الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: 122] فما وجه اختصاص المستقبل هاهنا بالذكر وهلا قال: فلولا صدقتم؟ نقول: هذا كلام معهم في الدنيا والإسلام فيها مقبول ويجب ما قبله فقال: لم لا تصدقون في ساعتكم، والدلائل واضحة مستمر والفائدة حاصلة، فأما في قوله: {فَلَوْلاَ نَفَرَ} لم تكن الفائدة تحصل إلا بعد مدة فقال: لو سافرتم لحصل لكم الفائدة في الحال وقد فات ذلك، فإن كنتم لا تسافرون في الحال تفوتكم الفائدة أيضًا في الاستقبال. اهـ.
وجعل بعضهم {الهيم} هنا جمع الهيماء، وقيل: هو جمع هائم أو هائمة، وجمع فاعل على فعل كبازل وبزل شاذ، وعن ابن عباس أيضًا.وسفيان {الهيم} الرمال التي لا تروى من الماء لتخلخلها ومفرده هيام بفتح الهاء على المشهور كسحاب وسحب ثم خفف وفعل به ما فعل بجمع أبيض من قلب الضمة كسرة لتسلم الياء ويخف اللفظ فكسرت الهاء لأجل الياء وهو قياس مطرد في بابه، وقال ثعلب: هو بالضم كقراد وقرد ثم خفف وفعل به ما فعل مما سمعت والعطف بالفاء قيل: لأن الإفراط بعد الأصلي، وقيل: لأن كلا من المتعاطفين أخص من الآخر فإن شارب الحميم قد لا يكون به داء الهيام ومن به داء الهيام قد يشرب غير الحميم، والشرب الذي لا يحصل الري ناشيء عن شرب الحميم لأنه لا يبل الغليل، والذي اختاره ما قاله مفتي الديار الرومية: إن ذلك كالتفسير لما قبله أي لا يكون شربكم شربًا معتادًا بل يكون مثل شرب الهيم، والشرب بالضم مصدر، وقيل: اسم لما يشرب، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى جماعة منهم الحاكم وصححه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما {شُرْبَ} بفتح الشين وهو مصدر شرب المقيس، وبذلك قرأ جمع من السبعة والأعرج وابن المسيب وشعيب ومالك بن دينار وابن جريج.وقرأ مجاهد وأبو عثمان النهدي بكسر الشين وهو اسم بمعنى المشروب لا مصدر كالطحن والرعي.{هذا} الذي ذكر من ألوان العذاب {نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدين} يوم الجزاء فإذا كان ذلك نزلهم وهو ما يقدم للنازل مما حضر فما ظنك بما لهم بعدما استقر لهم القرار واطمأنت لهم الدار في النار، وفي جعله نزلًا مع أنه مما يكرم به النازل من التهكم ما لا يخفى، ونظير ذلك قوله: وقرأ ابن محيصن، وخارجة عن نافع، ونعيم، ومحبوب، وأبو زيد، وهرون، وعصمة وعباس كلهم عن أبي عمرو {نزلهم} بتسكين الزاي المضمومة للتخفيف كما في البيت، والجملة مسوقة من جهته سبحانه وتعالى بطريق الفذلكة مقررة لمضمون الكلام الملقن غير داخلة تحت القول، وقوله تعالى: {نَحْنُ خلقناكم فَلَوْلاَ تُصَدّقُونَ} تلوين للخطاب وتوجيه له إلى الكفرة بطريق الإلزام والتبكيت والفاء لترتيب التحضيض على ما قبلها أي فهلا تصدقون بالخلق بقرينة {نَحْنُ خلقناكم} ولما لم يحقق تصديقهم المشعر به قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقولنَّ الله} [لقمان: 25] عملهم حيث لم يقترن بالطاعة والأعمال الصالحة بل اقترن بما ينبىء عن خلافه من الشرك والعصيان نزل منزلة العدم والإنكار فحضوا على التصديق بذلك، وقيل: المراد فهلا تصدقون بالبعث لتقدمه وتقدم إنكاره في قولهم: {أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [الواقعة: 47] فيكون الكلام إشارة إلى الاستدلال بالإبداء على الإعادة فإن من قدر عليه قدر عليها حتمًا، والأول هو الوجه كما يظهر مما بعد إن شاء الله تعالى. اهـ.
|