الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
يعْنِي قارب الْقوْمُ الصّباح.المسألة الثّانِيةُ:قولهُ: {فأمْسِكُوهُنّ} يعْنِي بِالرّجْعةِ، أوْ فارِقُوهُنّ، وهِي:المسألة الثّالِثةُ:معْناهُ أوْ اُتْرُكُوهُنّ على حُكْمِ الطّلاقِ الْأوّلِ؛ فيقعُ الْفِراقُ عِنْد انْقِضاءِ الْعِدّةِ بِالطّلاقِ الْماضِي لِترْكِ الْإِمْساكِ بِالرّجْعةِ؛ إذْ قدْ وقع الْفِراقُ بِهِ؛ وإِنّما لهُ الِاسْتِدْراكُ بِالتّمسُّكِ بِالتّصْرِيحِ بِالرّجْعةِ الْمُناقِضِ للتّصْرِيحِ بِالطّلاقِ، وسُمِّي التّمادِي على حُكْمِ الْفِراقِ وترْكِ التّمسُّكِ بِالتّصْرِيحِ بِالرّجْعةِ فِراقا مجازا.المسألة الرّابِعةُ:قولهُ: {بِمعْرُوفٍ}: فِيهِ قولانِ: أحدُهُما بِمعْلُومٍ مِنْ الْإِشْهادِ.الثّانِي: الْقصْدُ إلى الْخلاصِ مِنْ النِّكاحِ عِنْد تعذُّرِ الْوصْلةِ مع عدمِ الْأُلْفةِ لا بِقصْدِ الْإِضْرارِ، حسْبما كان يفْعلُهُ أهْلُ الْجاهِلِيّةِ؛ كانُوا يُطلِّقُون الْمرْأة حتّى إذا أشْرفْت على انْقِضاءِ الْعِدّةِ أشْهد بِرجْعتِها حتّى إذا مرّ لِذلِك مُدّةٌ طلّقها هكذا، كُلّما ردّها طلّقها، فإِذا أشْرفتْ على انْقِضاءِ الْعِدّةِ راجعها، لا رغْبة؛ لكِنْ إضْرارا وإِذاية، فنُهُوا أنْ يُمْسِكُوا أوْ يُفارِقُوا إلّا بِالْمعْرُوفِ، كما تقدّم فِي سُورةِ الْبقرةِ فِي قولهِ: {ولا تُمْسِكُوهُنّ ضِرارا لِتعْتدُوا}.وقولهِ: {فإِمْساكٌ بِمعْرُوفٍ أوْ تسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ}.المسألة الْخامِسةُ:قولهُ: {فإِذا بلغْن}: يُوجِبُ أنْ يكُون الْقول قول الْمرْأةِ فِي انْقِضاءِ الْعِدّةِ إذا ادّعتْ ذلِك فِيما يُمْكِنُ، على ما بيّنّاهُ فِي قولهِ: {ولا يحِلُّ لهُنّ أنْ يكْتُمْن ما خلق الله فِي أرْحامِهِنّ} فِي سُورةِ الْبقرةِ.المسألة السّادِسةُ:{فأمْسِكُوهُنّ بِمعْرُوفٍ}: اخْتلف الْعُلماءُ فِيهِ كاخْتِلافِهِمْ فِي قولهِ: {وبُعُولتُهُنّ أحقُّ بِردِّهِنّ فِي ذلِك} وقدْ بيّنّاهُ فِي سُورةِ الْبقرةِ، تمامُهُ أنّ الزّوْج لهُ الرّجْعةُ فِي الْعِدّةِ بِلا خِلافٍ، والرّجْعةُ تكُونُ بِالْقول والْفِعْلِ عِنْدنا، وبِهِ قال أبُو حنِيفة والليْثُ.وقال الشّافِعِيُّ: لا تصِحُّ إلّا بِالْقول.وقدْ اخْتلف فِيهِ التّابِعُون قدِيما، بيْد أنّ عُلماءنا قالوا: إنّ الرّجْعة لا تكُونُ بِالْفِعْلِ، حتّى تقْترِن بِهِ النِّيّةُ، فيقْصِد بِالْوطْءِ أوْ الْقُبْلةِ الرّجْعة وبِالْمُباشرةِ كُلّها.وقال أبُو حنِيفة والليْثُ: الْوطْءُ مُجرّدا رجْعةٌ، وهذا ينْبنِي على أصْلٍ، هُو:المسألة السّابِعةُ:هلْ الرّجْعِيّةُ مُحرِّمةُ الْوطْءِ أمْ لا؟ فعِنْدنا أنّها مُحرِّمةُ الْوطْءِ، وبِهِ قال ابْنُ عُمر وعطاءٌ.وقال أبُو حنِيفة: وطْؤُها مُباحٌ، وبِهِ قال أحْمدُ فِي إحْدى رِوايتيْهِ.واحْتجُّوا بِأنّهُ طلاقٌ لا يقْطعُ النِّكاح؛ فلمْ يُحرِّمْ الْوطْء، كما لوْ قال: إنْ قدِم زيْدٌ فأنْتِ طالِقٌ.وهذا لا يصِحُّ؛ لِأنّ الطّلاق الْمُعلّق بِقُدُومِ زيْدٍ لمْ يقعْ، هذا طلاقٌ واقِعٌ فيجِبُ أنْ يُؤثِّر فِي تحْرِيمِ الْوطْءِ الْمقْصُودِ مِنْ الْعقْدِ، لاسيما وهِي جارِيةٌ بِهِ إلى بيْنُونةٍ خارِجةٍ عنْ الْعِصْمةِ؛ فإِذا ثبت أنّها مُحرِّمةُ الْوطْءِ فلابد مِنْ قصْدِ الرّدِّ، وحِينئِذٍ يصِحُّ معهُ الرّدُّ.قال الشّافِعِيُّ: لا تكُونُ الرّجْعةُ بِالْفِعْلِ، وإِنّما تكُونُ بِالْقول ولا مُعْتمد لهُ مِنْ القرآن والسُّنّةِ، ولنا كُلُّ ذلِك؛ فأمّا القرآن فقولهُ: {فأمْسِكُوهُنّ بِمعْرُوفٍ}؛ وهذا ظاهِرٌ فِي الْقول والْفِعْلِ؛ إذْ الْإِمْساكُ يكُونُ بِهِما عادة، ويكُونُ شرْعا، ألا ترى أنّ خِيار الْمُعْتقةِ يكُونُ إمْساكُها بِالْقول بِأنْ تقول: اخْترْت، وبِالْفِعْلِ بِأنْ تُمكِّن مِنْ وطْئِها، ولِذلِك قال تعالى: {وبُعُولتُهُنّ أحقُّ بِردِّهِنّ فِي ذلِك} والرّدُّ يكُونُ تارة بِالْقول، وتارة بِالْفِعْلِ.ومِنْ عجِيبِ الْأمْرِ أنّ للشّافِعِيِّ قوليْنِ فِي قول الرّجُلِ للمُطلّقةِ الرّجْعِيّةِ أمْسكْتها، هلْ يكُونُ رجْعة أمْ لا؟ قال الْقاضِي أبُو مُظفّرٍ الطّبرِيُّ: لا يكُونُ رجْعة؛ لِأنّ اسْتِباحة الْوطْءِ لا تكُونُ إلّا بِلفْظيْنِ، وهُما قولهُ: راجعْت، أوْ رددْت، كما يكُونُ النِّكاحُ بِلفْظيْنِ وهُما قولهُ: زوّجْت، أوْ نكحْت، وهذا مِنْ ركِيكِ الْكلامِ الّذِي لا يلِيقُ بِمنْصِبِ ذلِك الْإِمامِ مِنْ وجْهيْنِ: أحدُهُما أنّهُ تحكُّمٌ.والثّانِي أنّهُ لوْ صحّ أنْ يقِف على لفْظيْنِ لكان وُقُوفُهُ على لفْظيْ القرآن، وهُما رددْت وأمْسكْت اللذانِ جاءا فِي سُورةِ الْبقرةِ، وها هُنا أوْلى مِنْ لفْظِ راجعْت الّذِي لمْ يأْتِ فِي القرآن، بيْد أنّهُ جاء فِي السُّنّةِ فِي قول النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِعُمر: «مُرْهُ فلْيُراجِعْها»، كما جاء فِي السُّنّةِ لفْظٌ ثالِثٌ فِي النِّكاحِ، وهُو فِي شأْنِ الْموْهُوبةِ؛ إذْ قال لهُ النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اذْهبْ فقدْ ملكْتها بِما معك مِنْ القرآن»؛ فذكر النِّكاح بِلفْظِ التّمْلِيكِ.المسألة الثّامِنةُ:مِنْ قول عُلمائِنا كما تقدّم: إنّ الرّجْعة تكُونُ بِالْقول والْفِعْلِ مع النِّيّةِ، فلوْ خلا ذلِك فِي نِيّةٍ، أوْ كانتْ نِيّةٌ دُون قول أوْ فِعْلٍ ما حُكْمُهُ؟ قال أشْهبُ فِي كِتابِ مُحمّدٍ: إذا عرى الْقول أوْ الْفِعْلُ عنْ النِّيّةِ فليْسا بِرجْعةٍ.وفِي الْمُدوّنةِ أنّ الْوطْء الْعارِي مِنْ نِيّةٍ ليْس بِرجْعةٍ، والْقول الْعارِي عنْ النِّيّةِ جعلهُ رجْعة؛ إذا قال: راجعْتُك وكُنْت هازِلا، فعلى قول علِيٍّ بِأنّ النِّكاح بِالْهزْلِ لا يلْزمُ فلا يكُونُ رجْعة؛ فإِنْ كانتْ رجْعة بِالنِّيّةِ دُون قول أوْ فِعْلٍ فحملهُ الْقروِيُّون على قول مالِكٍ فِي الطّلاقِ والْيمِينِ إنّهُ يصِحُّ بِالنِّيّةِ دُون قول، ولا يصِحُّ ذلِك حسْبما بيّنّاهُ فِي الْمسائِلِ الْخِلافِيّةِ؛ لِأنّ الطّلاق أسْرعُ فِي الثُّبُوتِ مِنْ النِّكاحِ.المسألة التّاسِعةُ:قولهُ: {وأشْهِدُوا ذويْ عدْلٍ مِنْكُمْ}: وهذا ظاهِرٌ فِي الْوُجُوبِ بِمُطْلقِ الْأمْرِ عِنْد الْفُقهاءِ، وبِهِ قال أحْمدُ بْنُ حنْبلٍ فِي أحدِ قوليْهِ، والشّافِعِيُّ.وقال مالِكٌ، وأبُو حنِيفة، وأحْمدُ، والشّافِعِيُّ فِي الْقول الْآخرِ: إنّ الرّجْعة لا تفْتقِرُ إلى الْقبُولِ، فلمْ تفْتقِرْ إلى الْإِشْهادِ، كسائِرِ الْحُقُوقِ، وخُصُوصا حِلُّ الظِّهارِ بِالْكفّارةِ.وركّب أصْحابُ الشّافِعِيِّ على وُجُوبِ الْإِشْهادِ فِي الرّجْعةِ أنّهُ لا يصِحُّ أنْ يقول: كُنْت راجعْت أمْسِ، وأنا أُشْهِدُ الْيوْم؛ لِأنّهُ إشْهادٌ على الْإِقرار بِالرّجْعةِ؛ ومِنْ شرْطِ الرّجْعةِ الْإِشْهادُ عليْها، فلا تصِحُّ دُونهُ؛ وهذا فاسِدٌ مبْنِيٌّ على أنّ الْإِشْهاد فِي الرّجْعةِ تعبُّدٌ، ونحْنُ لا نُسلِّمُ فِيها ولا فِي النِّكاحِ.بلْ نقول: إنّهُ موْضُوعٌ للتّوثُّقِ، وذلِك موْجُودٌ فِي الْإِقرار، كما هُو موْجُودٌ فِي الْإِنْشاءِ، وبيّنّاهُ فِي مسائِلِ الْخِلافِ.المسألة الْعاشِرةُ:وهِي فرْعٌ غرِيبٌ: إذا راجعها بعْد أنْ ارْتدّتْ لمْ تصِحّ الرّجْعةُ.وقال الْمُزنِيّ: تصِحُّ لِعُمُومِ قولهِ: {فإِذا بلغْن أجلهُنّ} وهذا عامٌّ فِي كُلِّ زوْجةٍ مُسْلِمةٍ أوْ مُرْتدّةٍ؛ ولِأنّ الرّجْعة تصِحُّ فِي حالِ كوْنِها مُحرّمة بِالْإِحْرامِ والْحيْضِ، كذلِك الرِّدّةُ، وهذا فاسِدٌ؛ فإِنّ الرّجْعة اسْتِباحةُ فرْجٍ مُحرّمٍ، فلمْ تجُزْ مع الرِّدّةِ، كالنِّكاحِ؛ والْمُحرّمةُ والْحائِضُ ليْستا بِمُحرّمتيْنِ عليْهِ، فإِنّهُ تجُوزُ الْخلْوةُ بِهِما لِزوْجِهِما.المسألة الْحادِية عشْرة:لوْ قال بعْد الْعِدّةِ، كُنْت راجعْتها وصدّقتْهُ جاز، ولوْ أنْكرتْ حلفتْ، وذلِك فِي مسائِل الْخِلافِ مشْرُوحٌ، وهُو مبْنِيٌّ على الْقول بِإِعْمالِ الْإِقرار فِي الرّجْعةِ.المسألة الثّانِية عشْرة:قوله تعالى: {وأشْهِدُوا ذويْ عدْلٍ مِنْكُمْ}: وهذا يُوجِبُ اخْتِصاص الشّهادةِ على الرّجْعةِ بِالذُّكُورِ دُون الْإِناثِ؛ لِأنّ قولهُ: {ذويْ} مُذكّرٌ، ولِذلِك قال عُلماؤُنا: لا مدْخل لِشهادةِ النِّساءِ فِيما عدا الْأمْوال.وقدْ بيّنّا ذلِك فِي سُورةِ الْبقرةِ.المسألة الثّالِثة عشْرة:قوله تعالى: {وأقِيمُوا الشّهادة لله}: يعْنِي لا تُضيِّعُوها ولا تُغيِّرُوها، وأْتُوا بِها على وجْهِها، وقدْ بيّنّا ذلِك فِي سُورةِ الْبقرةِ.الْآيةُ الثّالِثةُ قوله تعالى: {واللائِي يئِسْن مِنْ الْمحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إنْ ارْتبْتُمْ فعِدّتُهُنّ ثلاثةُ أشْهُرٍ واللائِي لمْ يحِضْن وأُولاتُ الْأحْمالِ أجلُهُنّ أنْ يضعْن حمْلهُنّ ومنْ يتّقِ الله يجْعلْ لهُ مِنْ أمْرِهِ يُسْرا} فِيها سِتُّ مسائِل:المسألة الْأُولى:قوله تعالى: {واللائِي يئِسْن مِنْ الْمحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إنْ ارْتبْتُمْ}: وهذِهِ آيةٌ مُشْكِلةٌ، واخْتلف أصْحابُنا فِي تأْوِيلِها على ثلاثةِ أقْوالٍ:الْأوّلُ أنّ معْناها إذا ارْتبْتُمْ.وحُرُوفُ الْمعانِي يُبْدلُ بعْضُها مِنْ بعْضٍ، والّذِين قالوا هذا اخْتلفُوا فِي الْوجْهِ الّذِي رجعتْ فِيهِ إنْ بِمعْنى إذا، فمِنْهُمْ منْ قال: إنّ ذلِك راجِعٌ إلى ما رُوِي أنّ أُبيّ بْن كعْبٍ قال للنّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يا رسُول الله؛ إنّ الله قدْ بيّن لنا عِدّة الْحائِضِ بِالأقراء فما حُكْمُ الْآيِسةِ والصّغِيرةِ؟ فأنْزل الله الْآية.ومِنْهُمْ منْ قال وهُو الثّانِي: إنّ الله جعل عِدّة الْحائِضِ بِالأقراء، فمنْ انْقطع حيْضُها، وهِي تقْرُبُ مِنْ حدِّ الِاحْتِمالِ فواجِبٌ عليْها الْعِدّةُ بِالْأشْهُرِ بِهذِهِ الْآيةِ، ومِنْ ارْتفعتْ عنْ حدِّ الِاحْتِمالِ وجب عليْها الِاعْتِدادُ بِالْأشْهُرِ بِالْإِجْماعِ، لا بِهذِهِ الْآيةِ؛ لِأنّهُ لا رِيبة فِيها.الثّالِثُ: قال مُجاهِدٌ: الْآيةُ وارِدةٌ فِي الْمُسْتحاضةِ؛ لِأنّها لا تدْرِي دم حيْضٍ هُو أوْ دم عِلّةٍ.المسألة الثّانِيةُ:فِي تحْقِيقِ الْمقْصُودِ: أمّا وضْعُ حُرُوفِ الْمعانِي إبْدالا بعْضُها مِنْ بعْضٍ فإِنّ ذلِك مما لا يجُوزُ.وإِنْ اخْتلفُوا فِي حُرُوفِ الْخفْضِ؛ وإِنّما الْآيةُ وارِدةٌ على أنّ أصْل الْعِدّةِ موْضُوعٌ لِأجْلِ الرِّيبةِ؛ إذْ الْأصْلُ براءةُ الرّحِمِ، وترْتابُ لِشُغْلِهِ بِالْماءِ؛ فوُضِعتْ الْعِدّةُ لِأجْلِ هذِهِ الرِّيبةِ،ولحِقها ضرْبٌ مِنْ التّعبُّدِ.ويُحقِّقُ هذا أنّ حرْف (إن) يتعلّقُ بِالشّرْطِ الْواجِبِ، كما يتعلّقُ بِالشّرْطِ الْممكِنِ، وعلى هذا خُرِّج قولهُ: «وإِنّا إنْ شاء الله بِكُمْ لاحِقُون».وقدْ بيّنّا ذلِك فِي ملْجئةِ الْمُتفقِّهِين إلى معْرِفةِ غوامِضِ النّحْوِيِّين واللغوِيِّين.وأمّا حديث أُبيٍّ فغيْرُ صحِيحٍ، وقدْ روى ابْنُ الْقاسِمِ، وأشْهبُ، وعبْدُ الله بْنُ الْحكمِ عنْ مالِكٍ فِي قوله تعالى: {إنْ ارْتبْتُمْ فعِدّتُهُنّ ثلاثةُ أشْهُرٍ} يقول فِي شأْنِ الْعِدّةِ: إنّ تفْسِيرها: إنْ لمْ تدْرُوا ما تصْنعُون فِي أمْرِها فهذِهِ سبِيلُها. والله أعْلمُ.المسألة الثّالِثةُ:قوله تعالى: {واللائِي لمْ يحِضْن} يعْنِي الصّغِيرة، وعِدّتُها أيْضا بِالْأشْهُرِ؛ لِتعذُّرِ الأقراء فِيها عادة؛ والْأحْكامُ إنّما أجْراها الله على الْعاداتِ، فهِي تعْتدُّ بِالْأشْهُرِ، فإِذا رأتْ الدّم فِي زمنِ احْتِمالِهِ عِنْد النِّساءِ انْتقلتْ إلى الدّمِ، لِوُجُودِ الْأصْلِ.فإِذا وُجِد الْأصْلُ لمْ يبْق للبدلِ حُكْمٌ، كما أنّ الْمُسِنّة إذا اعْتدّتْ بِالدّمِ، ثُمّ انْقطع عادتْ إلى الْأشْهُرِ.روى سعِيدُ بْنُ الْمُسيِّبِ أنّ عُمر قال: أيُّما امْرأةٍ اعْتدّتْ حيْضة أوْ حيْضتيْنِ ثُمّ رفعتْها حيْضتُها فإِنّها تنْتظِرُ تِسْعة أشْهُرٍ، فإِنْ اسْتبان بِها حمْلٌ فذلِك وإِلّا اعْتدّتْ بعْد تِسْعةِ أشْهُرٍ ثلاثة أشْهُرٍ، ثُمّ حلّتْ، وأمر ابْنُ عبّاسٍ بِالتّربُّصِ سنة.وقال الشّافِعِيُّ وأبُو حنِيفة: تبْقى إلى سِنِّ الْيأْسِ.وقال عُلماؤُنا: تعْتدُّ سنة؛ وإِنْ كانتْ مُسِنّة وانْقطع حيْضُها وقال النِّساءُ: إنّ مِثْلها لا تحِيضُ اعْتدّتْ بِثلاثةِ أشْهُرٍ.وأمّا قول أبِي حنِيفة والشّافِعِيِّ إنّها تبْقى إلى سِنِّ الْيأْسِ فإِنّ معْناهُ إذا كانتْ مُرْتابة بِحمْلٍ، وكذلِك قال أشْهبُ لا تحِلُّ أبدا حتّى تيْأس، وهُو الصّحِيحُ.المسألة الرّابِعةُ:قوله تعالى: {واللائِي لمْ يحِضْن} دلِيلٌ على أنّ للمرْءِ أنْ يُنْكِح ولدهُ الصِّغار؛ لِأنّ الله تعالى جعل عِدّة منْ لمْ يحِضْ مِنْ النِّساءِ ثلاثة أشْهُرٍ، ولا تكُونُ عليْها عِدّةٌ إلّا أنْ يكُون لها نِكاحٌ؛ فدلّ ذلِك على هذا الْغرضِ، وهُو بدِيعٌ فِي فنِّهِ.المسألة الْخامِسةُ:قوله تعالى: {وأُولاتُ الْأحْمالِ أجلُهُنّ أنْ يضعْن حمْلهُنّ}: هذا وإِنْ كان ظاهِرا فِي الْمُطلّقةِ لِأنّهُ عطف عليْها، وإِليْها رجع عقِب الْكلامِ، فإِنّهُ فِي الْمتوفى عنْها زوْجُها كذلِك لِعُمُومِ الْآيةِ، وحديث سُبيْعة فِي السُّنّةِ؛ والْحِكْمةُ فِيهِ أنّ براءة الرّحِمِ قدْ حصلتْ يقِينا، وقدْ بيّنّاهُ فِي سُورةِ الْبقرةِ.المسألة السّادِسةُ:إذا وضعتْ الْحامِلُ ما وضعتْ مِنْ علقةٍ أوْ مُضْغةٍ حلّتْ.وقال الشّافِعِيُّ وأبُو حنِيفة: لا تحِلُّ إلّا بِما يكُونُ ولدا.وقدْ تقدّم بيانُهُ، وأوْضحْنا أنّ الْحِكْمة فِي وضْعِ الله الْعِدّة ثلاثة أشْهُرٍ أنّها الْمُدّةُ الّتِي فِيها يُخْلقُ الْولدُ فوُضِعتْ اخْتِبارا لِشغْلِ الرّحِمِ مِنْ فراغِهِ.الْآيةُ الرّابِعةُ قوله تعالى: {أسْكِنُوهُنّ مِنْ حيْثُ سكنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ولا تُضارُّوهُنّ لِتُضيِّقُوا عليْهِنّ وإِنْ كُنّ أُولاتِ حمْلٍ فأنْفِقُوا عليْهِنّ حتّى يضعْن حمْلهُنّ فإِنْ أرْضعْن لكُمْ فآتُوهُنّ أُجُورهُنّ وائْتمِرُوا بيْنكُمْ بِمعْرُوفٍ وإِنْ تعاسرْتُمْ فستُرْضِعُ لهُ أُخْرى} فِيها أرْبعُ مسائِل:المسألة الْأُولى:قوله تعالى: {أسْكِنُوهُنّ مِنْ حيْثُ سكنْتُمْ}: قال أشْهبُ عنْ مالِكٍ: يخْرُجُ عنْها إذا طلّقها، ويتْرُكُها فِي الْمنْزِلِ؛ لِقول الله تعالى: {أسْكِنُوهُنّ مِنْ حيْثُ سكنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} فلوْ كان معها ما قال: أسْكِنُوهُنّ.وروى ابْنُ نافِعٍ قال: قال مالِكٌ فِي قول الله تعالى: {أسْكِنُوهُنّ مِنْ حيْثُ سكنْتُمْ} يعْنِي الْمُطلّقاتِ اللاتِي قدْ بِنّ مِنْ أزْواجِهِنّ، فلا رجْعة لهُمْ عليْهِنّ، وليْستْ حامِلا؛ فلها السُّكْنى ولا نفقة لها ولا كِسْوة؛ لِأنّها بائِنٌ مِنْهُ، لا يتوارثانِ ولا رجْعة لهُ عليْها.وإِنْ كانتْ حامِلا فلها النّفقةُ والْكِسْوةُ والْمسْكنُ حتّى تنْقضِي عِدّتُها.فأمّا منْ لمْ تبِنْ مِنْهُنّ فإِنّهُنّ نِساؤُهُمْ يتوارثْن، ولا يخْرُجْن إلّا أنْ يأْذن لهُنّ أزْواجُهُنّ ما كُنّ فِي عِدّتِهِنّ، ولمْ يُؤْمرُوا بِالسُّكْنى لهُنّ؛ لِأنّ ذلِك لازِمٌ لِأزْواجِهِنّ مع نفقتِهِنّ وكِسْوتِهِنّ، كُنّ حوامِل أوْ غيْر حوامِل، وإِنّما أمر الله بِالسُّكْنى للاتِي بِنّ مِنْ أزْواجِهِنّ؛ قال تعالى: {وإِنْ كُنّ أُولاتِ حمْلٍ فأنْفِقُوا عليْهِنّ حتّى يضعْن حمْلهُنّ}؛ فجعل عزّ وجلّ للحوامِلِ اللائِي قدْ بِنّ مِنْ أزْواجِهِنّ السُّكْنى والنّفقة.المسألة الثّانِيةُ:فِي بسْطِ ذلِك وتحْقِيقِهِ: أنّ الله سبحانه وتعالى لمّا ذكر السُّكْنى أطْلقها لِكُلِّ مُطلّقةٍ، فلمّا ذكر النّفقة قيّدها بِالْحمْلِ، فدلّ على أنّ الْمُطلّقة الْبائِن لا نفقة لها؛ وهِي مسْألةٌ عظِيمةٌ قدْ مهّدْنا سُبُلها قرآنا وسُنّة ومعْنى فِي مسائِلِ الْخِلافِ.وهذا مأْخذُها مِنْ القرآن.فإِنْ قِيل: لا حُجّة فِي هذِهِ الْآيةِ؛ لِأنّ قوله تعالى: {أسْكِنُوهُنّ} راجِعٌ إلى ما قبْلهُ، وهِي الْمُطلّقةُ الرّجْعِيّةُ.قُلْنا: لوْ كان هذا صحِيحا لما قال: {وإِنْ كُنّ أُولاتِ حمْلٍ فأنْفِقُوا عليْهِنّ}؛ فإِنّ الْمُطلّقة الرّجْعِيّة يُنْفقُ عليْها حامِلا كانتْ أوْ غيْر حامِلٍ، فلمّا خصّها بِذِكْرِ النّفقةِ حامِلا دلّ على أنّها الْبائِنُ الّتِي لا يُنْفقُ عليْها.وتحْقِيقُهُ أنّ الله تعالى ذكر الْمُطلّقة الرّجْعِيّة وأحْكامها حتّى بلغ إلى قوله تعالى: {ذويْ عدْلٍ مِنْكُمْ} ثُمّ ذكر بعْد ذلِك حُكْما يعُمُّ الْمُطلّقاتِ كُلّهُنّ مِنْ تعْدِيدِ الْأشْهُرِ وغيْرِ ذلِك مِنْ الْأحْكامِ، وهُو عامٌّ فِي كُلِّ مُطلّقةٍ؛ فرجع ما بعْد ذلِك مِنْ الْأحْكامِ إلى كُلِّ مُطلّقةٍ.المسألة الثّالِثةُ:قوله تعالى: {فإِنْ أرْضعْن لكُمْ فآتُوهُنّ أُجُورهُنّ}: قدْ بيّنّا فِي سُورةِ الْبقرةِ شيْئا مِنْ مسائِلِ الرّضاعِ، ووضّحْنا أنّهُ يكُونُ تارة على الْأُمِّ، ولا يكُونُ عليْها تارة.وتحْرِيرُهُ أنّ الْعُلماء اخْتلفُوا فِيمنْ يجِبُ عليْهِ رضاعُ الْولدِ على ثلاثةِ أقْوالٍ: الْأوّلُ: قال عُلماؤُنا: رضاعُ الْولدِ على الزّوْجةِ ما دامتْ الزّوْجِيّةُ، إلّا لِشرفِها أوْ مرضِها فعلى الْأبِ حِينئِذٍ رضاعُهُ فِي مالِهِ.الثّانِي: قال أبُو حنِيفة والشّافِعِيُّ: لا يجِبُ على الْأُمِّ بِحالٍ.الثّالِثُ: قال أبُو ثوْرٍ: يجِبُ عليْها فِي كُلِّ حالٍ.ودلِيلُنا قوله تعالى: {والْوالِداتُ يُرْضِعْن أوْلادهُنّ حوْليْنِ كامِليْنِ لِمنْ أراد أنْ يُتِمّ الرّضاعة} وقدْ مضى فِي سُورةِ الْبقرةِ أنّهُ لفْظٌ مُحْتمِلٌ لِكوْنِهِ حقّا عليْها أوْ لها، لكِنّ الْعُرْف يقْضِي بِأنّهُ عليْها، إلّا أنْ تكُون شرِيفة، وما جرى بِهِ الْعُرْفُ فهُو كالشّرْطِ حسْبما بيّنّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ أنّ الْعُرْف والْعادة أصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشّرِيعةِ يُقْضى بِهِ فِي الْأحْكامِ والْعادةُ إذا كانتْ شرِيفة ألّا تُرْضِع فلا يلْزمُها ذلِك.فإِنْ طلّقها فلا يلْزمُها إرْضاعُهُ إلّا أنْ يكُون غيْر قابِلٍ ثدْي غيْرِها، فيلْزمُها حِينئِذٍ الْإِرْضاعُ؛ أوْ تكُون مُخْتارة لِذلِك فتُرْضِعُ فِي الْوجْهيْنِ بِالْأُجْرةِ لِقوله تعالى: {فإِنْ أرْضعْن لكُمْ فآتُوهُنّ أُجُورهُنّ}.ويُحقِّقُ ذلِك قوله تعالى: {وائْتمِرُوا بيْنكُمْ بِمعْرُوفٍ} وهِي:المسألة الرّابِعةُ:فالْمعْرُوفُ أنْ تُرْضِع ما دامتْ زوْجة إلّا أنْ تكُون شرِيفة، وألّا تُرْضِع بعْد الزّوْجِيّةِ إلّا بِأجْرٍ.فإِنْ قبِل غيْرها لمْ يلْزمْها، وإِنْ شاءتْ إرْضاعهُ فهِي أوْلى بِما يأْخُذُهُ غيْرُها.الْآيةُ الْخامِسةُ قوله تعالى: {وإِنْ تعاسرْتُمْ فستُرْضِعُ لهُ أُخْرى لِيُنْفِقْ ذُو سعةٍ مِنْ سعتِهِ ومنْ قُدِر عليْهِ رِزْقُهُ فلْيُنْفِقْ مما آتاهُ الله لا يُكلِّفُ الله نفْسا إلّا ما آتاها سيجْعلُ الله بعْد عُسْرٍ يُسْرا} فِيها خمْسُ مسائِل:المسألة الْأُولى:قوله تعالى: {وإِنْ تعاسرْتُمْ}: الْمعْنى أنّ الْمرْأة إذا امْتنعتْ مِنْ رضاعِهِ بعْد الطّلاقِ فغيْرُها تُرْضِعُ يعْنِي إنْ قبِل، فإِنْ لمْ يقْبلْ كما تقدّم لزِمها ولمْ ينْفعْها تعاسُرُها مع الْأبِ.المسألة الثّانِيةُ:قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سعةٍ مِنْ سعتِهِ}: هذا يُفِيدُ أنّ النّفقة ليْستْ مُقدّرة شرْعا، وإِنّما تتقدّرُ عادة بِحسبِ الْحالةِ مِنْ الْمُنْفِقِ والْحالةُ مِنْ الْمُنْفقِ عليْهِ، فتُقدّرُ بِالِاجْتِهادِ على مجْرى الْعادةِ.وقدْ فرض عُمرُ للمنْفُوسِ مِائة دِرْهمٍ فِي الْعامِ بِالْحِجازِ، والْقُوتُ بِها محْبُوبٌ، والْمِيرةُ عنْهُ بعِيدةٌ، وينْظُرُ الْمُفْتِي إلى قدْرِ حاجةِ الْمُنْفقِ عليْهِ، ثُمّ يُنْظرُ إلى حالةِ الْمُنْفِقِ؛ فإِنْ احْتملتْ الْحالةُ الْحاجة أمْضاها عليْهِ، وإِنْ قصُرتْ حالتُهُ عنْ حالةِ الْمُنْفقِ عليْهِ ردّها إلى قدْرِ احْتِمالِ حالِهِ لِقولهِ تعالى وهِي:المسألة الثّالِثةُ:{ومنْ قُدِر عليْهِ رِزْقُهُ فلْيُنْفِقْ مما آتاهُ الله لا يُكلِّفُ الله نفْسا إلّا ما آتاها}؛ فإِذا كان للعبْدِ ما يكْفِيهِ، ويفْضُلُ عنْهُ فضْلٌ أخذهُ ولدُهُ، ومنْ يجِبُ عليْهِ الْإِنْفاقُ؛ وإِنّما يبْدأُ بِهِ أوّلا، لكِنْ لا يرْتفِعُ لهُ؛ بلْ يُقدّرُ لهُ الْوسطُ، حتّى إذا اسْتوْفاهُ عاد الْفضْلُ إلى سِواهُ.والْأصْلُ فِيهِ قول النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِهِنْد: «خُذِي ما يكْفِيك وولدك بِالْمعْرُوفِ»؛ فأحالها على الْكِفايةِ حِين علِم السّعة مِنْ حالِ أبِي سُفْيان الْواجِبِ عليْهِ بِطلبِها.المسألة الرّابِعةُ:فِي تقْدِيرِ الْإِنْفاقِ: قدْ بيّنّا أنّهُ ليْس لهُ تقْدِيرٌ شرْعِيٌّ، وإِنّما أحالهُ الله سبحانه على الْعادةِ، وهِي دلِيلٌ أُصُولِيٌّ بنى الله عليْهِ الْأحْكام، وربط بِهِ الْحلال والْحرام؛ وقدْ أحالهُ الله على الْعادةِ فِيهِ فِي الْكفّارةِ، فقال: {فكفّارتُهُ إطْعامُ عشرةِ مساكِين مِنْ أوْسطِ ما تُطْعِمُون أهْلِيكُمْ أوْ كِسْوتُهُمْ}.وقال: {فإِطْعامُ سِتِّين مِسْكِينا}.وقدْ تكلّمْنا عليْهِ فِي موْضِعِهِ، وقدّرْنا للكبِيرِ نفقة لِشِبعِهِ وكِسْوتِهِ ومُلاءتِهِ.وأمّا الصّغِيرُ الّذِي لا يأْكُلُ الطّعام فلِأُمِّهِ أجْرُها بِالْمِثْلِ إذا شطّتْ على الْأبِ، والْمُفْتُون مِنّا يُقدِّرُونها بِالطّعامِ والْإِدامِ، وليْس لها تقْدِيرٌ إلّا بِالْمِثْلِ مِنْ الدّراهِمِ لا مِنْ الطّعامِ.وأمّا إذا أكل فيُفْرضُ لهُ قدْرُ مأْكلِهِ وملْبسِهِ على قدْرِ الْحالِ. كما قدّمْنا.وفرض عُمرُ للمنْفُوسِ مِائة دِرْهمٍ، وفرض لهُ عُثْمانُ خمْسِين دِرْهما.واحْتمل أنْ يكُون هذا الِاخْتِلافُ بِحسبِ حالِ السِّنِين، أوْ بِحسبِ حالِ الْقدْر فِي التّسْعِيرِ لِثمنِ الْقُوتِ والْملْبسِ.وقدْ روى نافِعٌ عنْ ابْنِ عُمر أنّ عُمر كان لا يفْرِضُ للموْلُودِ حتّى يُطْعم، ثُمّ أمر مُنادِيا فنادى: لا تُعجِّلُوا أوْلادكُمْ عنْ الْفِطامِ، فإِنّا نفْرِضُ لِكُلِّ موْلُودٍ فِي الْإِسْلامِ.وقدْ روى مُحمّدُ بْنُ هِلالٍ الْمُزنِيّ قال: حدّثنِي أبِي وجدّتِي أنّها كانتْ ترِدُ على عُثْمان ففقدها، فقال لِأهْلِهِ: مالِي لا أرى فُلانة؟ فقالتْ امْرأتُهُ: يا أمِير الْمُؤْمِنِين، ولدتْ الليْلة، فبعث إليْها بِخمْسِين دِرْهما وشُقيْقة أنْبِجانِيّة ثُمّ قال: هذا عطاءُ ابْنِك، وهذِهِ كِسْوتُهُ، فإِذا مرّتْ لهُ سنةٌ رفعْناهُ إلى مِائةٍ.وقدْ أتى علِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ بِمنْبُوذٍ، ففرض لهُ مِائة.وقال الْقاضِي: هذا الْفرْضُ قبْل الْفِطامِ مما اخْتلف فِيهِ الْعُلماءُ، فمِنْهُمْ منْ رآهُ مُسْتحبّا؛ لِأنّهُ داخِلٌ فِي حُكْمِ الْآيةِ، ومِنْهُمْ منْ رآهُ واجِبا لِما تجدّد مِنْ حاجتِهِ وعرض مِنْ مُؤْنتِهِ، وبِهِ أقول؛ ولكِنْ يخْتلِفُ قدْرُهُ بِحالِهِ عِنْد الْوِلادةِ، وبِحالِهِ عِنْد الْفِطامِ.وقدْ روى سُفْيانُ بْنُ وهْبٍ أنّ عُمر أخذ الْمُدّ بِيدٍ والْقِسْط بِيدٍ، وقال: إنِّي فرضْت لِكُلِّ نفْسٍ مُسْلِمةٍ فِي كُلِّ شهْرٍ مُدّيْ حِنْطةٍ وقِسْطيْ خلٍّ، وقِسْطيْ زيْتٍ.زاد غيْرُهُ، وقال: إنّا قدْ أجزْنا لكُمْ أعْطِياتِكُمْ وأرْزاقكُمْ فِي كُلِّ شهْرٍ.فمنْ انْتقصها فعل الله بِهِ كذا وكذا، ودعا عليْهِ.قال أبُو الدّرْداءِ: كمْ سُنّةٍ راشِدةٍ مهْدِيّةٍ قدْ سنّها عُمرُ فِي أُمّةِ مُحمّدٍ صلى الله عليه وسلم والْمُدُّ والْقِسْطُ كيْلانِ شامِيّانِ فِي الطّعامِ والْإِدامِ، وقدْ دُرِسا بِعُرْفٍ آخر؛ فأمّا الْمُدُّ فدُرِس إلى الْكِيلجةِ، وأمّا الْقِسْطُ فدُرِس إلى الْكيْلِ، ولكِنّ التّقْدِير فِيهِ عِنْدنا رُبْعانِ فِي الطّعامِ، وثُمُنانِ فِي الْإِدامِ، وأمّا الْكِسْوةُ فبِقدْرِ الْعادةِ قمِيصٌ وسراوِيلُ، وجُبّةٌ فِي الشِّتاءِ وكِساءٌ وإِزارٌ وحصِيرٌ.وهذا الْأصْلُ، ويتزيّدُ بِحسبِ الْأحْوالِ والْعادةِ.المسألة الْخامِسةُ:هذِهِ الْآيةُ أصْلٌ فِي وُجُوبِ النّفقةِ للولدِ على الْوالِدِ دُون الْأُمِّ، خِلافا لِمُحمّدِ بْنِ الْموّازِ؛ إذْ يقول: إنّها على الْأبويْنِ على قدْرِ الْمِيراثِ، وبيانُها فِي مسائِلِ الْفِقْهِ والْخِلافِيّاتِ، ولعلّ مُحمّدا أراد أنّها على الْأُمِّ عِنْد عدمِ الْأبِ.وفِي الْبُخارِيِّ، عنْ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «تقول لك الْمرْأةُ أنْفِقْ عليّ وإِلّا طلِّقْنِي، ويقول الْعبْدُ: أنْفِقْ عليّ واسْتعْمِلْنِي، ويقول لك ابْنُك: أنْفِقْ عليّ إلى منْ تكِلُنِي؟ فقدْ تعاضد القرآن والسُّنّةُ وتواردا فِي مشْرعةٍ واحِدةٍ». والْحمْدُ لله. اهـ.
|