الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وأنشد غيره: قال الفراء وحكى بعض بني أسد أنه قال هذا خط يدا أخي أعرفه.وقال قطرب هؤلاء يقولون: رأيت رجلان واشتريت ثوبان قال رجل من بني ضبة جاهلي: وقوله: ومنخرين على اللغة الفاشية وما وراء ذلك على لغة هؤلاء.وقال آخر: وقال آخر: قال بعضهم: الأخطبان ذكر الصردان، فصيرهما واحدًا فبقي الاستدلال بقوله صريف ناباه، قال: وأنشدني يونس لبعض بني الحرث: وأنشدوا أيضًا: وقال ابن جني روينا عن قطرب: ثم قال الفراء وذلك وإن كان قليلًا أقيس لأن ما قبل حرف التثنية مفتوح، فينبغي أن يكون ما بعده ألفًا ولو كان ما بعده ياء ينبغي أن تنقلب ألفًا لانفتاح ما قبلها وقطرب ذكر أنهم يفعلون ذلك فرارًا إلى الألف التي هي أخف حروف المد هذا أقوى الوجوه في هذه الآية ويمكن أن يقال أيضًا: الألف في هذا من جوهر الكلمة والحرف الذي يكون من جوهر الكلمة لا يجوز تغييره بسبب التثنية والجمع لأن ما بالذات لا يزول بالعرض فهذا الدليل يقتضي أن لا يجوز أن يقال: إن هذين فلما جوزناه فلا أقل من أن يجوز معه أن يقال إن هذان.الوجه الثاني: في الجواب أن يقال إن هاهنا بمعنى نعم قال الشاعر: أي فقلت نعم فالهاء في إنه هاء السكت كما في قوله تعالى: {هَلَكَ عَنّي سلطانيه} [الحاقة: 29] وقال أبو ذؤيب: أي نعم إن من البلى فصار إن كأنه قال نعم هذان لساحران، واعترضوا عليه فقالوا: اللام لا تدخل في الخبر على الاستحسان إلا إذا كانت إن داخلة في المبتدأ، فأما إذا لم تدخل أن على المبتدأ فمحل اللام المبتدأ إذ يقال لزيد اعلم من عمرو ولا يقال زيد لأعلم من عمرو، وأجابوا عن هذا الاعتراض من وجهين، الأول: لا نسلم أن اللام لا يحسن دخولها على الخبر والدليل عليه قوله: وقال آخر: وأنشد قطرب: وإن رويت إن بالكسر لم يبق الاستدلال إلا أن قطربًا قال: سمعناه مفتوح الهمزة وأيضًا فقد أدخلت اللام في خبر أمسى، قال ابن جني أنشدنا أبو علي: وقال قطرب وسمعنا بعض العرب يقول: أراك المسالمي وإني رأيته لشيخًا وزيد والله لواثق بك وقال كثير: وقال آخر: وقال المعترض هذه الأشعار من الشواذ وإنما جاءت كذا لضرورة الشعر وجل كلام الله تعالى عن الضرورة وإنما تقرر هذا الكلام إذا بينا أن المبتدأ إذا لم يدخل عليه إن وجب إدخال اللام عليه لا على الخبر وتحقيقه أن اللام تفيد تأكيد موصوفية المبتدأ بالخبر واللام تدل على حالة من حالات المبتدأ وصفة من صفاته فوجب دخولها على المبتدأ لأن العلة الموجبة لحكم في محل لابد وأن تكون مختصة بذلك المحل لا يقال هذا مشكل بما إذا دخلت إن على المبتدأ فإن هاهنا يجب إدخال اللام على الخبر مع أن ما ذكرتموه حاصل فيه لأنا نقول ذلك لأجل الضرورة وذلك لأن كلمة إن للتأكيد واللام للتأكيد فلو قلنا: إن لزيدًا قائم لكنا قد أدخلنا حرف التأكيد على حرف التأكيد وذلك ممتنع فلما تعذر إدخالها على المبتدأ لا جرم أدخلناها على الخبر لهذه الضرورة، وأما إذا لم يدخل حرف إن على المبتدأ كانت هذه الضرورة زائلة فوجب إدخال اللام على المبتدأ لا يقال إذا جاز إدخال حرف النفي على حرف النفي في قوله: والغرض به تأكيد النفي فلم لا يجوز إدخال حرف التأكيد على حرف التأكيد والغرض به تأكيد الإثبات لأنا نقول الفرق بين البابين أن قولك زيد قائم يدل على الحكم بموصوفية زيد بالقيام فإذا قلت إن زيدًا قائم فكلمة إن تفيد تأكيد ذلك الحكم فلو ذكرت مؤكدًا آخر مع كلمة إن صار عبثًا، أما لو قلت: رأيت فلانًا فهذا للثبوت فإذا أدخلت عليه حرف النفي أفاد حرف النفي معنى النفي ولا يفيد التأكيد لأنه مستقل بإفادة الأصل فكيف يفيد الزيادة فإذا ضممت إليه حرف نفي آخر صار الحرف الثاني مؤكدًا للأول فلا يكون عبثًا فهذا هو الفرق بين البابين فهذا منتهى تقرير هذا الاعتراض وهو عندي ضعيف، لأن الكل اتفقوا على أنه إذا اجتمع النقل والقياس فالنقل أولى، ولأن هذه العلل في نهاية الضعف فكيف يدفع بها النقل الظاهر.الوجه الثاني: في الجواب عن قولهم اللام لا يحسن دخولها على الخبر إلا إذا دخلت كلمة إن على المبتدأ كما ذكره الزجاج فقال: إن وقعت موقع نعم واللام في موقعها والتقدير نعم هذان لهما ساحران فكانت اللام داخلة على المبتدأ لا على الخبر.قال: وعرضت هذا القول على محمد بن يزيد وعلى إسماعيل بن إسحق فارتضياه وذكرا أنه أجود ما سمعناه في هذا.قال ابن جنى: هذا القول غير صحيح لوجوه: الوجه الأول: أن الأصل أن المبتدأ إنما يجوز حذفه لو كان أمرًا معلومًا جليًا ولولا ذلك لكان في حذفه مع الجهل به ضرب من تكليف علم الغيب للمخاطب وإذا كان معروفًا فقد استغنى بمعرفته عن تأكيده باللام لأن التأكيد إنما يحتاج إليه حيث لم يكن العلم به حاصلًا.الوجه الثاني: أن الحذف من باب الاختصار والتأكيد من باب الإطناب فالجمع بينهما غير جائز ولأن ذكر المؤكد وحذف التأكيد أحسن في العقول من العكس.الوجه الثالث: امتناع أصحابنا البصريين من تأكيد الضمير المحذوف العائد على المبتدأ في نحو قولك زيد ضربت فلا يجيزون زيد ضربت نفسه على أن يجعل النفس توكيدًا للهاء المؤكدة المقدرة في ضربت أي ضربته لأن الحذف لا يكون إلا بعد التحقيق والعلم به، وإذا كان كذلك فقد استغنى عن تأكيده فكذا ههنا.الوجه الرابع: أن جميع النحويين حملوا قول الشاعر: على أن الشاعر أدخل اللام على الخبر ضرورة ولو كان ما ذهب إليه الزجاج جائزًا لما عدل عنه النحويون ولما حملوا الكلام عليه على الإضطرار إذا وجدوا له وجهًا ظاهرًا، ويمكن الجواب عن اعتراض ابن جنى بأنه إنما حسن حذف المبتدأ لأن في اللفظ ما يدل عليه وهو قوله: هذان أما لو حذف التأكيد فليس في اللفظ ما يدل عليه فلا جرم كان حذف المبتدأ أولى من حذف التأكيد، وأما امتناعهم من تأكيد الضمير في قولهم: زيد ضربت نفسه فذاك إنما كان لأن إسناد الفعل إلى المظهر أولى من إسناده إلى المضمر فإذا قال زيد: ضربت نفسه كان قوله نفسه مفعولًا فلا يمكن جعله تأكيدًا للضمير فتأكيد المحذوف إنما امتنع هاهنا لهذه العلة لا لأن تأكيد المحذوف مطلقًا ممتنع وأما قوله: النحويون حملوا قول الشاعر: على أن الشاعر أدخل اللام على الخبر ضرورة فلو جاز ما قاله الزجاج لما عدل عنه النحويون، فهذا اعتراض في نهاية السقوط لأن ذهول المتقدمين عن هذا الوجه لا يقتضي كونه باطلًا فما أكثر ما ذهل المتقدم عنه وأدركه المتأخر فهذا تمام الكلام في شرح هذا.الوجه الثالث: في الجواب أن كلمة إن ضعيفة في العمل لأنها تعمل بسبب مشابهة الفعل فوجب كونها ضعيفة في العمل وإذا ضعفت جاز بقاء المبتدأ على إعرابه الأصلي وهو الرفع.المقدمة الأولى: أنها تشبه الفعل وهذه المشابهة حاصلة في اللفظ والمعنى.أما اللفظ فلأنها تركبت من ثلاثة أحرف وانفتح آخرها ولزمت الأسماء كالأفعال، وأما المعنى فلأنها تفيد حصول معنى في الاسم وهو تأكيد موصوفيته بالخبر كما أنك إذا قلت: قام زيد فقولك قام أفاد حصول معنى في الاسم.المقدمة الثانية: أنها لما أشبهت الأفعال وجب أن تشبهها في العمل فذلك ظاهر بناء على الدوران.المقدمة الثالثة: أنها لم تنصب الاسم وترفع الخبر فتقريره أن يقال: إنها لما صارت عاملة فإما أن ترفع المبتدأ والخبر معًا أو تنصبهما معًا أو ترفع المبتدأ وتنصب الخبر أو بالعكس والأول باطل لأن المبتدأ والخبر كانا قبل دخول إن عليهما مرفوعين فلو بقيا كذلك بعد دخولها عليهما لما ظهر له أثر ألبتة ولأنها أعطيت عمل الفعل، والفعل لا يرفع الإسمين فلا معنى للاشتراك.والقسم الثاني: أيضًا باطل لأن هذا أيضًا مخالف لعمل الفعل لأن الفعل لا ينصب شيئًا مع خلوه عما يرفعه.والقسم الثالث: أيضًا باطل لأنه يؤدي إلى التسوية بين الأصل والفرع فإن الفعل يكون عمله في الفاعل أولًا بالرفع وفي المفعول بالنصب فلو جعل النصب هاهنا كذلك لحصلت التسوية بين الأصل والفرع، ولما بطلت الأقسام الثلاثة تعين.القسم الرابع: وهو أنها تنصب الاسم وترفع الخبر، وهذا مما ينبه على أن هذه الحروف دخيلة في العمل لا أصيلة لأن تقديم المنصوب على المرفوع في باب العمل عدول عن الأصل فذلك يدل على أن العمل بهذه الحروف ليس بثابت بطريق الأصالة بل بطريق عارض.المقدمة الرابعة: لما ثبت أن تأثيرها في نصب الاسم بسبب هذه المشابهة وجب جواز الرفع أيضًا، وذلك لأن كون الاسم مبتدأ يقتضي الرفع ودخول إن على المبتدأ لا يزيل عنه وصف كونه مبتدأ لأنه يفيد تأكيد ما كان لا زوال ما كان إذا ثبت هذا فنقول: وصف كونه مبتدأ يقتضي الرفع وحرف إن يقتضي النصب ولكن المقتضى الأول أولى بالاقتضاء من وجهين: أحدهما: أن وصف كونه مبتدأ صفة أصلية للمبتدأ ودخول إن عليه صفة عرضية والأصل راجح على العارض.والثاني: أن اقتضاء وصف المبتدأ للرفع أصلي واقتضاء حرف إن للنصب صفة عارضة بسبب مشابهتها بالفعل فيكون الأول أولى فثبت بمجموع ما قررنا أن الرفع أولى من النصب فإن لم تحصل الأولوية فلا أقل من أصل الجواز ولهذا السبب إذا جئت بخبر إن ثم عطفت على الاسم إسمًا آخر جاز فيه الرفع والنصب معًا.
|