الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{قُلْ هو} يعني القرآن {للذين آمنوا هُدىً} من الضلالة {وشفاءٌ} للشُّكوك والأوجاع.و{الوَقْر}: الصَّمم؛ فهُم في ترك القبول بمنزلة مَنْ في أُذنه صمم.{وهو عليهم عمىً} أي: ذو عمىً.قال قتادة: صَمُّوا عن القرآن وعَمُوا عنه {أولئك ينادَوْنَ من مكان بعيدٍ} أي: إِنهم لا يسمعون ولا يفهمون كالذي يُنادي من بعيد.قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب} هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والمعنى: كما آمن بكتابك قومٌ وكذَّب به قومٌ.فكذلك كتاب موسى، {ولولا كلمةٌ سَبَقَتْ مِنْ ربِّكَ} في تأخير العذاب إلى أجل مسمّىً وهو القيامة {لقُضيَ بينَهم} بالعذاب الواقع بالمكذِّبين {وإِنَّهم لفي شَكٍّ} مِنْ صِدقك وكتابك، {مريبٍ} أي: مُوقع لهم الرِّيبة.قوله تعالى: {إِليه يُرَدُّ عِلْمُ السّاعة} سبب نزولها أن اليهود قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: أَخْبِرنا عن السّاعة إن كنتَ رسولًا كما تزعم، قاله مقاتل.ومعنى الآية: لا يَعْلَم قيامَها إلا هو، فإذا سُئل عنها فِعلْمُها مردودٌ إِليه.{وما تَخْرُج من ثمرةٍ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {من ثمرةٍ}.وقرأ نافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم: {من ثمراتٍ} على الجمع {مِنْ أكمامها} أي: أوعيتها.قال ابن قتيبة: أي: من المواضع التي كانت فيها مستترةً، وغلاف كل شيء: كُمُّه، وإِنما قيل: كُمُّ القميص، من هذا.قال الزجاج: الأكمام: ما غَطَّى، وكلُّ شجرة تُخْرِج ماهو مُكَمَّم فهي ذات أكمام، وأكمامُ النخلة: ما غطَّى جُمَّارَها من السَّعَفِ والليف والجِذْع، وكلُّ ما أخرجتْه النخلة فهو ذو أكمام، فالطَّلْعة كُمُّها قشرها، ومن هذا قيل للقَلَنْسُوة: كُمَّة، لأنها تُغَطِّي الرأْس، ومن هذا كُمّا القميص، لأنهما يغطِّيان اليدين.قوله تعالى: {ويومَ يُناديهم} أي: ينادي اللهُ تعالى المشركين {أين شركائِي} الذين كنتم تزعُمون {قالوا آذَنّاكَ} قال الفراء، وابن قتيبة: أعلمناكَ، وقال مقاتل: أسمعناكَ {ما مِنّا من شهيدٍ} فيه قولان:أحدهما: أنه من قول المشركين؛ والمعنى: ما مِنّا مِنْ شهيد بأنَّ لكَ شريكًا، فيتبرَّؤون يومئذ ممّا كانوا يقولون، هذا قول مقاتل.والثاني: أنه من قول الآلهة التي كانت تُعبد؛ والمعنى: ما مِنّا من شهيد لهم بما قالوا، قاله الفراء، وابن قتيبة.قوله تعالى: {وضَلَّ عنهم} أي: بََطَلَ عنهم في الآخرة {ما كانوا يَدْعُونَ} أي: يعبُدون في الدنيا، {وظنُّوا} أي: أيقنوا {ما لهم مِنْ مَحيصٍ} وقد شرحنا المحيص في سورة [النساء: 121].قوله تعالى: {لا يَسأمُ الإِنسانُ} قال المفسرون: المراد به الكافر؛ فالمعنى: لا يَمَلُّ الكافرُ {من دعاء الخير} أي: من دعائه بالخير، وهو المال والعافية.{وإِن مَسَّه الشَّرُّ} وهو الفقر والشِّدة؛ والمعنى: إذا اختُبر بذلك يئس من رَوْح ال، له وقَنْط من رحمته.وقال أبو عبيدة: اليؤوس، فَعُول من يأس، والقَنُوط، فَعُول من قَنَط.قوله تعالى: {لئن أَذَقْناه رَحْمَةً مِنَّا} أي: خيرًا وعافية وغِنىً، {لَيَقُولَنَّ هذا لِي} أي: هذا واجب لي بعملي وأنا محقوق به، ثم يشُكُّ في البعث فيقول {وما أظُنُّ السّاعةَ قائمةً} أي: لست على يقين من البعث {ولئن رُجِعْتُ إلى ربِّي إنَّ لي عندَه لَلْحُسنى} يعني الجنة، أي: كما أعطاني في الدنيا يعطيني في الآخرة {فَلَنُنَبِّئَنَّ الذين كفَروا} أي: لَنُخْبِرَنَّهم بمساوئ أعمالهم.وما بعده قد سبق [إبراهيم: 17] [الإسراء: 83] إلى قوله تعالى: {ونأى بجانبه} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {ونأى} مثل نعى.وقرأ ابن عامر: {وناء} مفتوحة النون ممدودة والهمزة بعد الألف.وقرأ حمزة: {نئى} مكسورة النون والهمزة.{فذو دُعاءٍ عريضٍ} قال الفراء، وابن قتيبة: معنى العريض: الكثير، وإن وصفته بالطول أو بالعَرْض جاز في الكلام.{قُلْ} يامحمد لأهل مكة {أرأيتم إِن كان} القرآن {مِنْ عند الله ثُمَّ كَفَرتُم به مَنْ أَضَلُّ مِمَّن هو في شِقاق} أي: خلاف للحق {بعيدٍ} عنه؟! وهو اسم؛ والمعنى: فلا أحدٌ أَضَلّ منكم.وقال ابن جرير: معنى الآية: ثُمَّ كفرتم به، ألستُم في شقاقٍ للحق وبُعد عن الصواب؟! فجعل مكان هذا باقي الآية.قوله تعالى: {سنُريهم آياتِنا في الآفاق وفي أنفسُهم} فيه خمسة أقوال.أحدها: في الآفاق: فتح أقطار الأرض، وفي أنفسهم: فتح مكة، قاله الحسن، ومجاهد، والسدي.والثاني: أنها في الآفاق: وقائع الله في الأمم الخالية، وفي أنفسهم: يوم بدر، قاله قتادة، ومقاتل.والثالث: أنها في الآفاق: إمساك القَطْر عن الأرض كلِّها، وفي أنفسهم: البلايا التي تكون في أجسادهم، قاله ابن جريج.والرابع: أنها في الآفاق: آيات السماء كالشمس والقمر والنجوم، وفي أنفسهم: حوادث الأرض، قاله ابن زيد.وحكي عن ابن زيد؛ أن التي في أنفُسهم: سبيل الغائط والبول، فإن الإنسان يأكل ويشرب من مكان واحد، ويخرج من مكانين.والخامس: أنها في الآفاق: آثار مَنْ مضى قَبْلَهم من المكذِّبين، وفي أنفسهم: كونهم خُلِقوا نُطَفًا ثم عَلَقاَ ثم مُضَغًا ثم عظامًا إلى أن نُقِلوا إلى العقل والتمييز، قاله الزجاج.قوله تعالى: {حتى يَتَبَيَّن لهم أنَّه الحَقُّ} في هاء الكناية قولان:أحدهما: أنها ترجع إلى القرآن.والثاني: إلى جميع ما دعاهم إِليه الرسول.وقال ابن جرير: معنى الآية: حتى يعلموا حقيقة ما أَنزلْنا على محمد وأوحينا إِليه من الوعد له بأنّا مُظْهِرو دينه على الأديان كلِّها.{أَوَلَمْ يَكْفِ بربِّكَ أنه على كُلِّ شيءٍ شهيدٌ} أي: أوَلَمْ يكفِ به أنه شاهدٌ على كل شيء؟! قال الزجاج: المعنى: أو لم يكفِهم شهادةُ ربِّك؟! ومعنى الكفاية هاهنا: أنه قد بيَّن لهم ما فيه كفاية في الدّلالة على توحيده وتثبيت رسله. اهـ.
|