الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
والمراد بالنعمة التي استوزع الشكر عليها: نعمة التوحيد والإسلام. وجمع بين شكرى النعمة عليه وعلى والديه. لأن النعمة عليهما نعمة عليه. وقيل في العمل المرضى: هو الصلوات الخمس.فإن قلت: ما معنى فِي في قوله: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي}؟ قلت: معناه: أن يجعل ذرّيته موقعا للصلاح ومظنة له كأنه قال: هب لي الصلاح في ذرّيتى وأوقعه فيهم ونحوه:
{مِنَ الْمُسْلِمِينَ} من المخلصين. وقرئ: {يتقبل}. و{يتجاوز}. بفتح الياء. والضمير فيهما للّه عز وجل. وقرئا بالنون.فإن قلت: ما معنى قوله: {فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ} قلت: هو نحو قولك:أكرمنى الأمير في ناس من أصحابه. تريد: أكرمنى في جملة من أكرم منهم. ونظمنى في عدادهم. ومحله النصب على الحال. على معنى: كائنين في أصحاب الجنة ومعدودين فيهم {وَعْدَ الصِّدْقِ} مصدر مؤكد. لأن قوله: {يتقبل}. و{يتجاوز}: وعد من اللّه لهم بالتقبل والتجاوز. وقيل: نزلت في أبى بكر رضى اللّه عنه وفي أبيه أبى قحافة وأمّه أم الخير وفي أولاده. واستجابة دعائه فيهم. وقيل: لم يكن أحد من الصحابة من المهاجرين منهم والأنصار أسلم هو ووالداه وبنوه وبناته غير أبى بكر.
أي بقية من شحم.الثالث: أو علم تأثرونه عن غيركم. قاله مجاهد.ويحتمل رابعًا: أواجتهاد بعلم. لأن أثارة العلم الاجتهاد.ويحتمل خامسًا: أو مناظرة بعلم لأن المناظر في العلم مثير لمعانيه.ومن قرأ {أو أثرة مِّنْ عِلْمٍ} ففي تأويله خمسة أوجه:أحدها: أنه الخط. وقد رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.الثاني: ميراث من علم. قاله عكرمة.الثالث: خاصة من علم. قاله قتادة.الرابع: أوبقية من علم. قاله عطية.الخامس: أثرة يستخرجه فيثيره. قاله الحسن.قوله عز وجل: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ} قال ابن عباس: معناه لست بأول الرسل. والبدع الأول. والبديع من كل شيء المبتدع. وأنشد قطرب لعدي بن زيد: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ} فيه أربعة تأويلات:أحدها: يعني لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا لا في الآخرة. فلا أدري ما يفعل بي أخرج كما أخرجت الأنبياء من قبلي. أوأُقتل كما قتل الأنبياء من قبلي ولا أدري ما يفعل بكم. إنكم مصدقون أو مكذبون. أو معذبون أو مؤخرون. قاله الحسن:الثاني: لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة. وهذا قبل نزول {لِيَغْفِر لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} الآية. فلما نزل عليه ذلك عام الحديبية علم ما يفعل به في الآخرة وقال لأصحابه: «لَقَدْ أَنْزَلَ عَلَيَّ آية هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعِهَا» فلما تلاها قال رجل من القوم: هنيئًا يا رسول الله. قد بين الله ما يفعل بك. فماذا يفعل بنا؟ فأنزل الله تعالى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحْتِهَا الأنهَارُ} الآية. قاله قتادة.الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل الهجرة «لَقَدْ رَأَيْتُ فِي مَنَامِي أَرْضًا أَخْرُجُ إِلَيْهَا مِن مَكَّةَ» فلما اشتد البلاء على أصحابه بمكة قالوا: يا رسول الله حتى متى نلقى هذا البلاء؟ ومتى تخرج إلى الأرض التي رأيت؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُم. أَنَمُوتُ بِمَكَّةَ أَمْ نَخْرُجُ مِنهَا» قال الكلبي.الرابع: معناه قل لا أدري ما أؤمر به ولا ما تؤمرون به. قاله الضحاك.قوله عز وجل: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ} فيه قولان:أحدهما: إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به. قاله يحيى.الثاني: إن كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيًا من عند الله وكفرتم به. قاله الشعبي.{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ بَني إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} فيه خمسة أقاويل:أحدها: أنه عبد الله بن سلام شهد على اليهود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مذكور في التوراة. قاله ابن عباس. وعكرمة. وقتادة. ومجاهد.الثاني: أنه امين بن يامين. قال لما أسلم عبد الله بن سلام: أنا شاهد مثل شهادته ومؤمن كإيمانه. قاله السدي.الثالث: أن موسى مثل محمد صلى الله عليه وسلم يشهد بنبوته. والتوراة مثل القرآن يشهد بصحته. قاله مسروق. ولم يكن في عبد الله بن سلام لأنه أسلم بالمدينة والآية مكية.الرابع: هو من امن من بني إسرائيل بموسى والتوراة. قاله الشعبي.الخامس: أنه موسى الذي هو مثل محمد صلى الله عليهما شهد على التوراة. التي هي مثل القرآن. حكاه ابن عيسى.{فآمن وَاسْتَكْبَرْتُمْ} أنتم عن الآيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. قاله مسروق.وفي قولان:أحدهما: فآمن عبد الله بن سلام برسو ل الله صلى الله عليه وسلم وبالقرآن واستكبر الباقون عن الآيمان. قاله ابن عباس.الثاني: فآمن مَن امن بموسى وبالتوراة واستكبرتم أنتم عن الآيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن. قاله مسروق. وحكى النقاش أن في الآية تقديمًا وتأخيرًا تقديره: قل أرأيتم إن كان من عند الله وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن هو وكفرتم.وقال ابن عيسى: الكلام على سياقه ولكن حذف منه جواب إن كان من عند الله وفي المحذوف ثلاثة أوجه:أحدها: تقديره: وشهد شاهد من بني إسرائيل فآمن. أتؤمنون؟ قاله الزجاج.الثاني: تقدير المحذوف: فآمن واستكبرتم أفما تهلكون. قاله مذكور.الثالث: تقدير المحذوف من جوابه: فمن أضل منكم إن الله لا يهدي القوم الظالمين.قوله عز وجل: {وَقال الِّذِينَ كَفَرُواْ لِلِّذِينَ ءَآمنوا لَو كَانَ خَيرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} وفي سبب نزول هذه الآية أربعة أقاويل:أحدها: أن أبا ذر الغفاري دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام بمكة فأجاب واستجاب به قومه فأتاه زعيمهم فأسلم. ثم دعاهم الزعيم فأسلموا فبلغ ذلك قريشًا فقالوا: غفار الخلفاء لوكان خيرًا ما سبقونا إليه. فنزلت. قاله أبو المتوكل.الثاني: أن زنيرة أسلمت فأصيب بصرها. فقالوا لها: أصابك اللات والعزى. فرد الله عليها بصرها. فقال عظماء قريش: لوكان ما جاء به محمد خير ما سبقتنا إليه زنيرة فنزلت. قاله عروة بن الزبير.الثالث: أن الذين كفروا هم عامر وغطفان وأسد وحنظلة قالوا لمن أسلم من غفار وأسلم وغطفان وجهينة ومزينة وأشجع: لوكان ما جاء به محمد خيرًا ما سبقتنا إليه رعاة البهم. فنزلت. قاله الكلبي.الرابع: أن الكفار قالوا: لوكان خيرًا ما سبقتنا إليه اليهود فنزلت هذه الآية. قاله مسروق.وهذه المعارضة من الكفار في قولهم لوكان خيرًا ما سبقونا إليه من أقبح المعارضات لأنقلابها عليهم لكل من من خالفهم حتى يقال لهم: لوكان ما أنتم عليه خيرًا ما عدنا عنه. ولوكان تكذيبكم للرسول خيرًا ما سبقتمونا إليه.{وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ} يعني إلى الآيمان. وفيه وجهان:أحدهما: وإذا لم يهتدوا بمحمد صلى الله عليه وسلم. قاله مقاتل.الثاني: بالقرآن.{فَسَيَقولونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} يحتمل وجهين:أحدهما: فسيقولون هذا القرآن كذب قديم. تشبيهًا بدين موسى القديم. تكذيبًا بهما جيمعًا.قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قالواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ} فيه خمسة أوجه:أحدها: ثم استقاموا على أن الله ربهم. قاله أبو بكر الصديق رضي الله عنه.الثاني: ثم استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله. قاله ابن عباس.الثالث: على أداء فرائض الله. رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.الرابع: على أن أخلصوا له الدين والعمل. قاله أبو العالية.الخامس: ثم استقاموا عليه فلم يرجعوا عنه إلى موتهم. رواه أنس مرفوعًا.
|