الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
السّهيلي: ذكر النقاش التسعة الذين كانوا يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وسماهم بأسمائهم، وذلك لا ينضبط برواية؛ غير أني أذكره على وجه الاجتهاد والتخمين، ولكن نذكره على ما وجدناه في كتاب محمد بن حبيب، وهم: مصدع بن دهر.ويقال دهم، وقدار بن سالف، وهريم وصواب ورياب وداب ودعما وهرما ودعين بن عمير.قلت: وقد ذكر الماوردي أسماءهم عن ابن عباس فقال: هم دعما ودعيم وهرما وهريم وداب وصواب ورياب ومسطح وقدار، وكانوا بأرض الحجر وهي الشام.قوله تعالى: {قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بالله لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} يجوز أن يكون {تَقَاسَمُوا} فعلًا مستقبلًا وهو أمر؛ أي قال بعضهم لبعض احلفوا.ويجوز أن يكون ماضيًا في معنى الحال كأنه قال: قالوا متقاسمين بالله؛ ودليل هذا التأويل قراءة عبد الله: {يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ} وليس فيها {قَالُوا}.{لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ} قراءة العامة بالنون فيهما واختاره أبو حاتم.وقرأ حمزة والكسائي: بالتاء فيهما، وضم التاء واللام على الخطاب أي أنهم تخاطبوا بذلك؛ واختاره أبو عبيد.وقرأ مجاهد وحميد بالياء فيهما، وضم الياء واللام على الخبر.والبيات مباغتة العدو ليلًا.ومعنى {لِوَلِيّهِ} أي لرهط صالح الذي له ولاية الدم.{مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} أي ما حضرنا، ولا ندري من قتله وقتل أهله.{وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} في إنكارنا لقتله.والمُهْلَك بمعنى الإهلاك؛ ويجوز أن يكون الموضع.وقرأ عاصم والسلميّ بفتح الميم واللام أي الهلاك؛ يقال: ضرب يضرب مَضْرَبًا أي ضربًا.وقرأ المفضّل وأبو بكر: بفتح الميم وجر اللام فيكون اسم المكان كالمجلس لموضع الجلوس؛ ويجوز أن يكون مصدرًا؛ كقوله تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} [يونس: 4] أي رجوعكم.{وَمَكَرُواْ مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}.مكرهم ما روي أن هؤلاء التسعة لما كان في صدر الثلاثة الأيام بعد عقر الناقة، وقد أخبرهم صالح بمجيء العذاب، اتفقوا وتحالفوا على أن يأتوا دار صالح ليلًا ويقتلوه وأهله المختصين به؛ قالوا: فإذا كان كاذبًا في وعيده أوقعنا به ما يستحق، وإن كان صادقًا كنا عجلناه قبلنا، وشفينا نفوسنا؛ قاله مجاهد وغيره.قال ابن عباس: أرسل الله تعالى الملائكة تلك الليلة، فامتلأت بهم دار صالح، فأتى التسعة دار صالح شاهرين سيوفهم، فقتلتهم الملائكة رضخًا بالحجارة فيرون الحجارة ولا يرون من يرميها.وقال قتادة: خرجوا مسرعين إلى صالح، فسلطّ عليهم ملك بيده صخرة فقتلهم.وقال السديّ: نزلوا على جرف من الأرض، فانهار بهم فأهلكهم الله تحته.وقيل: اختفوا في غار قريب من دار صالح، فانحدرت عليهم صخرة شدختهم جميعًا؛ فهذا ما كان من مكرهم.ومكر الله مجازاتهم على ذلك.{فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} أي بالصيحة التي أهلكتهم.وقد قيل: إن هلاك الكل كان بصيحة جبريل.والأظهر أن التسعة هلكوا بعذاب مفرد؛ ثم هلك الباقون بالصيحة والدمدمة.وكان الأعمش والحسن وابن أبي إسحاق وعاصم وحمزة والكسائي يقرؤون: {أَنَّا} بالفتح؛ وقال ابن الأنباري: فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على {عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ} لأن {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} خبر كان.ويجوز أن تجعلها في موضع رفع على الإتباع للعاقبة.ويجوز أن تجعلها في موضع نصب من قول الفرّاء، وخفض من قول الكسائي على معنى: بأنا دمرناهم ولأنا دمرناهم.ويجوز أن تجعلها في موضع نصب على الإتباع لموضع {كَيْفَ} فمن هذه المذاهب لا يحسن الوقف على {مَكْرِهِمْ}.وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: {إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} بكسر الألف على الاستئناف؛ فعلى هذا المذهب يحسن الوقف على {مَكْرِهِمْ}.قال النحاس: ويجوز أن تنصب {عَاقِبَةُ} على خبر {كَانَ} ويكون {إِنَّا} في موضع رفع على أنها اسم {كان}.ويجوز أن تكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ تبيينًا للعاقبة؛ والتقدير: هي إنا دمرناهم؛ قال أبو حاتم: وفي حرف أُبَيّ {أَنْ دَمَّرْنَاهُمْ} تصديقًا لفتحها.قوله تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظلموا} قراءة العامة بالنصب على الحال عند الفرّاء والنحاس؛ أي خالية عن أهلها خرابًا ليس بها ساكن.وقال الكسائي وأبو عبيدة: {خَاوِيَةً} نصب على القطع؛ مجازه؛ فتلك بيوتهم الخاوية، فلما قطع منها الألف واللام نصب على الحال؛ كقوله: {وَلَهُ الدين وَاصِبًا} [النحل: 52].وقرأ عيسى بن عمر ونصر بن عاصم والجحدري: بالرفع على أنها خبر عن {تِلْكَ} و{بُيُوتُهُمْ} بدل من {تِلْكَ}.ويجوز أن تكون {بُيُوتُهُمْ} عطف بيان و{خَاوِيَةٌ} خبر عن {تِلْكَ}.ويجوز أن يكون رفع {خَاوِيَةٌ} على أنها خبر ابتداء محذوف؛ أي هي خاوية، أو بدل من {بُيُوتُهُمْ} لأن النكرة تبدل من المعرفة.{إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَأَنجَيْنَا الذين آمَنُواْ} بصالح {وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} الله ويخافون عذابه.قيل: آمن بصالح قدر أربعة آلاف رجل.والباقون خرج بأبدانهم في قول مقاتل وغيره خُرَاجٌ مثل الحمّص؛ وكان في اليوم الأوّل أحمر، ثم صار من الغد أصفر، ثم صار في الثالث أسود.وكان عقر الناقة يوم الأربعاء، وهلاكهم يوم الأحد.قال مقاتل: فقعت تلك الخراجات، وصاح جبريل بهم خلال ذلك صيحة فخمدوا، وكان ذلك ضحوة.وخرج صاح بمن آمن معه إلى حضرموت؛ فلما دخلها مات صالح؛ فسميت حضرموت.قال الضحاك: ثم بنى الأربعة الآلاف مدينة يقال لها حاضورا؛ على ما تقدّم بيانه في قصة أصحاب الرسّ. اهـ.
|