الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
جمع نمرقة بضم النون والراء وبكسرهما وفتحهما وبغير هاء {مصفوفة} صف بعضها إلى جنب بعض للاستناد إليها والاتكاء عليها وقال الكلبي وسائد موضوعة بعضها إلى جنب بعض كالشيء الذي جعل صفاً أينما أراد أن يجلس المؤمن جلس على واحدة واستند إلى أخرى وعلى رأسه وصائف كأنهن الياقوت والمرجان.{وَزَرَابِيُّ} وبسط فاخرة كما قال غير واحد وقال الفراء هي الطنافس التي لها خمل رقيق وقال الراغب: إنها في الأصل ثياب محبرة منسوبة إلى موضع ثم استعيرت للبسط واحدها زربية مثلثة الزاي ولم يفرق في الصحاح بين الزرابي والنمارق والظاهر الفرق نعم قيل قد جاء نمارق بمعنى الزرابي ومنه: لظهور أن الوسائد لا يمشي عليها عادة {مبثوثة} مبسوطة أو مفرقة في المجالس. اهـ.
أي لا ضَبّ بها إذ الضب لا يخلو من الإِنجِحَار.واللغو: الكلام الذي لا فائدة له، وهذا تنبيه على أن الجنة دار جد وحقيقة فلا كلام فيها إلا لفائدة لأن النفوس فيها تخلصت من النقائص كلها فلا يلذّ لها إلا الحقائق والسمو العقلي والخُلُقي، ولا ينطقون إلا ما يزيد النفوس تزكية.وجملة: {لا تسمع فيها لاغية} صفة ثآنية لـ: {جنة} [الغاشية: 10] تُرك عطفها على الصفة التي قبلها لأن النعوت المتعددة يجوز أن تعطف ويجوز أن تفصل دون عطف قال في (التسهيل): ويجوز عطف بعض النعوت على بعض.وقال المرادي في (شرحه) نحو قوله تعالى: {الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى} [الأعلى: 2 4].وقال: ولا يعطف إلا بالواو ما لم يكن ترتيب: فبالفاء كقوله: قال السهيلي: والعطف بـ: (ثم) جوازه بعيد.اهـ.قال الدماميني: وكذا في الجمل نحو مررت برجل يحفظ القرآن ويعرف الفقه ويتقي إلى الله، قال: ونص الواحدي في قوله تعالى: {لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم} [آل عمران: 118].أن لا يألونكم وما بعده من الجمل (أي الثلاث) لا يكون صفات، لعدم العاطف لكن ظاهر سكوت الجمهور عن وجوب العطف يشعر بجوازه فيها (أي الجمل) كالمفردات اهـ.ابتدئ في تعداد صفات الجنة بصفتها الذاتية وهو كونها {عالية}، وثُني بصفة تنزيهها عمّا يعدّ من نقائص مجامع الناس ومساكن الجماعات وهو الغوغاء واللغو، وقد جردت هذه الجملة من أن تعطف على {عالية} [الغاشية: 10] مراعاة لعدم التناسب بين المفردات والجمل وذلك حقيق بعدم العطف لأنه أشد من كمال الانقطاع في عطف الجمل.وهذا وصف للجنة بحسن سكانها.وقرأ نافع {لا تسمع} بمثناة فوقية مضمومة و{لاغية} نائب فاعل.وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ورويس عن يعقوب بمثناة تحتية مضمومة وبرفع {لاغية} أيضًا فأُجري الفعل على التذكير لأن {لاغية} ليس حقيقي التأنيث وحسَّنه وقوع الفصل بين الفعل وبين المسند إليه.وقرأه ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر وروْح عن يعقوب بفتح المثناة الفوقية وبنصب {لاغية}، والتاء لخطاب غير المعين.{فِيهَا عين جارية (12)}صفة ثالثة لـ: {جنة} [الغاشية: 10].فالمراد جنس العيون كقوله تعالى: {علمت نفس ما أحضرت} [التكوير: 14]، أي علمت النفوس، وهذا وصف للجنة باستكمالها محاسن الجنات قال تعالى: {أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً} [الإسراء: 91].وإنما لم تعطف على الجملة التي قبلهما لاختلافهما بالفعلية في الأولى والإسمية في الثانية، وذلك الاختلاف من محسنات الفصل ولأن جملة: {لا تسمع فيها لاغية} مقصود منها التنزه عن النقائص وجملة: {فيها عين جارية} مقصود منها إثبات بعض محاسنها.{فِيهَا سُرُرٌ مرفوعة (13) وَأَكْوَابٌ موضوعة (14) وَنَمَارِقُ مصفوفة (15) وَزَرَابِيُّ مبثوثة (16)}صفة رابعة لـ: {جنة}.وأعيد قوله: {فيها} دون أن يعطف {سرر} على {عين} [الغاشية: 12] عطف المفردات لأن عطف السرر على {عين} يبدو نابياً عن الذوق لعدم الجامع بين عين الماء والسرر في الذهن لولا أن جمعها الكون في الجنة فلذلك كرر ظرف {فيها} تصريحاً بأن تلك الظرفية هي الجامع، ولأن بين ظرفية العين الجارية في الجنة وبين ظرفية السرر وما عطف عليه من متاع القصور والأثاث تفاوتاً ولذلك عطف {وأكواب}، {ونمارق}، {وزرابي}، لأنها متماثلة في أنها من متاع المساكن الفائقة.وهذا وصف لمحاسن الجنة بمحاسن أثاث قصورها فضمير {فيها} عائد للجنة باعتبار أن ما في قصورها هو مظروف فيها بواسطة.و{سُرر}: جمع سرير، وهو ما يُجلس عليه ويضطجع عليه فيسع الإنسان المضطجع، يتخذ من خشب أو حديد له قوائم ليكون مرتفعاً عن الأرض.ولما كان الارتفاع عن الأرض مأخوذاً في مفهوم السرر كان وصفها بـ: {مرفوعة} لتصوير حُسنها.و{الأكواب}: جمع كُوب بضم الكاف، وهو إناء للخَمر له ساق ولا عروة له.و{موضوعة}: أي لا ترفع من بين أيديهم كما تُرفع آنية الشراب في الدنيا إذا بلغ الشاربون حد الاستطاعة من تناول الخمر، وكني بـ: {موضوعة} عن عدم انقطاع لذة الشراب طَعماً ونشوة، أي موضوعة بما فيها من أشربة.وبَينَ {مرفوعة} و{موضوعة}، إيهَام الطِّباق لأن حقيقة معنى الرفع ضد حقيقة معنى الوضع، ولا تضادَّ بين مجاز الأول وحقيقة الثاني ولكنه إيهام التضاد.والنَّمارق: جمع نُمرقة بضم النون وسكون ميم بعدها راء مضمومة وهي الوسادة التي يَتكئ عليها الجالس والمضطجعُ.و{مصفوفة}: أي جُعل بعضها قريباً من بعض صفاً، أي أينما أراد الجالس أن يجلس وجدها.و{زرابيّ}: جمع زَرْبيَّة بفتح الزاي وسكون الراء وكسر الموحدة وتشديد الياء، وهي البساط أو الطُنفسة (بضم الطاء) المنسوج من الصوف الملون الناعم يفرش في الأرض للزينة والجلوس عليه لأهل الترف واليسار.والزربية نسبة إلى (أذربيجان) بلدٍ من بلاد فارس وبخَارى، فأصل زربية أذربية، حذفت همزتها للتخفيف لثقل الاسم لعجمته واتصال ياء النسب به، وذَالها مبدَلة عن الزاي في كلام العرب لأن اسم البلد في لسان الفرس أزربيجان بالزاي المعجمة بعدها راء مهملة وليس في الكلام الفارسي حرف الذال، وبلد (أذرْبيجان) مشهور بنعومة صوف أغنامه.واشتهر أيضًا بدقة صنع البُسُط والطنافس ورقّة خَمَلها.والمبثوثة: المنتشرة على الأرض بكثرة وذلك يفيد كناية عن الكثرة.وقد قوبلت صفات وجوه أهل النار بصفات وجوه أهل الجنة فقوبلت صفات {خاشعة} [الغاشية: 2]، {عاملة ناصبة} [الغاشية: 3] بصفات {ناعمة لسعيها راضية} [الغاشية: 8، 9]، وقوبل قوله: {تصلى ناراً حامية} [الغاشية: 4] بقوله: في {جنة عالية} [الغاشية: 10].وقوبل: {تسقى من عين آنية} [الغاشية: 5] بقوله: {فيها عين جارية} [الغاشية: 12]، وقوبل شقاء عيش أهل النار الذي أفاده قوله: {ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع} [الغاشية: 6، 7]، بمقاعد أهل الجنة المشعرةِ بترف العيش من شراب ومتاع.وهذا وعد للمؤمنين بأن لهم في الجنة ما يعرفون من النعيم في الدنيا وقد علموا أن ترف الجنة لا يبلغه الوصف بالكلام وجمع ذلك بوجه الإِجمال في قوله تعالى: {وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين} [الزخرف: 71]، ولكن الأرواح ترتاح بمألوفاتها فتعطاها فيكون نعيم أرواح الناس في كل عصر ومن كل مصر في الدرجة القصوى مما ألفوه ولاسيما ما هو مألوف لجميع أهل الحضارة والترف وكانوا يتمنونه في الدنيا ثم يُزادون من النعيم «ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر». اهـ.
|