الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{ولا تُرهقني مِنْ أمري عُسْرًا} فيه أربعة أوجه:أحدها: لا تعنفني على ما تركت من وصيتك، قاله الضحاك.الثاني: لا يغشني منك العسر، من قولهم غلام مراهق إذا قارب أن يغشاه البلوغ، ومنه حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ارهقوا القبلة» أي اغشوها واقربوا منها.الثالث: لا تكلفني ما لا أقدر عليه من التحفظ عن السهو والنسيان، وهو معنى قول مقاتل:الرابع: لا يلحقني منك طردي عنك.قوله تعالى: {فانطلقا حتى إذا لقيا غلامًا فقتله} يعني انطلق موسى والخضر فاحتمل أن يكون يوشع تأخر عنهما، لأن المذكور انطلاق اثنين وهو الأظهر لاختصاص موسى بالنبوة واجتماعه مع الخضر عن وحي، واحتمل أن يكون معهما ولم يذكر لأنه تابع لموسى، فاقتصر على ذكر المتبوع دون التابع لقول موسى: {ذلك ما كنا نبغي} فكان ذلك منه إشارة إلى فتاه يوشع.واختلف في الغلام المقتول هل كان بالغًا، فقال ابن عباس: كان رجلًا شابًا قد قبض على لحيته لأن غير البالغ لا يجري عليه القلم بما يستحق به القتل، وقد يسمى الرجل غلامًا، قالت ليلى الأخيلية في الحجّاج:
وقال الأكثرون: كان صغيرًا غير بالغ وكان يلعب مع الصبيان، حتى مر به الخضر فقتله.وفي سبب قتله قولان:أحدهما: لأنه طبع على الكفر.الثاني: لأنه أصلح بقتله حال أبويه. وفي صفة قتله قولان:أحدهما: أنه أخذه من بين الصبيان فأضجعه وذبحه بالسكين، قاله سعيد بن جبير.الثاني: أنه أخذ حجرًا فقتل به الغلام، قاله مقاتل فاستعظم موسى ما فعله الخضر من قتل الغلام من غير سبب.فـ: {قال أقتلت نَفْسًا زَكيةً بغير نفْسٍ} فاختلف هل قاله استخبارًا أو إنكارًا على قولين:أحدهما: أنه قال ذلك استخبارًا عنه لعلمه بأنه لا يتعدى في حقوق الله تعالى.الثاني: أنه قاله إنكارًا عليه لأنه قال: {لقد جئت شيئًا نُكرًا}.قرأ أبو عمرو ونافع وابن كثير {زاكية} وقرأ حمزة وابن عامر وعاصم والكسائي {زكيّة} بغير ألف.واختلف في {زاكية}- و{زكية} على قولين: أحدهما: وهو قول الأكثرين أن معناهما واحد، فعلى هذا اختلف في تأويل ذلك على ستة أوجه:أحدها: أن الزاكية التائبة، قاله قتادة.الثاني: أنها الطاهرة، حكاه ابن عيسى.الثالث: أنها النامية الزائدة، قاله كثير من المفسرين، قال نابغة بني ذبيان: يعني الزيادة.الرابع: الزاكية المسلمة، قاله ابن عباس لأن عنده أن الغلام المقتول رجل.الخامس: أن الزاكية التي لم يحل دمها، قاله أبو عمرو بن العلاء.السادس: أنها التي لم تعمل الخطايا، قاله سعيد بن جبير. والقول الثاني: أن بين الزاكية والزكية فرقًا، وفيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن الزاكية في البدن، والزكية في الدين، وهذا قول أبي عبيدة.الثاني: أن الزكية أشد مبالغة من الزاكية، قاله ثعلب.الثالث: أن الزاكية التي لم تذنب، والزكية التي أذنبت ثم تابت فغفر لها، قاله أبو عمرو بن العلاء.{لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا} فيه أربعة أوجه:أحدها: شيئًا منكرًا، قاله الكلبي.الثاني: أمرًا فظيعًا قبيحًا، وهذا معنى قول مقاتل.الثالث: أنه الذي يجب أن ينكر ولا يفعل.الرابع: أنه أشد من الإِمْر، قاله قتادة. اهـ.
وهذا في صفة الحجاج، وفي الخبر أن هذا الغلام، كان يفسد في الأرض ويقسم لأبويه أنه ما فعل فيقسمان على قسمه، ويحميانه ممن يطلبه، وقرأ ابن عباس والأعرج وأبو جعفر ونافع والجمهور: {زاكية}، وقرأ الحسن وعاصم والجحدري {زكية} والمعنى واحد، وقد ذهب القوم إلى الفرق وليس ببين، وقوله: {بغير نفس} يقتضي أنه لو كان عن قتل نفس لم يكن به بأس، وهذا يدل على كبر الغلام وإلا فلو كان لم يحتلم لم يجب قتله بنفس، ولا بغير نفس وقرأ الجمهور: {نكرًا} وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر وشيبة {نكُرًا} بضم الكاف واختلف عن نافع، ومعناه: شيئًا ينكر، واختلف الناس أيهما أبلغ قوله: {إمرًا} [الكهف: 71] أو قوله: {نكرًا} فقالت فرقة هذا قتل بين، وهناك مترقب فـ: {نكرًا} أبلغ وقالت فرقة هذا قتل واحد، وذلك قتل جماعة فـ: {إمرًا} [الكهف: 71] أبلغ وعندي أنهما المعنيين، قوله: {إمرًا} [الكهف: 71] أفظع وأهول من حيث هو متوقع عظيم، و{نكرًا} أبين في الفساد لأن مكروهه قد وقع ونصف القرآن بعد الحروف انتهى إلى النون من قوله: {نكرًا}. اهـ.
وفي صفة قتله له ثلاثة أقوال.أحدها: أنه اقتلع رأسه، وقد ذكرناه في حديث أُبَيٍّ.والثاني: كسر عنقه، قاله ابن عباس.والثالث: أضجعه وذبحه بالسكين، قاله سعيد بن جبير.قوله تعالى: {أقتلت نفسًا زاكية} قرأ الكوفيون، وابن عامر: {زكيَّة} بغير ألف، والياء مشددة. وقرأ الباقون بالألف من غير تشديد.قال الكسائي: هما لغتان بمعنى واحد، وهما بمنزلة القاسية، والقَسيّة.وللمفسرين فيها ستة أقوال.أحدها: أنها التائبة، روي عن ابن عباس أنه قال: الزكية: التائبة، وبه قال الضحاك.والثاني: أنها المسلمة، روي عن ابن عباس أيضًا.والثالث: أنها الزكية التي لم تبلغ الخطايا، قاله سعيد بن جبير.والرابع: أنها الزكية النامية، قاله قتادة.وقال ابن الأنباري: القويمة في تركيبها.والخامس: أن الزكية: المطهرة، قاله أبو عبيدة.والسادس: أن الزكية: البريئة التي لم يظهر ما يوجب قتلها، قاله الزجاج.وقد فَرَّق بعضهم بين الزاكية، والزكيَّة، فروي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: الزاكية: التي لم تذنب قطُّ، والزكية: التي أذنبت ثم تابت.وروي عن أبي عبيدة أنه قال: الزاكية في البدن، والزكية في الدِّين.قوله تعالى: {بغير نفس} أي: بغير قتل نفس {لقد جئت شيئًا نكرًا} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {نكْرًا} خفيفة في كل القرآن، إِلا قوله: {إِلى شيءٍ نُكُر} [القمر: 6]، وخفف ابن كثير أيضًا {إِلى شيء نُكْر}.وقرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {نُكُرًا} و{إِلى شيء نُكْر}.مثقل.والمخفف إِنما هو من المثقل، كالعُنْق، والعُنُق، والنُكْر، والنُكُر.قال الزجاج: والمعنى: لقد أتيت شيئًا نكرًا.ويجوز أن يكون معناه: جئت بشيء نكر، فلما حذف الباء، أفضى الفعل فنصب نكرًا، و{نكرًا} أقل منكرًا من قوله: {إِمرًا} لأن تغريق مَنْ في السفينة كان عنده أنكر من قتل نفس واحدة. اهـ.
|