الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{كما أحسن الله إليك} بتلك النعم التي خولكها، والكاف للتشبيه، وهو يكون في بعض الأوصاف، لأن مماثلة إحسان العبد لإحسان الله من جميع الصفات يمتنع أن تكون، فالتشبيه وقع في مطلق الإحسان، أو تكون الكاف للتعليل، أي أحسن لأجل إحسان الله إليك.{ولا تبغ الفساد} أي ما أنت عليه من البغي والظلم.{على علم} علم: مصدر، يحتمل أن يكون مضافًا إليه ومضافًا إلى الله. فقال الجمهور: ادّعى أن عنده علمًا استوجب به أن يكون صاحب تلك الكنوز. فقيل: علم التوراة وحفظها، وكان أحد السبعين الذين اختارهم موسى للميقات، وكانت هذه مغالطة. وقال أبو سليمان الداني: أي علم التجارة ووجوه المكاسب، أي أوتيته بإدراكي وسعيي.وقال ابن المسيب: علم الكيمياء، قال ابن المسيب: وكان موسى عليه السلام يعلم الكيمياء، وهي جعل الرصاص والنحاس ذهبًا.وعن ابن عباس: على علم الصنعة الذهب، ولعل ذلك لا يصح عنه ولا عن ابن المسيب. وأنكر الزجاج علم الكيمياء وقال: باطل لا حقيقة له. انتهى.وكثيرًا ما تولع أهل مصر بطلب أشياء من المستحيلات والخرافات؛ من ذلك: تغوير الماء، وخدمة الصور الممثلة في الجدر خطوطًا، وادعائهم أن تلك الخطوط تتحرك إذا خدمت بأنواع من الخدم لهم، والكيمياء؛ حتى أن مشايخ العلم عندهم، الذين هم عندهم بصورة الولاية، يتطلب ذلك من أجهل وارد من المغاربة.وقال ابن زيد وغيره: أراد: {أوتيته على علم} من الله وتخصيص من لدنه قصدني به، أي فلا يلزمني فيه شيء مما قلتم، ثم جعل قوله: {عندي} كما يقول: في معتقدي وعلى ما أراه.وقال مقاتل: {على علم} أي على خير علمه الله عندي.والظاهر أن قوله: {أو لم يعلم} تقرير لعلمه ذلك، وتنبيه على خطئه في اغتراره؛ أي قد علم أن الله قد أهلك من القرون قبله من هو أقوى منه وأغنى، لأنه قد قرأه في التوراة، وأخبر به موسى، وسمعه في التواريخ، كأنه قيل: أو لم يعلم في جملة ما عنده من العلم؟ هذا حتى لا يغتر بكثرة ماله وقوته.قال الزمخشري: ويجوز أن يكون نعتًا لعلمه بذلك، لأنه لما قال: {أوتيته على علم عندي} فتنفح بالعلم وتعظم به، قيل: أعنده مثل ذلك العلم الذي ادعاه؟ وأرى نفسه به مستوجبة لكل نعمة، ولم يعلم هذا العلم النافع حتى يقي نفسه مصارع الهالكين. انتهى.{وأكثر جمعًا} إما للمال، أو جماعة يحوطونه ويخدمونه. قال ابن عطية: {أو لم يعلم} يرجح أن قارون تشبع بعلم نفسه على زعمه. وقرأ الجمهور: {ولا يسأل} مبنيًا للمفعول و{المجرمون} رفع به، وهو متصل بما قبله، قاله محمد بن كعب. والضمير في {ذنوبهم} عائد على من أهلك من القرون، أي لا يسأل غيرهم ممن أجرم، ولا ممن لم يجرم، عمن أهلكه الله، بل: {كل نفس بما كسبت رهينة} وقيل: أهلك من أهلك من القرون، عن علم منه بذنوبهم، فلم يحتج إلى مسألتهم عنها. وقيل: هو مستأنف عن حال يوم القيامة.قال قتادة: لا يسألون عن ذنوبهم لظهورها وكثرتها، لأنهم يدخلون النار بغير حساب. وقال قتادة أيضًا، ومجاهد: لا تسألهم الملائكة عن ذنوبهم، لأنهم يعرفونهم بسيماهم من السواد والتشويه، كقوله: {يعرف المجرمون بسيماهم} وقيل: لا يسألون سؤال توبيخ وتفريع. وقرأ أبو جعفر في روايته: {ولا تسأل} بالتاء والجزم، المجرمين: نصب.وقرأ ابن سيرين، وأبو العالية: كذلك في {ولا تسأل} على النهي للمخاطب، وكان ابن أبي إسحاق لا يجوّز ذلك إلاّ أن يكون المجرمين بالياء في محل النصب، بوقوع الفعل عليه.قال صاحب اللوامح: فالظاهر ما قاله، ولم يبلغني في نصب المجرمين شيء، فإن تركاه على رفعه، فله وجهان: أحدهما: أن تكون الهاء والميم في {عن ذنوبهم} راجعة إلى ما تقدم من القرون، وارتفاع المجرمين بإضمار المبتدأ، وتقديره: هم المجرمون، أو أولئك المجرمون، ومثله {التائبون العابدون} في التوبة.والثاني: أن يكون بدلًا من أصل الهاء والميم في ذنوبهم، لأنها، وإن كانت في محل الجر بالإضافة إليها، فإن أصلها الرفع، لأن الإضافة إليها بمنزلة إضافة المصدر إلى اسم الفاعل؛ فعلى ذلك المجرمون محمول على الأصل، على ما تقدم لنا من أن بعضهم قرأ: {أن يضرب مثلًا مّا بعوضة} بالجر، على أنها بدل من أصل المثل، وما زائدة فيه، وتقديره: لا يستحي بضرب مثل بعوضة، أي بضرب بعوضة.في ذلك فسر أن مع الفصل بالمصدر ناصب إلى المفعول به، ثم أبدل منه البعوضة من غير أن أعرف فيها أثرًا لحال. فأما قوله: من ذنوبهم، فذنوب جمع، فإن كان جمع مصدر، ففي إعماله خلاف. وأما قوله على ما تقدم لنا من أن بعضهم قرأ، فقد ذكر في البقرة أنه سمع ذلك، ولا تعرف فيها أثرًا، فينبغي أن لا يجعلها قراءة. اهـ.
وقال ابن العربي في أحكامه: وفي معنى النصيبِ ثلاثة أقوال: الأولُ: لا تَنْس حظَّكَ من الدنيا، أي: لا تَغْفَلْ أنْ تَعْمَلَ في الدنيا للآخرة، الثاني: أمْسِك مَا يَبْلُغَكَ؛ فذلك حظُّ الدنيا، وأنْفِقِ الفَضْلَ فذلكَ حظُّ الآخرة، الثالث: لاَ تَغْفَلْ عَنْ شُكْرِ مَا أَنْعَمَ اللّهُ بِهِ عَلَيْكَ، انتهى. وقولهُم: {وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} أمرٌ بِصِلةِ المساكينِ وذَوِي الحاجَاتِ.ص: {كَمَا أَحْسَنَ}- الكاف للتشبيهِ أو للتعليل-، انتهى. وقول قارون: {قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عنديا} قال الجمهور: ادَّعَى أنَّ عندَه علمًا استوجَبَ به أن يكونَ صاحبَ ذلك المالِ، ثم اخْتَلَفُوا في ذلك العلم، فقال ابن المسيب: أراد علم الكيمياء. وقال أبو سليمان الداراني: أراد العلم بالتجارة ووجوهِ تثميرِ المال، وقيل غير هذا.وقوله تعالى: {وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} قال محمد بن كعب: هو كلامٌ متصِلٌ بمعنى ما قبلَه، والضميرُ في {ذُنُوبِهِمُ} عائدٌ على مَنْ أُهْلِكَ مِن القرون، أي: أهْلِكوا وَلَمْ يُسْئَلْ غَيرُهم بَعْدَهُمْ عَنْ ذنوبهم، أي: كل أحد إنما يُكَلَّمُ ويُعَاتَبُ بِحَسْبِ ما يَخْصُّه، وقالت فرقة: هو إخبار مستأنَفٌ عَنْ حالِ يومِ القيامةِ، وجَاءتْ آيات أُخَرُ تَقْتَضِي السؤالَ، فقالَ الناسُ في هذا: إنها مواطنُ وطوائفُ. وقِيل غيرُ هذا، ويوم القيامة هو مواطنُ. اهـ.
|