا فَحَصَلَ الِافْتِرَاقُ عن قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ أَوَّلًا وَلَا سَبِيلَ لِلْمُسْتَحِقِّ على الْمَقْبُوضِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَجَازَ فَقَدْ صَارَ الْمَقْبُوضُ مِلْكًا لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ على النَّاقِدِ بمثله إنْ كان مِثْلِيًّا وَبِقِيمَتِهِ إنْ لم يَكُنْ مِثْلِيًّا لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عليه مَالَهُ بِالتَّسْلِيمِ. وَكَذَا في الصَّرْفِ غير أَنَّ هُنَاكَ إذَا كان الْبَدَلُ الْمُسْتَحَقُّ أو الْمَعِيبُ عَيْنًا كَالتِّبْرِ وَالْمَصُوغِ من الْفِضَّةِ ولم يُجِزْ الْمُسْتَحِقُّ وَلَا رضي الْقَابِضُ بِالْمَعِيبِ حتى بَطَلَ الصَّرْفُ يُرْجَعُ على قَابِضِ الدِّينَارِ بِعَيْنِ الدِّينَارِ إنْ كان قَائِمًا وَبِمِثْلِهِ إنْ كان هَالِكًا وَلَا خِيَارَ لِقَابِضِ الدِّينَارِ في ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كما في بَيْعِ الْعَيْنِ إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ وَأَخَذَهُ الْمُسْتَحِقُّ وَلَوْ كان قَابِضُ الدِّينَارِ تَصَرَّفَ فيه وَأَخْرَجَهُ من مِلْكِهِ لَا يُفْسَخُ عليه تَصَرُّفُهُ وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ كما في الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ هذا إذَا كان رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا فَأَمَّا إذَا كان دَيْنًا فَإِنْ وَجَدَهُ مُسْتَحَقًّا وَأَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ فَالسَّلَمُ مَاضٍ سَوَاءٌ كان قبل الِافْتِرَاقِ أو بَعْدَهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْقَبْضَ كان صَحِيحًا. وَلَا سَبِيلَ لِلْمُشْتَرِي على الْمَقْبُوضِ وَيَرْجِعُ على النَّاقِدِ بمثله لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِالتَّسْلِيمِ وهو مِثْلِيٌّ فَيَرْجِعُ عليه بمثله وَإِنْ لم يُجِزْ فَإِنْ كان قبل الِافْتِرَاقِ وَاسْتُبْدِلَ في الْمَجْلِسِ فَالسَّلَمُ مَاضٍ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ إذَا كان دَيْنًا كان الْوَاجِبُ في ذِمَّةِ رَبِّ السَّلَمِ مِثْلَ الْمُسْتَحَقِّ لَا عَيْنَهُ فَقَبْضُ الْمُسْتَحَقِّ أن لم يَصِحَّ أو انْتَقَضَ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَعَدَمِ الْإِجَازَةِ يَقُومُ قَبْضُ مِثْلِهِ مَقَامَهُ فَيَرْجِعُ عليه بمثله وَيُلْحَقُ ذلك الذي كان بِالْعَدَمِ كَأَنَّهُ لم يَقْبِضْ وَأَخَّرَ الْقَبْضَ فيه إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ ما إذَا كان عَيْنًا لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُنَاكَ قَبْضُ الْعَيْنِ وقد انْتَقَضَ الْقَبْضُ فيه بِالِاسْتِحْقَاقِ وَتَعَذَّرَ إقَامَةُ قَبْضِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ فَجُعِلَ الِافْتِرَاقُ لَا عن قَبْضٍ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ وَإِنْ كان بَعْدَ الِافْتِرَاقِ يَبْطُلُ السَّلَمُ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الِافْتِرَاقَ حَصَلَ لَا عن قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ. هذا إذَا وَجَدَهُ مُسْتَحَقًّا فَأَمَّا إذَا وَجَدَهُ زُيُوفًا أو نَبَهْرَجَةً فَإِنْ تَجَوَّزَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ فَالسَّلَمُ مَاضٍ على الصِّحَّةِ سَوَاءٌ وَجَدَهُ قبل الِافْتِرَاقِ أو بَعْدَهُ لِأَنَّ الزُّيُوفَ من جِنْسِ حَقِّهِ لِأَنَّهَا دَرَاهِمُ لَكِنَّهَا مَعِيبَةٌ بِالزِّيَافَةِ وَفَوَاتِ صِفَةِ الْجَوْدَةِ فإذا تَجَوَّزَ بِهِ فَقَدْ أَبْرَأَهُ عن الْعَيْبِ وَرَضِيَ بِقَبْضِ حَقِّهِ مع النُّقْصَانِ بِخِلَافِ السَّتُّوقِ فإنه لَا يَجُوزُ به وَإِنْ تَجَوَّزَ بِهِ لِأَنَّهُ ليس من جِنْسِ الدَّرَاهِمِ على ما نَذْكُرُهُ وَإِنْ لم يَتَجَوَّزْ بِهِ وَرَدَّهُ فَإِنْ كان قبل الِافْتِرَاقِ وَاسْتَبْدَلَهُ في الْمَجْلِسِ فَالْعَقْدُ مَاضٍ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ أَخَّرَ الْقَبْضَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَإِنْ كان بَعْدَ الِافْتِرَاقِ بَطَلَ السَّلَمُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ سَوَاءٌ اسْتَبْدَلَ في مَجْلِسِ الرَّدِّ أو لَا وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إنْ لم يَسْتَبْدِلْ في مَجْلِسِ الرَّدِّ فَكَذَلِكَ وَإِنْ اسْتَبْدَلَ لَا يَبْطُلُ السَّلَمُ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ قَبْضَ الزُّيُوفِ وَقَعَ صَحِيحًا لِأَنَّهُ قَبَضَ جِنْسَ الْحَقِّ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لو تَجَوَّزَ بها جَازَ وَلَوْ لم يَكُنْ من جِنْسِ حَقِّهِ لَمَا جَازَ كَالسَّتُّوقِ إلَّا أَنَّهُ فَاتَتْهُ صِفَةُ الْجَوْدَةِ بِالزِّيَافَةِ فَكَانَتْ من جِنْسِ حَقِّهِ أَصْلًا لَا وَصْفًا فَكَانَتْ الزِّيَافَةُ فيها عَيْبًا وَالْمَعِيبُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ كما في بَيْعِ الْعَيْنِ إذَا كان الْمَبِيعُ مَعِيبًا وَبِالرَّدِّ يُنْتَقَضُ الْقَبْضُ لَكِنْ مَقْصُورًا على حَالَةِ الرَّدِّ وَلَا يَسْتَنِدُ الِانْتِقَاضُ إلَى وَقْتِ الْقَبْضِ فَيَبْقَى الْقَبْضُ صَحِيحًا كان يَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ قَبْضُ بَدَلِهِ في مَجْلِسِ الرَّدِّ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِعَقْدِ السَّلَمِ الْقَبْضُ مَرَّةً وَاحِدَةً إلَّا أَنَّهُ شُرِطَ لِأَنَّ لِلرَّدِّ شِبْهًا بِالْعَقْدِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقَبْضُ في مَجْلِسِ الرَّدِّ إلَّا بِالرَّدِّ كما لَا يَجِبُ الْقَبْضُ في مَجْلِسِ الْعَقْدِ إلَّا بِالْعَقْدِ فَأُلْحِقَ مَجْلِسُ الرَّدِّ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ. وَجْهُ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الزُّيُوفَ من جِنْسِ حَقِّ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لَكِنْ أَصْلًا لَا وَصْفًا وَلِهَذَا ثَبَتَ له حَقُّ الرَّدِّ بِفَوَاتِ حَقِّهِ عن الْوَصْفِ فَكَانَ حَقُّهُ في الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ جميعا فَصَارَ بِقَبْضِ الزُّيُوفِ قَابِضًا حَقَّهُ من حَيْثُ الْأَصْلُ لَا من حَيْثُ الْوَصْفُ إلَّا أَنَّهُ إذَا رضي بِهِ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ عن الْوَصْفِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هو قَبْضُ الْأَصْلِ دُونَ الْوَصْفِ لا [لإبرائه] براعة إيَّاهُ عن الْوَصْفِ فإذا قَبَضَهُ فَقَدْ قَبَضَ حَقَّهُ فَيَبْطُلُ الْمُسْتَحَقُّ وَإِنْ لم يَرْضَ بِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لم يَقْبِضْ حَقَّهُ لِأَنَّ حَقَّهُ في الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ جميعا فَتَبَيَّنَ أَنَّ الِافْتِرَاقَ حَصَلَ لَا عن قَبْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ. هذا إذَا وَجَدَهُ زُيُوفًا أو نهرجة [نبهرجة] فَأَمَّا إذَا وَجَدَهُ سُتُّوقًا أو رَصَاصًا فَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ بَطَلَ السَّلَمُ لِأَنَّ السَّتُّوقَ ليس من جِنْسِ الدَّرَاهِمِ أَلَا يُرَى أنها لَا تَرُوجُ في مُعَامَلَاتِ الناس فلم تَكُنْ من جِنْسِ حَقِّهِ أَصْلًا وَوَصْفًا فَكَانَ الِافْتِرَاقُ عن الْمَجْلِسِ لَا عن قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ فَيَبْطُلُ السَّلَمُ وَسَوَاءٌ تَجَوَّزَ بِهِ أو لَا لِأَنَّهُ إذَا لم يَكُنْ من جِنْسِ حَقِّهِ كان التَّجَوُّزُ بِهِ اسْتِبْدَالًا بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ قبل الْقَبْضِ وأنه لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الزُّيُوفِ فَإِنَّهَا من جِنْسِ حَقِّهِ على ما بَيَّنَّا وَإِنْ وَجَدَهُ في الْمَجْلِسِ فَاسْتَبْدَلَ فَالسَّلَمُ مَاضٍ لِأَنَّ قَبْضَهُ وَإِنْ لم يَصِحَّ فَقَدْ بَقِيَ الْوَاجِبُ في ذِمَّةِ رَبِّ السَّلَمِ دَرَاهِمَ هِيَ حَقُّ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فإذا قَبَضَهَا فَقَدْ قَبَضَ حَقَّهُ في الْمَجْلِسِ وَالْتَحَقَ قَبْضُ السَّتُّوقِ بِالْعَدَمِ كَأَنَّهُ لم يَقْبِضْ أَصْلًا وَأَخَّرَ قَبْضَ رَأْسِ الْمَالِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ. وَكَذَا في الصَّرْفِ غير أَنَّ هُنَاكَ إذَا ظَهَرَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ سَتُّوقَةٌ أو رَصَاصٌ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عن الْمَجْلِسِ حتى بَطَلَ الصَّرْفُ فَقَابِضُ الدِّينَارِ يَسْتَرِدُّ دَرَاهِمَهُ السَّتُّوقَةَ وَقَابِضُ الدَّرَاهِمِ يَسْتَرِدُّ من قَابِضِ الدِّينَارِ عَيْنَ دِينَارِهِ إنْ كان قَائِمًا وَمِثْلَهُ إنْ كان هَالِكًا وَلَا خِيَارَ لِقَابِضِ الدِّينَارِ كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ في الْأَصْلِ لِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمَقْبُوضَ سَتُّوقَةٌ أو رَصَاصٌ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ قَبْضَهُ لم يَصِحَّ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الِافْتِرَاقَ حَصَلَ لَا عن قَبْضٍ فَيَبْطُلُ السَّلَمُ وَبَقِيَ الدِّينَارُ في يَدِهِ من غَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ فَأَشْبَهَ يَدَ الْغَصْبِ وَاسْتِحْقَاقَ الْمَبِيعِ في بَيْعِ الْعَيْنِ وَهُنَاكَ يَسْتَرِدُّ عَيْنَهُ إنْ كان قَائِمًا كَذَا هَهُنَا وَطَعَنَ عِيسَى بن أَبَانَ وقال يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَابِضُ الدِّينَارِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّ عَيْنَ الدِّينَارِ وَإِنْ شَاءَ. رَدَّ مثله وَلَا يُسْتَحَقُّ عليه رَدُّ عَيْنِ الدِّينَارِ وَإِنْ كان قَائِمًا لِأَنَّهُ لم يَكُنْ مُتَعَيِّنًا في الْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ مُتَعَيِّنًا في الْفَسْخِ وَالِاعْتِبَارُ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ هُنَاكَ ظَهَرَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ من الْأَصْلِ لِأَنَّهُ إذَا لم يُجِزْ الْمُسْتَحِقُّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بَاطِلًا من حِينِ وُجُودِهِ وَهُنَاكَ الْعَقْدُ وَقَعَ صَحِيحًا وَإِنَّمَا بَطَلَ في الْمُسْتَقْبَلِ لِعَارِضٍ طَرَأَ عليه بَعْدَ الصِّحَّةِ فَلَا يَظْهَرُ بُطْلَانُهُ من الْأَصْلِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا أَخَذُوا بِقَوْلِ عِيسَى وَنَصَرُوهُ وَحَمَلُوا جَوَابَ الْكتاب على ما إذَا اخْتَارَ قَابِضُ الدِّينَارِ رَدَّ عَيْنِ الدِّينَارِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. هذا الذي ذَكَرْنَا إذَا وُجِدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كل رَأْسُ الْمَالِ مُسْتَحَقًّا أو مَعِيبًا أو زُيُوفًا أو سُتُّوقًا فَأَمَّا إذَا وُجِدَ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ فَفِي الِاسْتِحْقَاقِ إذَا لم يُجِزْ الْمُسْتَحِقُّ يُنْقَصُ الْعَقْدُ بِقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ سَوَاءٌ كان رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا أو دَيْنًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْقَبْضَ انْتَقَصَ فيه بِقَدْرِهِ وَكَذَا في السَّتُّوقِ وَالرَّصَاصِ فَبَطَلَ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ قَلِيلًا كان أو كَثِيرًا بِالْإِجْمَاعِ لِمَا قُلْنَا وَكَذَا هذا في الصَّرْفِ غير أَنَّ هُنَاكَ قَابِضَ السَّتُّوقَةِ يَصِيرُ شَرِيكًا لِقَابِضِ الدِّينَارِ في الدِّينَارِ الذي دَفَعَهُ بَدَلًا عن الدَّرَاهِمِ فَيَرْجِعُ عليه بِعَيْنِهِ وَعَلَى قَوْلِ عِيسَى قَابِضُ الدِّينَارِ بِالْخِيَارِ على ما ذَكَرْنَا. وَأَمَّا في الزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ فَقِيَاسُ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يُنْقَصَ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ إذَا لم يَتَجَوَّزْ وَرَدَّهُ اسْتَبْدَلَ في مَجْلِسِ الرَّدِّ أولا وهو قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ قَبْضَ الْمَرْدُودِ لم يَصِحَّ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الِافْتِرَاقَ حَصَلَ لَا عن قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ في قَدْرِ الْمَرْدُودِ فَيَبْطُلُ السَّلَمُ بِقَدْرِهِ إلَّا أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ في الْقَلِيلِ وقال إنْ كان قَلِيلًا فَرَدَّهُ وَاسْتَبْدَلَ في ذلك الْمَجْلِسِ فَالْعَقْدُ مَاضٍ في الْكُلِّ وَإِنْ كان كَثِيرًا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِقَدْرِ الْمَرْدُودِ لِأَنَّ الزِّيَافَةَ في الْقَلِيلِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عنه لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَخْلُو عن ذلك فَكَانَتْ مُلْحَقَةً بِالْعَدَمِ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عن أبي حَنِيفَةَ في الْحَدِّ الْفَاصِلِ بين الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مع اتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ على أَنَّ الثُّلُثَ قَلِيلٌ وفي رِوَايَةٍ عنه أَنَّ ما زَادَ على الثُّلُثِ يَكُونُ كَثِيرًا وفي رِوَايَةٍ النِّصْفِ وفي رِوَايَةٍ عنه الزَّائِدُ على النِّصْفِ وَكَذَا هذا في الصَّرْفِ غير أَنَّ هُنَاكَ إذَا كَثُرَتْ الزُّيُوفُ فَرَدَّ حتى بَطَلَ الْعَقْدُ في قَدْرِ الْمَرْدُودِ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ يَصِيرُ شَرِيكًا لِقَابِضِ الدِّينَارِ فَيَسْتَرِدُّ منه عَيْنَهُ وَعَلَى قَوْلِ عِيسَى قَابِضُ الدِّينَارِ بِالْخِيَارِ على ما بَيَّنَّا وَلَوْ كان تَصَرَّفَ فيه أو أَخْرَجَهُ عن مِلْكِهِ لَا يُفْسَخُ عليه تَصَرُّفُهُ وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ كما في الْبَيْعِ الْفَاسِدِ على ما مَرَّ. وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْتَهُ في السَّلَمِ وَالصَّرْفِ فَهُوَ الْجَوَابُ في عَقْدٍ تَتَعَلَّقُ صِحَّتُهُ بِالْقَبْضِ قبل الِافْتِرَاقِ مِمَّا سِوَى الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ كَمَنْ كان له على آخَرَ دَنَانِيرُ فَصَالَحَ منها على دَرَاهِمَ أو كان له على آخَرَ مَكِيلٌ أو مَوْزُونٌ مَوْصُوفٌ في الذِّمَّةِ أو غَيْرُهُمَا مِمَّا يَثْبُتُ مِثْلُهُ في الذِّمَّةِ دَيْنًا فَصَالَحَ منها على دَرَاهِمَ أو نَحْوُ ذلك من الْعُقُودِ مِمَّا يَكُونُ قَبْضُ الدَّرَاهِمِ فيه قبل الِافْتِرَاقِ عن الْمَجْلِسِ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فَقَبَضَ الدَّرَاهِمَ ثُمَّ وَجَدَهَا مُسْتَحَقَّةً أو زُيُوفًا أو نَبَهْرَجَةً أو سَتُّوقَةً أو رَصَاصًا كُلَّهَا أو بَعْضَهَا الِافْتِرَاقِ أو بَعْدَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَعَلَى هذا تَخْرُجُ مُقَاصَّةُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بِدَيْنٍ آخَرَ على الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِأَنْ وَجَبَ على الْمُسْلَمِ إلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُ رَأْسِ الْمَالِ أَنَّهُ هل يَصِيرُ رَأْسُ الْمَالِ قِصَاصًا بِذَلِكَ الدَّيْنِ أَمْ لَا فَهَذَا لَا يَخْلُو إمَّا إنْ وَجَبَ دَيْنٌ آخَرُ بِالْعَقْدِ وَإِمَّا إنْ وَجَبَ بِعَقْدٍ مُتَقَدِّمٍ على عَقْدِ السَّلَمِ وأما إنْ وَجَبَ بِعَقْدٍ مُتَأَخِّرٍ عنه فَإِنْ وَجَبَ بِعَقْدٍ مُتَقَدِّمٍ على السَّلَمِ بِأَنْ كان رَبُّ السَّلَمِ بَاعَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ولم يَقْبِضْ الْعَشَرَةَ حتى أَسْلَمَ إلَيْهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ في كُرِّ حِنْطَةٍ فَإِنْ جَعَلَا الدَّيْنَيْنِ قِصَاصًا أو تَرَاضَيَا بِالْمُقَاصَّةِ يَصِيرُ قِصَاصًا وَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا لَا يَصِيرُ قِصَاصًا وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِيرَ قِصَاصًا كَيْفَ ما كان وهو قَوْلُ زُفَرَ. وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ قَبْضَ رَأْسِ الْمَالِ شَرْطٌ وَالْحَاصِلُ بِالْمُقَاصَّةِ ليس بِقَبْضٍ حَقِيقَةً فَكَانَ الِافْتِرَاقُ حَاصِلًا لَا عن قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ فَبَطَلَ السَّلَمُ وَلَنَا أَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِلْقَبْضِ حَقِيقَةً لَوْلَا الْمُقَاصَّةُ فإذا تَقَاصَّا تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ مُوجِبًا قَبْضًا بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ وقد وُجِدَ وَنَظِيرُهُ ما قُلْنَا في الزِّيَادَةِ في الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ أنها جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا وَتَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لِأَنَّ بِالزِّيَادَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ على الْمَزِيدِ عليه وَعَلَى الزِّيَادَةِ جميعا كَذَا هذا وَإِنْ وَجَبَ بِعَقْدٍ مُتَأَخِّرٍ عن السَّلَمِ لَا يَصِيرُ قِصَاصًا وَإِنْ جَعَلَاهُ قِصَاصًا إلَّا رِوَايَةً عن أبي يُوسُفَ شَاذَّةً لِأَنَّ بِالْمُقَاصَّةِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ مُوجِبًا قَبْضًا بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ من حِينِ وُجُودِهِ لِأَنَّ الْمُقَاصَّةَ تَسْتَدْعِي قِيَامَ دَيْنَيْنِ ولم يَكُنْ عِنْدَ عَقْدِ السَّلَمِ إلَّا دَيْنٌ وَاحِدٌ فَانْعَقَدَ مُوجِبًا حَقِيقَةَ الْقَبْضِ وأنه لَا يَحْصُلُ بِالْمُقَاصَّةِ هذا إذَا وَجَبَ الدَّيْنُ بِالْعَقْدِ فَأَمَّا إذَا وَجَبَ بِالْقَبْضِ كَالْغَصْبِ وَالْقَرْضِ فإنه يَصِيرُ قِصَاصًا أولا [سواء] بَعْدَ إن كان وُجُوبُ الدَّيْنِ الْآخَرِ مُتَأَخِّرًا عن الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنْ انْعَقَدَ مُوجِبًا قَبْضًا حَقِيقَةً فَقَدْ وُجِدَ هَهُنَا لَكِنَّ قَبْضَ الْغَصْبِ وَالْقَرْضِ قَبْضٌ حَقِيقَةً فَيُجْعَلُ عن قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَقَبْضُ الْغَصْبِ مَحْظُورٌ وَقَبْضُ الْقَرْضِ ليس بِوَاجِبٍ فَكَانَ إيقَاعُهُ عن الْوَاجِبِ أَوْلَى بِخِلَافِ ما تَقَدَّمَ لِأَنَّ هُنَاكَ لم يُوجَدْ الْقَبْضُ حَقِيقَةً وَالْقَبْضُ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ يُمْكِنُ في أَحَدِ الْفصليْنِ دُونَ الْآخَرِ على ما بَيَّنَّا وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ. هذا إذَا تَسَاوَى الدَّيْنَانِ فَأَمَّا إذَا تَفَاضَلَا بِأَنْ كان أَحَدُهُمَا أَفْضَلَ وَالْآخَرُ أَدْوَنَ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِالْقِصَاصِ وَأَبَى الْآخَرُ فإنه يُنْظَرُ إنْ أَبَى صَاحِبُ الْأَفْضَلِ لَا يَصِيرُ قِصَاصًا لِأَنَّ حَقَّهُ في الْجَوْدَةِ مَعْصُومٌ مُحْتَرَمٌ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ عليه من غَيْرِ رِضَاهُ وَإِنْ أَبَى صَاحِبُ الْأَدْوَنِ يَصِيرُ قِصَاصًا لِأَنَّهُ لَمَّا رضي بِهِ صَاحِبُ الْأَفْضَلِ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ عن الْفَضْلِ كَأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ فَأَعْطَاهُ أَجْوَدَ مِمَّا عليه وَهُنَاكَ يُجْبَرُ على الْأَخْذِ كَذَا هذا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَكَذَلِكَ الْمُقَاصَّةُ في ثَمَنِ الصَّرْفِ تَخْرُجُ على هذه التَّفَاصِيلِ التي ذَكَرْنَاهَا في رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فأفهم وَالله الموفق لِلصَّوَابِ ثُمَّ ما ذَكَرْنَا من اعْتِبَارِ هذا الشَّرْطِ وهو قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ حَالَ بَقَاءِ الْعَقْدِ فَأَمَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِهِ بِطَرِيقِ الْإِقَالَةِ أو بِطَرِيقٍ آخَرَ فَقَبْضُهُ ليس بِشَرْطٍ في مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ بِخِلَافِ الْقَبْضِ في مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَقَبْضِ بَدَلِ الصَّرْفِ في مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ أَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِقَالَةِ كَقَبْضِهِمَا في مَجْلِسِ الْعَقْدِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْقَبْضَ في مَجْلِسِ الْعَقْدِ في الْبابيْنِ ما هو شَرْطٌ لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا هو شَرْطٌ لِلتَّعْيِينِ وهو أَنْ يَصِيرَ الْبَدَلُ مُعَيَّنًا بِالْقَبْضِ صِيَانَةً عن الِافْتِرَاقِ عن دَيْنٍ بِدَيْنٍ على ما بَيَّنَّا وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ في مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ في السَّلَمِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ فَيَعُودُ إلَيْهِ عَيْنُهُ فَلَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّعْيِينِ بِالْقَبْضِ فَكَانَ الْوَاجِبُ نَفْسَ الْقَبْضِ فَلَا يراعي له الْمَجْلِسُ بِخِلَافِ الصَّرْفِ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَبْضِ لِأَنَّ اسْتِبْدَالَهُ جَائِزٌ فَلَا بُدَّ من شَرْطِ الْقَبْضِ في الْمَجْلِسِ لِيَتَعَيَّنَ وَالله أعلم.
|