الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***
وَأَمَّا الشَّرَائِطُ فَمِنْهَا قَبْضُ الْبَدَلَيْنِ قبل الِافْتِرَاقِ لِقَوْلِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في الحديث الْمَشْهُورِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَرُوِيَ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تسقوا [تشفوا] بَعْضَهَا على بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا منها شيئا غَائِبًا بِنَاجِزٍ. وَرُوِيَ عن عبد اللَّهِ بن سَيِّدِنَا عُمَرَ عن أبيه رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُ قال لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ أَحَدَهُمَا غَائِبٌ وَالْآخَرَ نَاجِزٌ وَإِنْ اسْتَنْظَرَك حتى يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تنطره [تنظره] إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرَّمَاءَ أَيْ الرِّبَا فَدَلَّتْ هذه النُّصُوصُ على اشْتِرَاطِ قَبْضِ الْبَدَلَيْنِ قبل الافتراض [الافتراق] وَتَفْسِيرُ الِافْتِرَاقِ هو أَنْ يَفْتَرِقَ الْعَاقِدَانِ بأبدَانِهِمَا عن مَجْلِسِهِمَا فَيَأْخُذَ هذا في جِهَةٍ وَهَذَا في جِهَةٍ أو يَذْهَبَ أَحَدُهُمَا وَيَبْقَى الْآخَرُ حتى لو كَانَا في مَجْلِسِهِمَا لم يَبْرَحَا عنه لم يَكُونَا مُفْتَرِقَيْنِ. وَإِنْ طَالَ مَجْلِسُهُمَا لِانْعِدَامِ الِافْتِرَاقِ بأبدَانِهِمَا وَكَذَا إذَا نَامَا في الْمَجْلِسِ أو أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا لِمَا قُلْنَا وَكَذَا إذَا قَامَا عن مَجْلِسِهِمَا فَذَهَبَا مَعًا في جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَطَرِيقٍ واحد [واحدة] وَمَشَيَا مِيلًا أو أَكْثَرَ ولم يُفَارِقْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فليس [فليسا] بِمُفْتَرِقَيْنِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِتَفَرُّقِ الْأَبَدَانِ ولم يُوجَدْ فَرْقٌ بين هذا وَبَيْنَ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ إذَا قَامَتْ عن مَجْلِسِهَا أو اشْتَغَلَتْ بِعَمَلٍ آخَرَ يَخْرُجُ الْأَمْرُ من يَدِهَا لِأَنَّ خِيَارَ الْمُخَيَّرَةِ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ عَمَّا فُوِّضَ إلَيْهَا وَالْقِيَامُ عن الْمَجْلِسِ أو الِاشْتِغَالُ بِعَمَلٍ آخِرُ دَلِيلِ الْإِعْرَاضِ وَهَهُنَا لَا عِبْرَةَ بِالْإِعْرَاضِ إنَّمَا الْعِبْرَةُ لِلِافْتِرَاقِ بِالْأَبْدَانِ ولم يُوجَدْ. وَرُوِيَ عن مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَلْحَقَ هذا بِخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ حتى لو نَامَ طَوِيلًا أو وُجِدَ ما يَدُلُّ على الْإِعْرَاضِ يَبْطُلُ الصَّرْفُ كَالْخِيَارِ وَرُوِيَ عن مُحَمَّدٍ في رَجُلٍ له على إنْسَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ عليه خَمْسُونَ دِينَارًا فَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا فقال بِعْتُكَ الدَّنَانِيرَ التي لي عَلَيْكَ بِالدَّرَاهِمِ التي لَك عَلَيَّ وقال قَبِلْتُ فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالرَّسُولِ بَلْ بِالْمُرْسِلِ وَهُمَا مُفْتَرِقَانِ بأبدَانِهِمَا. وَكَذَلِكَ لو نَادَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ من وَرَاءِ جِدَارٍ أو نَادَاهُ من بَعِيدٍ لم يَجُزْ لِأَنَّهُمَا مُفْتَرِقَانِ بأبدَانِهِمَا عِنْدَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ إذَا أَرْسَلَ رَسُولًا إلَى إنْسَانٍ فقال بِعْتُ عَبْدِي الذي في مَكَانِ كَذَا مِنْكَ بِكَذَا فَقَبِلَ ذلك الرَّجُلُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ لِأَنَّ التَّقَابُضَ في الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ ليس بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَلَا يَكُونُ الِافْتِرَاقُ مُفْسِدًا له ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ افْتِرَاقُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ سَوَاءٌ كَانَا مَالِكَيْنِ أو نَائِبَيْنِ عنهما كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ لِأَنَّ الْقَبْضَ من حُقُوقِ الْعَقْدِ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدَيْنِ فَيُعْتَبَرُ افْتِرَاقُهُمَا. ثُمَّ إنَّمَا يُعْتَبَرُ التَّفَرُّقُ بِالْأَبْدَانِ في مَوْضِعٍ يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ فَإِنْ لم يُمْكِنْ اعْتِبَارُهُ يُعْتَبَرُ الْمَجْلِسُ دُونَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ بِأَنْ قال الْأَبُ اشْهَدُوا أَنِّي اشْتَرَيْتُ هذا الدِّينَارَ من ابْنِي الصَّغِيرِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ قام قبل أَنْ يَزِنَ الْعَشَرَةَ فَهُوَ بَاطِلٌ كَذَا رُوِيَ عن مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْأَبَ هو الْعَاقِدُ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّفَرُّقِ ِالْأَبْدَانِ فَيُعْتَبَرُ الْمَجْلِسُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتُعَالَى أَعْلَمُ. ثُمَّ بَيْعُ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ وَبِخِلَافِ الْجِنْسِ كَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفَانِ في حُكْمِ الْقَبْضِ لِأَنَّ كُلَّ ذلك صَرْفٌ فَيُشْتَرَطُ فيه التَّقَابُضُ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ في جوز [جواز] التَّفَاضُلِ وَعَدَمِهِ فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَيَجُوزُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ وَلَكِنْ يَجِبُ التَّقَابُضُ اتَّحَدَ الْجِنْسُ أو اخْتَلَفَ لِمَا ذَكَرْنَا من الدَّلَائِلِ وَلَوْ تَصَارَفَا ذَهَبًا بِذَهَبٍ أو فِضَّةً بِفِضَّةٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَتَقَابَضَا وَتَفَرَّقَا ثُمَّ زَادَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ شيئا أو حَطَّ عنه شيئا وَقَبِلَ الْآخَرُ فَسَدَ الْبَيْعُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الزيادة وَالْحَطُّ بَاطِلَانِ وَالْعَقْدُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ وَالْحَطُّ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَاخْتِلَافُهُمْ في هذه الْمَسْأَلَةِ فَرْعُ اخْتِلَافِهِمْ في أَصْلٍ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وهو أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ الْمُتَأَخِّرَ عن الْعَقْدِ في الذِّكْرِ إذَا أُلْحِقَ بِهِ هل يَلْتَحِقُ بِهِ أَمْ لَا فَمِنْ أَصْلِ أبي حَنِيفَةَ فيه أن يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَيُفْسِدُ الْعَقْدَ وَالزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ يَلْتَحِقَانِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ على أَصْلِ أَصْحَابِنَا كَأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ على الْمَزِيدِ عليه وَالزِّيَادَةِ جميعا فَيَتَحَقَّقُ التَّفَاضُلُ وَالْجِنْسُ مُتَّحِدٌ فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ بِمَنْزِلَةِ شَرْطٍ فَاسِدٍ مُلْتَحِقٍ بِالْعَقْدِ فَيَتَأَخَّرُ عنه فَيَلْتَحِقُ بِهِ وَيُوجِبُ فَسَادَهُ وَمِنْ أَصْلِ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ الْمُتَأَخِّرَ عن الْعَقْدِ لَا يَلْتَحِقُ بِالْعَقْدِ فَطَرَدَ أبو يُوسُفَ هذا الْأَصْلَ وقال تَبْطُلُ الزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ جميعا وَيَبْقَى الْبَيْعُ الْأَوَّلُ صَحِيحًا وَمُحَمَّدٌ فَرَّقَ بين الزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ وقال الزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ وَالْحَطُّ جَائِزٌ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لو صَحَّتْ لَالْتَحَقَتْ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيُوجِبُ فَسَادَهُ فَبَطَلَتْ الزِّيَادَةُ وَلَيْسَ من شَرْطِ صِحَّةِ الْحَطِّ أَنْ يَلْتَحِقَ بِالْعَقْدِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو حَطَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ صَحَّ وَلَا يَلْتَحِقُ إذْ لو الْتَحَقَ لَكَانَ الْبَيْعُ وَاقِعًا بِلَا ثَمَنٍ فَيُجْعَلُ حَطًّا لِلْحَالِ بِمَنْزِلَةِ هِبَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ وَلَوْ تَبَايَعَا الْجِنْسَ بِخِلَافِ الْجِنْسِ بِأَنْ تَصَارَفَا دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ زَادَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ دِرْهَمًا وَقَبِلَ الْآخَرُ أو حَطَّ عنه دِرْهَمًا من الدِّينَارِ جَازَتْ الزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْمَانِعَ من الْجَوَازِ وَالِالْتِحَاقِ تَحَقُّقُ الرِّبَا وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الرِّبَا إلَّا أَنَّ في الزِّيَادَةِ يُشْتَرَطُ قَبْضُهَا قبل الِافْتِرَاقِ حتى لو افْتَرَقَا قبل الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ في حِصَّةِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمَّا الْتَحَقَتْ بِأَصْلِ الْعَقْدِ صَارَ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ على الزِّيَادَةِ وَالْأَصْلِ جميعا إلَّا أَنَّهُ جَازَ التَّفَاضُلُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فإذا لم يَقْبِضْ الزِّيَادَةَ قبل الِافْتِرَاقِ بَطَلَ الْعَقْدُ بِقَدْرِهَا. وَأَمَّا الْحَطُّ فَجَائِزٌ سَوَاءٌ كان قبل التَّفَرُّقِ أو بَعْدَهُ لِأَنَّ الْحَطَّ وَإِنْ كان يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ لَكِنَّ التَّفَاضُلَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ جَائِزٌ وَلَا زِيَادَةَ هَهُنَا حتى يُشْتَرَطَ قَبْضُهَا فَصَحَّ الْحَطُّ وَوَجَبَ عليه رَدُّ الْمَحْطُوطِ لِأَنَّ الْحَطَّ لَمَّا الْتَحَقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ لم يَقَعْ على قَدْرِ الْمَحْطُوطِ من الِابْتِدَاءِ فَيَجِبُ رَدُّهُ وَلَوْ حَطَّ مُشْتَرِي الدِّينَارِ قِيرَاطًا منه فَبَائِعُ الدِّينَارِ يَكُونُ شَرِيكًا له في الدِّينَارِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ على ما سِوَى الْقِيرَاطِ وَلَوْ اشْتَرَى سَيْفًا مُحَلًّى بِفِضَّةٍ وَحِلْيَتُهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَتَقَابَضَا ثُمَّ زَادَهُ دِينَارًا في الثَّمَنِ دَفَعَهُ إلَيْهِ قبل أَنْ يُفَارِقَهُ أو بَعْدَ ما فَارَقَهُ يَجُوزُ كَذَا رُوِيَ عن مُحَمَّدٍ. وَتُصْرَفُ الزِّيَادَةُ إلَى النَّصْلِ وَالْجِفْنِ والخمائل [والحمائل] لِأَنَّهَا تَلْحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَصَارَ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ على الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ جميعا وَلَوْ كان كَذَلِكَ لَكَانَ الْأَمْرُ على ما وَصَفْنَا كَذَا هذا بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ فإنه يُقَسَّمُ على جَمِيعِ الثَّمَنِ لِمَا نَذْكُرُ في مَسَائِلِ الْمُرَابَحَةِ وَسَوَاءٌ كان دَيْنًا بِدَيْنٍ وهو الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ أو عَيْنًا بِعَيْنٍ وهو التِّبْرُ وَالْمَصُوغُ أو دَيْنًا بِعَيْنٍ وهو الدرهم [الدراهم] وَالدَّنَانِيرُ بِالتِّبْرِ وَالْمَصُوغِ لِأَنَّ ما ذَكَرْنَا من الدَّلَائِلِ لَا يُوجِبُ الْفصل بين الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ وَسَوَاءٌ كان مُفْرَدًا أو مَجْمُوعًا مع غَيْرِهِ كما إذَا بَاعَ ذَهَبًا وَثَوْبًا بِفِضَّةٍ مُفْرَدَةٍ لِأَنَّ الْفِضَّةَ تَنْقَسِمُ على الذَّهَبِ وَالثَّوْبِ فما قَابَلَ الذَّهَبَ يَكُونُ صَرْفًا فَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْقَبْضُ وما يُقَابِلُ الثَّوْبَ يَكُونُ بَيْعًا مُطْلَقًا فَلَا يُشْتَرَطُ فيه الْقَبْضُ وَكَذَا إذَا بَاعَ ذَهَبًا وَثَوْبًا بِذَهَبٍ وَالذَّهَبُ أَكْثَرُ حتى جَازَ الْبَيْعُ أَنَّهُ في حِصَّةِ الذَّهَبِ يَكُونُ صَرْفًا وفي حِصَّةِ الثَّوْبِ يَكُونُ بَيْعًا مُطْلَقًا. وَكَذَا إذ بَاعَ سَيْفًا مُحَلًّى بِالْفِضَّةِ مُفْرَدَةً أو مِنْطَقَةً مُفَضَّضَةً أو لِجَامًا أو سَرْجًا أو سِكِّينًا مُفَضَّضَةً أو جَارِيَةً على عُنُقِهَا طَوْقُ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ مُفْرَدَةٍ وَالْفِضَّةُ الْمُفْرَدَةُ أَكْثَرُ حتى جَازَ الْبَيْعُ كان بِحِصَّةِ الْفِضَّةِ صَرْفًا وَيُرَاعَى فيه شَرَائِطُ الصَّرْفِ وَبِحِصَّةِ الزِّيَادَةِ التي هِيَ من خِلَافِ جِنْسِهَا بَيْعًا مُطْلَقًا فَلَا يُشْتَرَطُ له ما يُشْتَرَطُ لِلصَّرْفِ فَإِنْ وُجِدَ التَّقَابُضُ وهو الْقَبْضُ من الْجَانِبَيْنِ قبل التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ تَمَّ الصَّرْفُ وَالْبَيْعُ جميعا وَإِنْ لم يُوجَدْ أو وُجِدَ الْقَبْضُ من أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ دُونَ الْآخَرِ بَطَلَ الصَّرْفُ لِوُجُودِ الِافْتِرَاقِ من غَيْرِ قَبْضٍ وَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ يُنْظَرُ إنْ كانت الْفِضَّةُ الْمَجْمُوعَةُ مع غَيْرِهَا يُمْكِنُ فصلهَا وَتَخْلِيصُهَا من غَيْرِ ضَرَرٍ كَالْجَارِيَةِ مع الطَّوْقِ وَغَيْرِ ذلك فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَفَسَادُ الصَّرْفِ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْبَيْعِ لِأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ تَخْلِيصُهَا من غَيْرِ ضَرَرٍ جَازَ لِأَنَّهُمَا شيآن [شيئان] مُنْفصلانِ وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ابْتِدَاءً فَلَأَنْ يَبْقَى جائز [جائزا] انْتِهَاءً أَوْلَى لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ من الِابْتِدَاءِ وَإِنْ كان لَا يُمْكِنُ فصلهَا وَتَخْلِيصُهَا إلَّا بِضَرَرٍ بَطَلَ الْبَيْعُ أَيْضًا لِأَنَّهُ بَيْعُ ما لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً كَبَيْعِ الْجِذْعِ في السَّقْفِ وَنَحْوِ ذلك فَكَذَا في حَالَةِ الْبَقَاءِ فإذا بَطَلَ الْعَقْدُ في قَدْرِ الصَّرْفِ يَبْطُلُ في الْبَيْعِ أَيْضًا وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ. هذا إذَا انْعَقَدَ الْعَقْدُ على الصِّحَّةِ ثُمَّ فَسَدَ في قَدْرِ الصَّرْفِ بِطَرَيَانِ الْمُفْسِدِ عليه وهو الِافْتِرَاقُ من غَيْرِ تَقَابُضٍ فَأَمَّا إذَا انْعَقَدَ على الْفَسَادِ من الِابْتِدَاءِ بِأَنْ شَرَطَا الْخِيَارَ أو أَدْخَلَا الْأَجَلَ فيه لم يَصِحَّ الصَّرْفُ بِالْإِجْمَاعِ وَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ اُخْتُلِفَ فيه قال أبو حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ سَوَاءٌ كان يَتَخَلَّصُ من غَيْرِ ضَرَرٍ أو لَا يَتَخَلَّصُ إلَّا بِضَرَرٍ وقال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هذا الأول [والأول] سَوَاءٌ إنْ كان يَتَخَلَّصُ من غَيْرِ ضَرَرٍ يَصِحُّ وَإِنْ كان لَا يَتَخَلَّصُ إلَّا بِضَرَرٍ لَا يَصِحُّ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ نَسِيئَةً ثُمَّ نَقَدَ بَعْضَ الْعَشَرَةِ دُونَ الْبَعْضِ في الْمَجْلِسِ فَسَدَ الصَّرْفُ في الْكُلِّ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ بِقَدْرِ ما قَبَضَ وَهَذَا بِنَاءً على أَصْلٍ مُخْتَلَفٍ بَيْنَهُمْ وهو أَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا اشْتَمَلَتْ على الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ يَتَعَدَّى الْفَسَادُ إلَى الْكُلِّ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَعَدَّى فَهُمَا سَوِيًّا بين الْفَسَادِ الطارىء وَالْمُقَارِنِ وأبو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَوَجْهُ الْفَرْقِ ما ذَكَرْنَا من قَبْلُ أَنَّ الْفَسَادَ إذَا كان مُقَارِنًا يَصِيرُ قَبُولُ الْعَقْدِ في الْفَاسِدِ شَرْطَ قَبُولِ الْعَقْدِ في الْآخَرِ وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيُؤَثِّرُ في الْكُلِّ ولم يُوجَدْ هذا الْمَعْنَى في الطارىء فَاقْتَصَرَ الْفَسَادُ فيه على قَدْرِ الْمُفْسِدِ ثُمَّ إذَا كانت الْفِضَّةُ الْمُفْرَدَةُ فيه أَكْثَرَ ولم يُوجَدْ فيه شَرْطُ الْخِيَارِ وَلَا الْأَجَلِ حتى جَازَ الْعَقْدُ ثُمَّ نَقَدَ قَدْرَ الْفِضَّةِ الْمَجْمُوعَةِ من الْمُفْرَدَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَتَفَرَّقَا عن قَبْضٍ من الْجَانِبَيْنِ بِأَنْ بَاعَ سَيْفًا محلا [محلى] بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَحِلْيَتُهُ خَمْسُونَ فَنَقَدَهُ الْمُشْتَرِي خَمْسِينَ فَالْقَدْرُ الْمَنْقُودُ من الْفِضَّةِ الْمُفْرَدَةِ يَقَعُ عن الصَّرْفِ حتى لَا يَبْطُلَ بِالِافْتِرَاقِ أو عن الْبَيْعِ حتى يَبْطُلَ الصَّرْفُ بِالِافْتِرَاقِ من غَيْرِ قَبْضٍ فَهَذَا لَا يَخْلُو من خَمْسَةِ أَوْجُهٍ أما إنْ ذَكَرَ أَنَّ الْمَنْقُودَ من ثَمَنِ الْحِلْيَةِ وَإِمَّا إنْ ذَكَرَ أَنَّهُ من ثَمَنِ الْجِفْنِ وَالنَّصْلِ وَإِمَّا إنْ ذَكَرَ أَنَّهُ من ثَمَنِهِمَا جميعا وَإِمَّا إنْ ذَكَرَ أَنَّهُ من ثَمَنِ السَّيْفِ وَإِمَّا إنْ سَكَتَ ولم يذكر شيئا فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ من ثَمَنِ الْحِلْيَةِ يَقَعُ عنها وَيَجُوزُ الصَّرْفُ وَالْبَيْعُ جميعا وَهَذَا ظَاهِرٌ. وَكَذَا إذَا ذَكَرَ أَنَّهُ من ثَمَنِهِمَا فإنه يَقَعُ عن الْحِلْيَةِ أَيْضًا وَجَازَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ لِأَنَّ قَبْضَ التَّصَرُّفِ مُسْتَحَقٌّ حَقًّا لِلشَّرْعِ وَقَبْضَ الْبَيْعِ ليس بِمُسْتَحَقٍّ فَيُصْرَفُ إلَى جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَيُمْكِنُ إيقَاعُ الْمَنْقُودِ كُلِّهِ عن هذه الْجِهَةِ وَإِنْ أَضَافَهُ إلَيْهِمَا لِأَنَّ ذِكْرَ شَيْئَيْنِ على إرَادَةِ أَحَدِهِمَا جَائِزٌ في اللُّغَةِ قال اللَّهُ تَعَالَى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} وَإِنَّمَا يَخْرُجُ من أَحَدِهِمَا وهو الْمَالِحُ وَكَذَا إذَا لم يذكر شيئا يَقَعُ عن الصَّرْفِ لِأَنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ على الصِّحَّةِ وَالسَّدَادِ ما أَمْكَنَ وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا لِأَنَّ قَبْضَ حِصَّةِ الْحِلْيَةِ مُسْتَحَقٌّ فَعِنْدَ الإطلاق يُصْرَفُ إلَى جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَكَذَا إذَا ذَكَرَ أَنَّهُ من ثَمَنِ السَّيْفِ يَقَعُ عن الْحِلْيَةِ لِأَنَّ الْحِلْيَةَ تَدْخُلُ في اسْمِ السَّيْفِ وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ من ثَمَنِ الْجِفْنِ وَالنَّصْلِ يُنْظَرُ إنْ أَمْكَنَ تَخْلِيصُ الْفِضَّةِ من غَيْرِهَا من غَيْرِ ضَرَرٍ يَقَعُ عن ثَمَنِ الْمَذْكُورِ وَيَبْطُلُ الصَّرْفُ بِالِافْتِرَاقِ قبل الْقَبْضِ لِأَنَّهُ قَصَدَ جَوَازَ الْبَيْعِ وَصُرِفَ بِفَسَادِ الصَّرْفِ وإذا أَمْكَنَ تَخْلِيصُهَا من غَيْرٍ ضَرَرٍ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ الْبَيْعِ مع فَسَادِ الصَّرْفِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ السَّيْفِ بِانْفِرَادِهِ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الصَّرْفُ وَإِنْ لم يَكُنْ تَخْلِيصُهَا إلَّا بِضَرَرٍ فَالْمَنْقُودُ يَقَعُ عن ثَمَنِ الصَّرْفِ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ جميعا لِأَنَّهُ قَصَدَ جَوَازَ الْبَيْعِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِجَوَازِ الصَّرْفِ لِأَنَّ بَيْعَ السَّيْفِ بِدُونِ الْحِلْيَةِ لَا يَجُوزُ إذَا لم يُمْكِنْ تَخْلِيصُهَا من غَيْرِ ضَرَرٍ فَإِنْ أَمْكَنَ تَخْلِيصُهَا من غَيْرِ ضَرَرٍ فَيَجُوزَانِ جميعا وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ. وَكَذَلِكَ في السَّيْفِ الْمُحَلَّى إذَا لم يَكُنْ من جِنْسِ الْحِلْيَةِ فَإِنْ كانت حِلْيَةُ السَّيْفِ ذَهَبًا اشْتَرَاهُ مع حِلْيَتِهِ بِفِضَّةٍ مُفْرَدَةٍ فَحُكْمُهُ وَحُكْمُ الْجِنْسِ سَوَاءٌ في جَمِيعِ ما وَصَفْنَا لِأَنَّهُمَا في حُكْمِ الْقَبْضِ وما يَتَعَلَّقُ بِهِ لَا يَخْتَلِفَانِ وقد ذَكَرْنَا جُمْلَةَ ذلك وَتَفْصِيلَهُ على الِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ وَعَلَى هذا يَخْرُجُ الْإِبْرَاءُ عن بَدَلِ الصَّرْفِ وَهِبَتِهِ مِمَّنْ عليه وَالتَّصَدُّقُ بِهِ عليه أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ قَبُولِهِ وَإِنْ قَبِلَ انْتَقَضَ الصَّرْفُ وَإِنْ لم يَقْبَلْ لم يَصِحَّ وَيَبْقَى الصَّرْفُ على حَالِهِ لِأَنَّ قَبْضَ الْبَدَلِ مُسْتَحَقٌّ وَالْإِبْرَاءُ عن الدَّيْنِ إسْقَاطُهُ وَالدَّيْنُ بَعْدَمَا سَقَطَ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْضُهُ فَكَانَ الْإِبْرَاءُ عن الْبَدَلِ جَعْلُ الْبَدَلِ بِحَالٍ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْضُهُ فَكَانَ في مَعْنَى الْفَسْخِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا كَصَرِيحِ الْفَسْخِ وإذا لم يَصِحَّ بَقِيَ عَقْدُ الصَّرْفِ على حَالِهِ فَيَتِمُّ بِالتَّقَابُضِ قبل الِافْتِرَاقِ بأبدَانِهِمَا. وَلَوْ أَبَى المبرىء [المبرئ] أو الْوَاهِبُ أو الْمُتَصَدِّقُ أَنْ يَأْخُذَ ما أَبْرَأَ أو وَهَبَهُ أو تَصَدَّقَ يُجْبَرُ على الْقَبْضِ لِأَنَّهُ بِالِامْتِنَاعِ عن الْقَبْضِ يُرِيدُ فَسْخَ الْعَقْدِ وَأَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ وَعَلَى هذا يَخْرُجُ الِاسْتِبْدَالُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَالصَّرْفُ على حَالِهِ يُقْبَضُ الْبَدَلُ قبل الِافْتِرَاقِ وَيَتِمُّ الْعَقْدُ لِأَنَّ قَبْضَ الْبَدَلِ شَرْطُ بَقَاءِ الْعَقْدِ على الصِّحَّةِ وَبِالِاسْتِبْدَالِ يَفُوتُ قَبْضُهُ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ يُقْبَضُ بَدَلُهُ وَبَدَلُهُ غَيْرُهُ وقال زُفَرُ إنَّ الِاسْتِبْدَالَ جَائِزٌ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَقَعُ بِعَيْنِ ما في الذِّمَّةِ لِأَنَّ ما في الذِّمَّةِ من الدَّرَاهِمِ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْيِينَ بِلَا خِلَافٍ فَكَانَ مُشْتَرِيًا بِمِثْلِ ما في الذِّمَّةِ فَيَجِبُ لِمَنْ عليه الدَّيْنُ في ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي دَرَاهِمُ مِثْلُ ما في ذِمَّتِهِ في النَّوْعِ وَالصِّفَةِ فَلَا يَفُوتُ قَبْضُ الْبَدَلِ بِالِاسْتِبْدَالِ بَلْ يَصِيرُ قَابِضًا بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ فَيَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ. وَالْجَوَابُ عنه أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ وَإِنْ كانت لَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ وَلَكِنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ وَقَبْضُهَا وَاجِبٌ وَبِالْمُقَاصَّةِ يَفُوتُ الْقَبْضُ حَقِيقَةً فلم تَصِحَّ الْمُقَاصَّةُ فَبَقِيَ الشِّرَاءُ بها إسْقَاطًا لِلْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ حَقًّا لِلشَّرْعِ فَلَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ وَبَقِيَ الصَّرْفُ صَحِيحًا مَوْقُوفًا بَقَاؤُهُ على الصِّحَّةِ على الْقَبْضِ قبل الِافْتِرَاقِ وَإِنْ أَعْطَاهُ صَاحِبُهُ دَرَاهِمَ أَجْوَدَ أو أَرْدَأَ من حَقِّهِ فَرَضِيَ بِهِ وَالْمَقْبُوضُ مِمَّا يَجْرِي مَجْرَى الدَّرَاهِمِ الْوَاجِبَةِ بِالْعَقْدِ في الْمُعَاوَضَاتِ بين الناس جَازَ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ من جِنْسِهِ أَصْلًا وَإِنَّمَا يُخَالِفُهُ في الْوَصْفُ فإذا رضي بِهِ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فَكَانَ اسْتِيفَاءً لَا اسْتِبْدَالًا وَتَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ إذَا كان الْمُحْتَالُ عليه حَاضِرًا وَكَذَلِكَ الْكَفَالَةُ وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ بِهِ وَالصَّرْفُ على حَالِهِ فَإِنْ قَبَضَ من الْمُحْتَالِ عليه أو من الْكَفِيلِ أو هَلَكَ الرَّهْنُ في يَدِ الْمُرْتَهِنِ في الْمَجْلِسِ فَالصَّرْفُ مَاضٍ على الصِّحَّةِ وَإِنْ افْتَرَقَ الْمُتَصَارِفَانِ قبل الْقَبْضِ وَهَلَكَ الرَّهْنُ بَطَلَ الصَّرْفُ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وقد مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ في السَّلَمِ وَالْعِبْرَةُ لِبَقَاءِ الْعَاقِدَيْنِ في الْمَجْلِسِ وَافْتِرَاقِهِمَا عنه لَا لِبَقَاءِ الْمُحَالِ عليه وَالْكَفِيلِ وَافْتِرَاقِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَبْضَ من حُقُوقِ الْعَقْدِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدَيْنِ فَيُعْتَبَرُ مَجْلِسُهُمَا وَكَذَلِكَ لو وَكَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ من الْعَاقِدَيْنِ رَجُلًا أَنْ يَنْقُدَ عنه يُعْتَبَرُ مَجْلِسُ الْمُوَكِّلَيْنِ بَقَاءً وَافْتِرَاقًا لَا مَجْلِسُ الْوَكِيلِ لِمَا قُلْنَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَعَلَى هذا تَخْرُجُ الْمُقَاصَّةُ في ثَمَنِ الصَّرْفِ إذَا وَجَبَ الدَّيْنُ بِعَقْدٍ مُتَأَخِّرٍ عن عَقْدِ الصَّرْفِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ قِصَاصًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَإِنْ تَرَاضَيَا بِذَلِكَ وقد ذَكَرْنَا جُمْلَةَ الْكَلَامِ في ذلك وَتَفْصِيلَهُ في السَّلَمِ وَعَلَى هذا يَخْرُجُ ما إذَا قَبَضَ بَدَلَ الصَّرْفِ ثُمَّ انْتَقَضَ بَدَلَ الصَّرْفِ ثُمَّ انْتَقَضَ الْقَبْضَ فيه بِمَعْنًى أَوْجَبَ انْتِقَاضَهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ وقد مَرَّ الْكَلَامُ فيه جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا في السَّلَمِ ثُمَّ قَبْضُ الصَّرْفِ في الْمَجْلِسِ كما هو شَرْطُ بَقَاءِ الْعَقْدِ على الصِّحَّةِ فَقَبْضُهُمَا في مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ شَرْطُ بَقَاءِ الْإِقَالَةِ على الصِّحَّةِ أَيْضًا حتى لو تَقَايَلَا الصَّرْفَ وتقابض [وتقابضا] قبل الِافْتِرَاقِ مَضَتْ الْإِقَالَةُ على الصِّحَّةِ وَإِنْ افْتَرَقَا قبل التَّقَابُضِ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ أَمَّا على أَصْلِ أبي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ على أَصْلِهِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فَكَانَتْ مُصَارَفَةً مُبْتَدَأَةً فَلَا بُدَّ من التَّقَابُضِ وَعَلَى أَصْلِهِمَا إنْ كانت فَسْخًا في حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَهِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ في حَقِّ ثَالِثٍ وَاسْتِحْقَاقُ الْقَبْضِ حَقٌّ لِلشَّرْعِ هَهُنَا ثَالِثٌ فَيُعْتَبَرُ بَيْعًا جَدِيدًا في حَقِّ هذا الْحُكْمِ فَيُشْتَرَطُ فيه التَّقَابُضُ بِخِلَافِ السَّلَمِ. فإن قَبْضَ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ في مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ ليس بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْإِقَالَةِ وقد ذَكَرْنَا وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ وَجَدَ بِبَدَلِ الصَّرْفِ عَيْبًا وهو عَيْنٌ كما إذَا اشْتَرَى قُلْبَ فِضَّةٍ بِذَهَبٍ فَرَدَّهُ ثُمَّ افْتَرَقَا قبل قَبْضِ الثَّمَنِ إنْ رَدَّهُ عليه بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَالرَّدُّ صَحِيحٌ على حَالِهِ وَإِنْ كان بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَارِقَهُ حتى يَقْبِضَ الثَّمَنَ لِأَنَّ الْقَبْضَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ يَكُونُ فَسْخًا في حَقِّ الْكُلِّ وَرَفْعًا لِلْعَقْدِ عن الْأَصْلِ كَأَنَّهُ لم يَكُنْ وَإِعَادَةُ الْمَالِكِ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ كَأَنَّهُ لم يَزُلْ عن مِلْكِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَبْضِ وَالرَّدُّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ يَكُونُ فَسْخًا في حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعًا جَدِيدًا في حَقِّ ثَالِثٍ وَحَقُّ الشَّرْعِ وهو الْقَبْضُ يُعْتَبَرُ ثَالِثًا فَيُجْعَلُ بَيْعًا جَدِيدًا في حَقِّ هذا الْحُكْمِ وَأَمَّا التَّقَابُضُ في بَيْعِ الْمَطْعُومِ بِالْمَطْعُومِ بِجِنْسِهِ أو بِغَيْرِ جِنْسِهِ بِأَنْ بَاعَ قَفِيزَ حِنْطَةٍ بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ أو بقفيز [بقفيزي] شَعِيرٍ وَعَيَّنَا الْبَدَلَيْنِ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِمَا فَهَلْ هو شَرْطٌ اُخْتُلِفَ فيه قال أَصْحَابُنَا ليس بِشَرْطٍ قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ شَرْطٌ حتى لو افْتَرَقَا من غَيْرِ قَبْضٍ عِنْدَنَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَعِنْدَهُ لَا يَثْبُتُ ما لم يَتَقَابَضَا في الْمَجْلِسِ. احْتَجَّ بِقَوْلِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في الحديث الْمَشْهُورِ الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَبِقَوْلِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ وَلِأَنَّ الِافْتِرَاقَ من غَيْرِ تَقَابُضٍ في بَيْعِ المطعو [المطعوم] بِجِنْسِهِ لَا يَخْلُو عن الرِّبَا لِجَوَازِ أَنْ يَقْبِضَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا لِأَنَّ لِلْمَقْبُوضِ فَضْلًا على غَيْرِ الْمَقْبُوضِ فَأَشْبَهَ فَضْلَ الْحُلُولِ على الْأَجَلِ وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّحَرُّزُ عنه بِوُجُوبِ التَّقَابُضِ وَلِهَذَا صَارَ شَرْطًا في الصَّرْفِ كَذَا هذا. وَلَنَا عُمُومَاتُ الْبَيْعِ من نَحْوِ قَوْلِهِ عز وجل: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عن تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وَقَوْلِهِ عز وجل [شأنه]: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} وَغَيْرِ ذلك نهى عن الْأَكْلِ بِدُونِ التِّجَارَةِ عن تَرَاضٍ وَاسْتَثْنَى التِّجَارَةَ عن تَرَاضٍ فَيَدُلُّ على إبَاحَةِ الْأَكْلِ في التِّجَارَةِ عن تَرَاضٍ من غَيْرِ شَرْطِ الْقَبْضِ وَذَلِكَ دَلِيلُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِدُونِ التَّقَابُضِ لِأَنَّ أَكْلَ مَالِ الْغَيْرِ ليس بِمُبَاحٍ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَظَاهِرُ قَوْلِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَدًا بِيَدٍ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ لِأَنَّ الْيَدَ بِمَعْنَى الْجَارِحَةِ ليس بِمُرَادٍ بِالْإِجْمَاعِ فلأن حَمْلَهَا على الْقَبْضِ لِأَنَّهَا آلَةُ الْقَبْضِ فَنَحْنُ نَحْمِلُهَا على التَّعْيِينِ لِأَنَّهَا آلَةُ التَّعْيِينِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْيَدِ سَبَبُ التَّعْيِينِ وَعِنْدَنَا التَّعْيِينُ شَرْطٌ فَسَقَطَ احْتِجَاجُهُ بِالْحَدِيثِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى على أَنَّ الْحَمْلَ على ما قُلْنَا أَوْلَى لِأَنَّ فيه تَوْفِيقًا بين الْكتاب وَالسُّنَّةِ وَهَكَذَا نَقُولُ في الصَّرْفِ أن الشَّرْطَ هُنَاكَ هو التَّعْيِينُ لَا نَفْسُ الْقَبْضِ إلَّا أَنَّهُ قام الدَّلِيلُ عِنْدَنَا أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَإِنَّمَا تَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ فَشَرَطْنَا التَّقَابُضَ لِلتَّعْيِينِ لَا لِلْقَبْضِ وَهَهُنَا التَّعْيِينُ حَاصِلٌ من غَيْرِ تَقَابُضٍ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ الْمَقْبُوضُ خَيْرٌ من غَيْرِ الْمَقْبُوضِ فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا قُلْنَا هذا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لو قُلْنَا بِوُجُوبِ تَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ خَالِيًا عن شَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنْ شُرِطَ الْخِيَارُ فيه لَهُمَا أو لِأَحَدِهِمَا فَسَدَ الصَّرْفُ لِأَنَّ الْقَبْضَ في هذا الْعَقْدِ شَرْطُ بَقَائِهِ على الصِّحَّةِ وَخِيَارُ الْعَقْدِ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ في حَقِّ الْحُكْمِ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ وَلَوْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ قبل الِافْتِرَاقِ ثُمَّ افْتَرَقَا عن تَقَابُضٍ يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَلَوْ لم يَبْطُلْ حتى افْتَرَقَا تَقَدَّرَ الْفَسَادُ وقد ذَكَرْنَا جِنْسَ هذه الْمَسَائِلِ بِدَلَائِلِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ خَالِيًا عن الْأَجَلِ لَهُمَا أو لِأَحَدِهِمَا فَإِنْ شراطاه [شرطاه] لَهُمَا أو لِأَحَدِهِمَا فَسَدَ الصَّرْفُ لِأَنَّ قَبْضَ الْبَدَلَيْنِ مُسْتَحَقٌّ قبل الِافْتِرَاقِ وَالْأَجَلُ يُعْدِمُ الْقَبْضَ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ فَإِنْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْأَجَلِ أَجَلَهُ قبل الِافْتِرَاقِ فَنَقَدَ ما عليه ثُمَّ افْتَرَقَا عن تَقَابُضٍ يَنْقَلِبُ جَائِزًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَهَاتَانِ الشَّرِيطَتَانِ على الحيقيقة [الحقيقة] فريعتان [فرعيتان] لِشَرِيطَةِ الْقَبْضِ إلَّا أَنَّ إحْدَاهُمَا تُؤَثِّرُ في نَفْسِ الْقَبْضِ وَالْأُخْرَى في صِحَّتِهِ على ما بَيَّنَّا وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَيَثْبُتَانِ في هذا الْعَقْدِ لِأَنَّهُمَا لَا يَمْنَعَانِ حُكْمَ الْعَقْدِ فَلَا يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الْقَبْضِ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَثْبُتُ في الْعَيْنِ وهو التِّبْرُ وَالنُّقْرَةُ وَالْمَصُوغُ وَلَا يَثْبُتُ في الدَّيْنِ وهو الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ الْمَضْرُوبَةُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ في الرَّدِّ إذْ الْعَقْدُ لَا يَنْفَسِخُ بِالرَّدِّ لِأَنَّهُ ما وَرَدَ على عَيْنِ الْمَرْدُودِ وَقِيَامُ الْعَقْدِ يَقْتَضِي وِلَايَةَ الْمُطَالَبَةِ بمثله فإذا قَبَضَ يَرُدُّهُ فَيُطَالِبُهُ بِآخَرَ هَكَذَا إلَى ما لَا يَتَنَاهَى. وَكَذَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ في سَائِرِ الْعُقُودِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ ما إذَا كان ثَمَنُ الصَّرْفِ عَيْنًا لِأَنَّ هُنَاكَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِالرَّدِّ فَلَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِعَيْنٍ أُخْرَى فَكَانَ الرَّدُّ مُفِيدًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَيَثْبُتُ في الْوَجْهَيْنِ جميعا لِأَنَّ السَّلَامَةَ عن الْعَيْبِ مَطْلُوبَةٌ عَادَةً فَفَوَاتُهَا يُوجِبُ الْخِيَارَ كما في سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ إلَّا أَنَّ بَدَلَ الصَّرْفِ إذَا كان عَيْنًا فَرَدُّهُ بِالْعَيْبِ يَفْسَخُ الْعَقْدَ سَوَاءٌ رَدَّهُ في الْمَجْلِسِ أو بَعْدَ الِافْتِرَاقِ وَيَرْجِعُ على الْبَائِعِ بِمَا نَقَدَ وَإِنْ كان دَيْنًا بِأَنْ وَجَدَ الدَّرَاهِمَ الْمَقْبُوضَةَ زُيُوفًا أو كَاسِدَةً أو وَجَدَهَا رَائِجَةً في بَعْضِ التِّجَارَاتِ دُونَ الْبَعْضِ وَذَلِكَ عَيْبٌ عِنْدَ التُّجَّارِ فَرَدُّهَا في الْمَجْلِسِ يَنْفَسِخُ بعقد [العقد] بِالرَّدِّ حتى لو اسْتَبْدَلَ مَكَانَهُ مَضَى الصَّرْفُ وأن رَدَّهَا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ بَطَلَ الصَّرْفُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ لِحُصُولِ الِافْتِرَاقِ لَا عن قَبْضٍ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَبْطُلُ إذَا استدل [استبدل] في مَجْلِسِ الرَّدِّ على ما ذَكَرْنَا في السَّلَمِ وَخِيَارُ الْمُسْتَحِقِّ لَا يُبْطِلُ الصَّرْفَ أَيْضًا وَلِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ على تَقْدِيرِ الْإِجَازَةِ وَاحْتِمَالُ الْإِجَازَةِ قَائِمٌ فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ الْمُنْعَقِدُ ظَاهِرًا بِالشَّكِّ ثُمَّ إذَا اسْتَحَقَّ أَحَدَ بَدَلَيْ الصَّرْفِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَإِنْ كان أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ وَالْبَدَلُ قَائِمٌ أو ضَمِنَ النَّاقِدُ وهو هَالِكٌ جَازَ الصَّرْفُ لِأَنَّهُ إذَا كان قَائِمًا كان بِمَحَلِّ الْإِجَازَةِ وَالْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ وإذا كان هَالِكًا ضَمِنَ النَّاقِدُ الْمَضْمُونَ بِالضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ سَلَّمَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَإِنْ اسْتَرَدَّهُ وهو قَائِمٌ أو ضَمِنَ الْقَابِضُ قِيمَتَهُ وهو هَالِكٌ بَطَلَ الصَّرْفُ لِأَنَّهُ نَقَضَ قَبْضَهُ أو تَبَيَّنَ أَنَّهُ لم يَصِحَّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ سَلَّمَ له الْقَبْضَ فَجَازَ الصَّرْفُ وَالله أعلم. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ مَعْلُومًا في بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِشْرَاكِ الوضيعة [والوضيعة] وَالْأَصْلُ في هذه الْعُقُودِ عُمُومَاتُ الْبَيْعِ من غَيْرِ فصل بَيْنِ بَيْعٍ وَبَيْعٍ وقال اللَّهُ عز شَأْنُهُ: {وَابْتَغُوا من فَضْلِ اللَّهِ} وقال عز وجل: {ليس عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا من رَبِّكُمْ} وَالْمُرَابَحَةُ ابْتِغَاءٌ لِلْفَضْلِ من الْبَيْعِ نَصًّا وَرُوِيَ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَةَ اشْتَرَى سَيِّدُنَا أبو بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه بَعِيرَيْنِ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وَلِيَ أَحَدُهُمَا فقال سَيِّدُنَا أبو بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه هو لَك بِغَيْرِ شَيْءٍ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَلَا» فَدَلَّ طَلَبُ التَّوْلِيَةِ على جَوَازِهَا وَرُوِيَ أَنَّ سَيِّدَنَا أَبَا بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه اشْتَرَى بِلَالًا فَأَعْتَقَهُ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم الشَّرِكَةُ يا أَبَا بَكْرٍ فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أَعْتَقْتُهُ لو لم تَكُنْ الشَّرِكَةُ مَشْرُوعَةً لم يَكُنْ لِيَطْلُبَهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وَكَذَا الناس تَوَارَثُوا هذه الْبِيَاعَاتِ في سَائِرِ الإعصار من غَيْرِ نَكِيرٍ وَذَلِكَ إجْمَاعٌ على جَوَازِهَا ثُمَّ الْكَلَامُ في الْمُرَابَحَةِ في مَوَاضِعَ في تَفْسِيرِ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وفي بَيَانِ شَرَائِطِهِ وفي بَيَانِ رَأْسِ الْمَالِ أَنَّهُ ما هو وفي بَيَانِ ما يَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ وما لَا يَلْحَقُ بِهِ وفي بَيَانِ ما يَجِبُ بَيَانُهُ عِنْدَ الْمُرَابَحَةِ مِمَّا تُرِكَ بَيَانُهُ يَكُونُ خِيَانَةً وما لَا يَجِبُ بَيَانُهُ وَتُرِكَ بَيَانُهُ لَا يَكُونُ خِيَانَةً وفي بَيَانِ حُكْمِ الْخِيَانَةِ إذَا ظَهَرَتْ أَمَّا تَفْسِيرُهُ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ في أَوَّلِ الْكتاب وهو أَنَّهُ بَيْعٌ بِمِثْلِ لثمن [الثمن] الْأَوَّلِ مع زِيَادَةِ رِبْحٍ. وَأَمَّا شَرَائِطُهُ فَمِنْهَا ما ذكرناه [ذكرنا] وهو أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ مَعْلُومًا لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ ومع [مع] زِيَادَةِ رِبْحٍ وَالْعِلْمُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ شَرْطُ صِحَّةِ الْبِيَاعَاتِ كُلِّهَا لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ لم يَكُنْ مَعْلُومًا له فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ إلَى أَنْ يَعْلَمَ في الْمَجْلِسِ فَيَخْتَارَ إنْ شَاءَ فَيَجُوزَ أو يَتْرُكَ فَيَبْطُلَ أَمَّا الْفَسَادُ لِلْحَالِ فَلِجَهَالَةِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الثَّمَنَ لِلْحَالِ مَجْهُولٌ وَأَمَّا الْخِيَارُ فَلِلْخَلَلِ في الرِّضَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قد يَرْضَى بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِثَمَنٍ يَسِيرٍ وَلَا يَرْضَى بِشِرَائِهِ بِثَمَنٍ كبير [كثير] فَلَا يَتَكَامَلُ الرِّضَا إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الثَّمَنِ فإذا لم يُعْرَفْ اخْتَلَّ رِضَاهُ وَاخْتِلَالُ الرِّضَا يُوجِبُ الْخِيَارَ وَلَوْ لم يَعْلَمْ حتى افْتَرَقَا عن الْمَجْلِسِ بَطَلَ الْعَقْدُ لِتَقَرُّرِ الْفَسَادِ وقد ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ عِبَارَاتِ الرِّوَايَةِ عن أَصْحَابِنَا عن هذا الْبَيْعِ كَبَيْعِ الشَّيْءِ بِرَقْمِهِ وَنَحْوِ ذلك في بَعْضِهَا أَنَّهُ فَاسِدٌ وفي بَعْضِهَا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ على الْإِجَازَةِ وَالِاخْتِيَارِ إذَا عُلِمَ. وَكَذَلِكَ التَّوْلِيَةُ وَالْإِشْرَاكُ والوضعية [والوضيعة] في اعْتِبَارِ هذا الشَّرْطِ وَالْمُرَابَحَةُ سَوَاءٌ لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ بَيْعٌ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ مَعْلُومًا وَالْإِشْرَاكُ تَوْلِيَةٌ لَكِنَّهُ تَوْلِيَةُ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِبَعْضِ الثَّمَنِ وَالْعِلْمُ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ شَرْطُ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالْوَضِيعَةُ بَيْعٌ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مع نُقْصَانِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ منه فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ مَعْلُومًا لِيُعْلَمَ قَدْرُ النُّقْصَانِ منه. وَعَلَى هذا يُخَرَّجُ ما إذَا اشْتَرَى رَجُلَانِ جُمْلَةً مِمَّا له مِثْلٌ فَاقْتَسَمَاهَا ثُمَّ أَرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ مُرَابَحَةً إنه يَجُوزُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ وَإِنْ كانت لَا تَخْلُو عن مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ حَقِيقَةً لَكِنَّ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ في قِسْمَةِ الْمُتَمَاثِلَاتِ ساقذ [ساقط] شَرْعًا بَلْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فيها تَمْيِيزًا لِلنَّصِيبِ وَإِفْرَازًا مَحْضًا وإذا كان كَذَلِكَ فما يَصِلُ إلَى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَأَنَّهُ عَيْنُ ما كان له قبل الْقِسْمَةِ فَكَانَ يَجُوزُ له أَنْ يَبِيعَ له نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً قبل الْقِسْمَةِ كَذَا بَعْدَهَا وَإِنْ اشْتَرَيَا جُمْلَةً مِمَّا لَا مِثْلَ له فَاقْتَسَمَاهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يبي [يبيع] حِصَّتَهُ ومرابحته [مرابحة] لِأَنَّ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ في قِسْمَةِ هذا النَّوْعِ مُعْتَبَرَةٌ إذْ الْأَصْلُ اعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ فَكَانَ ما يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْقِسْمَةِ نِصْفَهُ مِلْكُهُ وَنِصْفَهُ بَدَلُ مِلْكِهِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً كما إذَا اشْتَرَى عَرَضًا بِعَرَضٍ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَوْ أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ في ثَوْبَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ من جِنْسٍ وَاحِدٍ وَنَوْعٍ وَاحِدٍ وَصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَطُولٍ وَاحِدٍ حتى جَازَ السَّلَمُ بِالْإِجْمَاعِ ولم يُبَيِّنْ حِصَّةَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا من رَأْسِ الْمَالِ فَحَلَّ الْأَجَلُ له أَنْ يَبِيعَهُمَا جميعا مُرَابَحَةً على الْعَشَرَةِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا مُرَابَحَةً على خَمْسَةٍ لم يَجُزْ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجُوزُ وَلَوْ كان بين حِصَّةِ كل وَاحِدٍ من الثَّوْبَيْنِ من رَأْسِ الْمَالِ جَازَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً على خَمْسَةٍ بِالْإِجْمَاعِ لَهُمَا إن الْمَقْبُوضَ هو الْمُسْلَمُ فيه وَالْمِلْكُ في الْمُسْلَمِ فيه يَثْبُتُ بِعَقْدِ السَّلَمِ وَعَقْدُ السَّلَمِ أَوْجَبَ انْقِسَامَ الثَّمَنِ وهو رَأْسُ الْمَالِ على الثَّوْبَيْنِ الْمَقْبُوضَيْنِ على السَّوَاءِ لِاتِّفَاقِهِمَا في الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ فَكَانَتْ حِصَّةُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْلُومَةً فَتَجُوزُ الْمُرَابَحَةُ عَلَيْهِمَا كما إذَا أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ في كرى حِنْطَةٍ فَحَلَّ السَّلَمُ وَقَبَضَهُمَا ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَقْبُوضَ ليس عَيْنَ الْمُسْلَمِ فيه لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فيه دَيْنٌ حَقِيقَةً وَقَبْضُ الدَّيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ فلم يَكُنْ الْمَقْبُوضُ مَمْلُوكًا بِعَقْدِ السَّلَمِ بَلْ بِالْقَبْضِ فَكَانَ الْقَبْضُ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ الْعَقْدِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُمَا جميعا ابْتِدَاءً ولم يُبَيِّنْ حِصَّةَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِيمَا لَا مِثْلَ له وَيَجُوزُ فِيمَا له مِثْلٌ على ما ذَكَرْنَا كَذَا هذا وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مَعْلُومًا لِأَنَّهُ بَعْضُ الثَّمَنِ وَالْعِلْمُ بِالثَّمَنِ شَرْطُ صِحَّةِ الْبِيَاعَاتِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ من ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وهو شَرْطُ جَوَازِ الْمُرَابَحَةِ على الإطلاق وَكَذَلِكَ التَّوْلِيَةُ. وَبَيَانُ ذلك أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا له مِثْلٌ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ المقاربة [المتقاربة] وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا مِثْلَ له من الذَّرْعِيَّاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ فَإِنْ كان مِمَّا له مِثْلٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً على الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وتوليه مُطْلَقًا سَوَاءٌ بَاعَهُ من بَائِعِهِ أو من غَيْرِهِ وسوءا [وسواء] جَعَلَ الرِّبْحَ من جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ في الْمُرَابَحَةِ أو من خِلَافِ جِنْسِهِ بَعْدَ أَنْ كان الثَّمَنُ الْأَوَّلُ مَعْلُومًا وَالرِّبْحُ مَعْلُومًا وَإِنْ كان مِمَّا لَا مِثْلَ له من الْعُرُوضِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً وَلَا توليه مِمَّنْ ليس ذلك الْعَرَضُ في مِلْكِهِ لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ التَّوْلِيَةُ فإذا لم يَكُنْ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ مِثْلَ جِنْسِهِ فَإِمَّا أَنْ يَقَعَ الْبَيْعُ على غَيْرِ ذلك الْعَرَضِ وَإِمَّا أَنْ يَقَعَ على قِيمَتِهِ وَعَيْنُهُ ليس في مِلْكِهِ وَقِيمَتُهُ مَجْهُولَةٌ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ لِاخْتِلَافِ أَهْلِ التَّقْوِيمِ فيها. وَيَجُوزُ بَيْعُهُ تَوْلِيَةً مِمَّنْ الْعَرَضُ في مِلْكِهِ وَيَدِهِ وَأَمَّا بَيْعُهُ مُرَابَحَةً مِمَّنْ الْعَرَضُ في مِلْكِهِ وَيَدِهِ فَيُنْظَرُ أن جَعَلَ الرِّبْحَ شيئا مُفْرَدًا عن رَأْسِ الْمَالِ مَعْلُومًا كَالدَّرَاهِمِ وَثَوْبٍ مُعَيَّنٍ وَنَحْوِ ذلك جَازَ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ مَعْلُومٌ وَالرِّبْحَ مَعْلُومٌ وَإِنْ جَعَلَ الرِّبْحَ جُزْءًا من رَأْسِ الْمَالِ بِأَنْ قال بِعْتُكَ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ بِرِبْحِ ده يا زده لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الرِّبْحَ جزأ من الْعَرَضِ وَالْعَرَضُ ليس مُتَمَاثِلَ الْأَجْزَاءِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذلك بِالتَّقَوُّمِ وَالْقِيمَةُ مَجْهُولَةٌ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهَا بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ. وَأَمَّا بَيْعُهُ مُوَاضَعَةً مِمَّنْ الْعَرَضُ في يَدِهِ وَمِلْكِهِ فَالْجَوَابُ فيها على الْعَكْسِ من الْمُرَابَحَةِ وهو أَنَّهُ إنْ جَعَلَ الْوَضِيعَةَ شيئا مفردا [منفردا] عن رَأْسِ الْمَالِ مَعْلُومًا كَالدَّرَاهِمِ وَنَحْوِهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى وَضْعِ ذلك الْقَدْرِ عن رَأْسِ الْمَالِ وهو مَجْهُولٌ وَإِنْ جَعَلَهَا من جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ بِأَنْ بَاعَهُ بِوَضْعِ ده يا زده جَازَ الْبَيْعُ بِعَشَرَةِ أَجْزَاءٍ من أَحَدَ عَشَرَ جزأ من رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ جُزْءٌ شَائِعٌ من رَأْسِ مَالٍ مَعْلُومٍ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الثَّمَنُ في الْعَقْدِ الْأَوَّلِ مُقَابَلًا بِجِنْسِهِ من أَمْوَالِ الرِّبَا فَإِنْ كان بِأَنْ اشْتَرَى الْمَكِيلَ أو الْمَوْزُونَ بِجِنْسِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ لم يَجُزْ له أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَزِيَادَةٍ وَالزِّيَادَةُ في أَمْوَالِ الرِّبَا تَكُونُ رِبًا لَا رِبْحًا وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُوَاضَعَةً لِمَا قُلْنَا وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ تَوْلِيَةً لِأَنَّ الْمَانِعَ هو تَحَقُّقُ الرِّبَا ولم يُوجَدْ في التَّوْلِيَةِ وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ من غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَكَذَا الْإِشْرَاكُ لِأَنَّهُ تَوْلِيَةٌ لَكِنْ بِبَعْضِ الثَّمَنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَمَّا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَلَا بَأْسَ بِالْمُرَابَحَةِ حتى لو اشْتَرَى دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَبَاعَهُ بِرِبْحِ دِرْهَمٍ أو ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ جَازَ لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَزِيَادَةٍ وَلَوْ بَاعَ دِينَارًا بِأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا أو بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَثَوْبٍ كان جَائِزًا كَذَا هذا وَلَوْ بَاعَ الدِّينَارَ بِرِبْحِ ذَهَبٍ بِأَنْ قال بِعْتُكَ هذا الدِّينَارَ الذي اشْتَرَيْتُهُ بِرِبْحِ قِيرَاطَيْنِ لم يَجُزْ عِنْدَ أبي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ جَازَ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَزِيَادَةٍ كَأَنَّهُ بَاعَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقِيرَاطَيْنِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَطَرِيقُ جَوَازِهِ أَنْ يَكُونَ الْقِيرَاطَانِ بِمِثْلِهِمَا من الدِّينَارِ وَالْعَشَرَةِ بِبَقِيَّةِ الدِّينَارِ كَذَا هذا. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ في تَجْوِيزِ هذا تَغْيِيرُ الْمُرَابَحَةِ لِأَنَّ الْمُتَصَارِفَيْنِ جَعَلَا الْعَشَرَةَ رَأْسَ الْمَالِ وَالدَّرَاهِمَ رِبْحًا فَلَوْ جَوَّزْنَا على ما قَالَهُ مُحَمَّدٌ لَصَارَ الْقِيرَاطُ رَأْسَ مَالٍ وَبَعْضُ الْعَشَرَةِ رِبْحًا وَفِيهِ تَغْيِيرُ الْمُقَابَلَةِ وَإِخْرَاجُهَا عن كَوْنِهَا مُرَابَحَةً فَلَا يَصِحُّ وَلَوْ اشْتَرَى سَيْفًا مُحَلَّى بِفِضَّةٍ وَحِلْيَتُهُ خَمْسُونَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِرِبْحِ دِرْهَمٍ أو بِرِبْحِ دِينَارٍ أو بِرِبْحِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَزِيَادَةِ رِبْحٍ وَالرِّبْحُ يَنْقَسِمُ على كل الثَّمَنِ لِأَنَّهُ جُعِلَ رِبْحَ كل الثَّمَنِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَنْقَسِمَ على كُلِّهِ لِيَكُونَ مُرَابَحَةً على كل الثَّمَنِ وَمَتَى انْقَسَمَ على الْكُلِّ كان لِلْحِلْيَةِ حِصَّةٌ من الرِّبْحِ لَا مَحَالَةَ فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ وَالله أعلم. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ صَحِيحًا فَإِنْ كان فَاسِدًا لم يَجُزْ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مع زِيَادَةِ رِبْحٍ وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ وَإِنْ كان يُفِيدُ الْمِلْكَ في الْجُمْلَةِ لَكِنْ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ أو بمثله لَا بِالثَّمَنِ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ.
وَأَمَّا بَيَانُ رَأْسِ الْمَالِ فَرَأْسُ الْمَالِ ما لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ بِالْعَقْدِ لَا ما نَقَدَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَالثَّمَنُ الْأَوَّلُ هو ما وَجَبَ بِالْبَيْعِ فَأَمَّا ما نَقَدَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَذَلِكَ وَجَبَ بِعَقْدٍ آخَرَ وهو الِاسْتِبْدَالُ فَيَأْخُذُ من االمشتري [المشتري] الثَّانِي الْوَاجِبَ بِالْعَقْدِ لَا الْمَنْقُودَ بَعْدَهُ وَكَذَلِكَ التَّوْلِيَةُ. وَبَيَانُ هذا الْأَصْلِ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَنَقَدَ مَكَانَهَا دِينَارًا أو ثَوْبًا فَرَأْسُ الْمَالِ هو الْعَشَرَةُ لَا الدِّينَارُ وَالثَّوْبُ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ هِيَ التي وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا الدِّينَارُ أو الثَّوْبُ بَدَلُ الثَّمَنِ الْوَاجِبِ وَكَذَلِكَ لو اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ جِيَادٍ وَنَقَدَ مَكَانهَا الزُّيُوفَ وَتَجَوَّزَ بها الْبَائِعُ الْأَوَّلُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي نَقْدُ الْجِيَادِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ هِيَ خِلَافُ نَقْدِ الْبَلَدِ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً فَإِنْ ذَكَرَ الرِّبْحَ مُطْلَقًا بِأَنْ قال أَبِيعُكَ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَرِبْحِ دِرْهَمٍ كان على الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَشَرَةٌ من جِنْسِ ما نَقَدَ وَالرِّبْحُ من دَرَاهِمِ نَقْدِ الْبَلَدِ لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَالثَّمَنُ الْأَوَّلُ هو الْوَاجِبُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ وهو عَشَرَةٌ وَهِيَ خِلَافُ نَقْدِ الْبَلَدِ فَيَجِبُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي مِثْلُهَا وَالرِّبْحُ من نَقْدِ الْبَلَدِ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الرِّبْحَ وما أَضَافَهُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ وهو نَقْدُ الْبَلَدِ وَإِنْ أَضَافَ الرِّبْحَ إلَى الْعَشَرَةِ بِأَنْ قال أَبِيعُكَ بِرِبْحِ الْعَشَرَةِ أو بِرِبْحِ ده يا زده فَالْعَشَرَةُ وَالرِّبْحُ من جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَمَّا إذَا قال بِرِبْحِ الْعَشَرَةِ فَلِأَنَّهُ أَضَافَ الرِّبْحَ إلَى تِلْكَ الْعَشَرَةِ إذَا كان من جِنْسِهَا وَأَمَّا إذَا قال بِرِبْحِ ده يا زده فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الرِّبْحَ جزأ من الْعَشَرَةِ فَكَانَ من جِنْسِهَا ضَرُورَةً. وَعَلَى هذا يُخَرَّجُ ما إذَا زَادَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ الْأَوَّلَ في الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَقَبِلَ أَنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً على الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ جميعا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيَصِيرُ في التَّقْدِيرِ كَأَنَّ الْعَقْدَ على الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ جميعا فَكَانَ الْأَصْلُ مع الزِّيَادَةِ رَأْسِ الْمَالِ لِوُجُوبِهِمَا بِالْعَقْدِ تَقْدِيرًا فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَيْهِمَا وَكَذَا لو حَطَّ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ عن الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ فإنه يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً على الثَّانِي بَعْدَ الْحَطِّ لِأَنَّ الْحَطَّ أَيْضًا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَكَانَ الْبَاقِي بَعْدَ الْحَطِّ رَأْسَ الْمَالِ وهو الثَّمَنُ الْأَوَّلُ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عليه وَلَوْ حَطَّ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ عن الْمُشْتَرِي بَعْدَ ما بَاعَهُ الْمُشْتَرِي حَطَّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ ذلك الْقَدْرَ عن الْمُشْتَرِي الثَّانِي مع حِصَّتِهِ من الرِّبْحِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَطَّ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيَصِيرُ رَأْسُ الْمَالِ وهو الثَّمَنُ الْأَوَّلُ ما وَرَاءَ قَدْرِ الْمَحْطُوطِ فَيَحُطُّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عن الْمُشْتَرِي الثَّانِي ذلك الْقَدْرَ وَيَحُطُّ حِصَّتَهُ من الرِّبْحِ أَيْضًا لِأَنَّ قَدْرَ الرِّبْحِ يَنْقَسِمُ على جَمِيعِ الثَّمَنِ فإذا حَطَّ شيئا من ذلك الثَّمَنِ لَا بُدَّ من حَطِّ حِصَّتِهِ من الرِّبْحِ بِخِلَافِ ما إذَا بَاعَ مُسَاوَمَةً ثُمَّ حَطَّ عن الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ شيء من الثَّمَنِ أَنَّهُ لَا يَحُطُّ ذلك عن الْمُشْتَرِي الثَّانِي لِأَنَّ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ أَصْلٌ في بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ في بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو اشْتَرَى عَبْدَيْنِ قِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ بَاعَهُمَا مُسَاوَمَةً انْقَسَمَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا على الْقِيمَةِ نِصْفَيْنِ وَلَوْ بَاعَهُمَا مُرَابَحَةً أو تَوْلِيَةً انْقَسَمَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا على قَدْرِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَثْلَاثًا لَا على قَدْرِ الْقِيمَةِ دَلَّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَصْلٌ في بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ في بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ فَالْحَطُّ عن الثَّمَنِ الْأَوَّلِ في بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ يُوجِبُ الْحَطَّ عن الثَّمَنِ الثَّانِي وَلَا يُوجِبُ في الْمُسَاوَمَةِ وَهَذَا الذي ذَكَرْنَا على أَصْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ على الثَّمَنِ تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَكَذَا الْحَطُّ عنه وَيَصِيرُ كَأَنَّ الْعَقْدَ في الِابْتِدَاءِ وَقَعَ على هذا الْقَدْرِ فَأَمَّا على أَصْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ فَالزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ زِيَادَةً في الثَّمَنِ وَحَطًّا عنه وَإِنَّمَا يَصِحُّ هِبَةً مُبْتَدَأَةً وَالْمَسْأَلَةُ تَأْتِي في مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا بَيَانُ ما يَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ وما لَا يَلْحَقُ بِهِ فَنَقُولُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَلْحَقَ بِرَأْسِ الْمَالِ أُجْرَةُ الْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وَالْغَسَّالِ وَالْفَتَّالِ وَالْخَيَّاطِ وَالسِّمْسَارِ وَسَائِقِ الْغَنَمِ وَالْكِرَاءُ وَنَفَقَةُ الرَّقِيقِ من طَعَامِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ وما لَا بُدَّ لهم منه بِالْمَعْرُوفِ وَعَلَفُ الدَّوَابِّ وَيُبَاعُ مُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً على الْكُلِّ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيمَا بين التُّجَّارِ أَنَّهُمْ يُلْحِقُونَ هذه الْمُؤَنَ بِرَأْسِ الْمَالِ وَيَعُدُّونَهَا منه وَعُرْفُ الْمُسْلِمِينَ وَعَادَتُهُمْ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ. قال النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام ما رأه الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يقول عِنْدَ الْبَيْعِ اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا وَلَكِنْ يقول قام عَلَيَّ بِكَذَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَذِبٌ وَالثَّانِيَ صِدْقٌ وَأَمَّا أُجْرَةُ الرَّاعِي وَالطَّبِيبِ وَالْحَجَّامِ وَالْخَتَّانِ وَالْبَيْطَارِ وَجُعْلِ الْآبِقِ وَالْفِدَاءِ عن الْجِنَايَةِ وما أَنْفَقَ على نَفْسِهِ وَعَلَى الرَّقِيقِ من تَعْلِيمِ صِنَاعَةٍ أو قُرْآنٍ أو شِعْرٍ فَلَا يَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَيُبَاعُ مُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً على الثَّمَنِ الْأَوَّلِ الْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ لَا غير لِأَنَّ الْعَادَةَ ما جَرَتْ من التُّجَّارِ بِإِلْحَاقِ هذه الْمُؤَنِ بِرَأْسِ الْمَالِ وقال عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ما رَآهُ الْمُسْلِمُونَ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ وَكَذَا الْمُضَارِبُ ما أَنْفَقَ على الرَّقِيقِ من طَعَامِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ وما لَا بُدَّ لهم منه بِالْمَعْرُوفِ يَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ وما أَنْفَقَ على نَفْسِهِ في سَفَرِهِ لَا يَلْحَقُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا عَادَةَ فيه وَالتَّعْوِيلُ في هذا الْباب على الْعَادَةِ وَالله أعلم.
|