الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
اعلم أن الله ليس مثل الرجل يحلف ويكذب؛ إذا قال الرب قولًا فعله، وكلامه دائم إلى الأبد، ساقني لأعود وأبرك، ولا أرد البركة ولا أخالف ما أمرت به، لست أرى في آل يعقوب إثمًا ولا غدرًا عند بني إسرائيل ولا ظلمًا، لأن الله ربه معه الله الذي أخرجهم من مصر بعزة وعظمة قوية، ولست أرى في آل يعقوب طيرة، ولا حساب نجوم أو عراف بين بني إسرائيل، كيف أقول والشعب قائم مثل الضرغام لا يربض حتى يفترس فريسته ويشرب دم القتل، فقال بالاق لبلعام: أطلب أن لا تلعنه ولا تدعوا له، فرد بلعام على بالاق قائلًا: ألست قلت لك: إني إنما أنطق بما يقول لي الرب، فقال بالاق: انطلق بنا إلى موضع آخر، لعل الله يرضى بغير هذا فتلعنه لي هناك، فأصعده إلى رأس فغور الذي بإزاء إستيمون، فأمره بمثل ما تقدم من الذبح والقربان، فرأى بلعام أن الرب يحب أن يدعو لبني إسرائيل، ولم ينطلق كما كان ينطلق في كل وقت ليطلب الوحي، ولكن أقبل بوجهه إلى البرية ومد بصره، فرأى بني إسرائيل نزولًا قبائل قبائل فحل عليه روح الله، ورفع صوته بأمثاله وقال: قل يا بلعام بن بعور، قل أيها الرجل الذي أجلى عن بصره، قل أيها الذي سمع قول الله ورأى رؤيا الله وهو ملقى وعيناه مفتوحتان، ما أحسن منزلك يا يعقوب ومنازلك يا إسرائيل! وخيمك كالأدوية الجارية، ومثل الفراديس التي على شاطئ النهر، ومثل الجنى الذي ركزه الله، ومثل شجر الأرز على شاطى النهر يخرج رجل من بينه وذريته أكثر من الماء الكثير، ويعظم على الملك، وذلك بقوة الله الذي أخرجهم من أرض مصر بغير توقف رثمًا، يأكل خيرات الشعوب أعدائه ويكسر عظامهم ويقطع ظهوهم، رتع وربض كالأسد ومثل شبل الليث، ومن يقدر أن يبعثه، يبارك مباركوك ويلعن لاعنوك، فاشتد غضب بالاق على بلعام وصفق بيديه متلهفًا وقال: دعوتك للعن أعدائي، فماذا أنت تباركهم وتدعو لهم ثلاث مرات، انصرف الآن إلى بلادك، قد كنت عزمت على إكرامك وإجازتك فإذا الرب قد أحرمك ذلك، فرد بلعام على بالاق قائلًا: قد كنت قلت لرسلك الذين أرسلتهم إليّ أنه لو وهب لي بالاق ملء بيته من ذهب وفضة لم أقدر أتعدى عن قول الرب، ولكن إنما انطق ما يلهمني الرب، فأنا أنطلق الآن إلى أرضي، فأسمع ما أشير عليك وأخبرك ما يصنع هذا الشعب بشعبك آخر الأيام، ثم رفع صوته بأمثاله وقال: قل يا بلعام بن بعور قل أيها الرجل المجلى عن بصره! قل أيها الذي سمع قول الله وعلم علم العلي ورأى رؤيا الله إذ هو ملقى وعيناه مفتوحتان! فإني رأيته وإذا ليس ظهوره الآن وإن كان متدانفًا، ونظرت في أمره وإذا ليس بقريب، يشرق نجم من آل يعقوب، ويقوم رئيس من بني إسرائيل، ويهلك جبابرة من مؤاب ويبيد جميع بني شيث، وتثير أدوم ميراثه، وساعير وراثة أعدائه يصير له، ويستفيد بنو إسرائيل قوة بقوته- ونحو ذلك من الكلام الذي فيه ما يكون سببًا لا نسلاخه من الآيات، لكن ذكر المفسرون أنه أشار عليه باختلاط نساء بلاده ببني إسرائيل متزينات غير ممتنعات ممن أرادهن منهم ليزنوا بهن فيحل بهم الرجز، فوقع بهم ذلك، وهو الصواب لأنه ستأتي الإشارة إليه في التوارة عند فتح مدين بقوله: لماذا أبقيتم على الإثاث وهن كن عثرة لبني إسرائيل عن قول بلعام ومشورته- وسيأتي ذلك قريبًا، وما فيه من ذكر الوحي فهو محمول على المنام أو غير ذلك مما يليق؛ ثم قال: وقام بلعام ورجع منصرفًا إلى بلاده وبالاق أيضًا رجع إلى بيته، وسكن بنو إسرائيل شاطيم، وبدأ الشعب أن يسفح مع بنات مؤاب، ودعون الشعب إلى ذبائح آلهتهم، وأكل الشعب- من ذبائحهم وسجدوا لآلهتهم، وكمل بنو إسرائيل لعبادة بعليون الصنم، فاشتد غضب الله على بني إسرائيل، فقال الرب لموسى اعمد إلى جميع بني إسرائيل فافضحهم، فقال موسى: يقتل كل رجل منكم كل من أخطأ وسجد لبعليون، وإذا رجل من بني إسرائيل قد أتى بجرأة أمام إخوته من غير أن يستحي، فدخل على امرأة مدينية وموسى وبنو إسرائيل يبكون في باب قبة الآمد، فرآه فنحاس بن اليعازر بن هارون الحبر فنهض من الجماعة غضبًا لله وأخذ بيده رمحًا ودخل إلى بيت الذي كانا فيه فطعنهما بالرمح فقتلهما، فكف الموت الفاشي عن بني إسرائيل، وكان عدد الذين ماتوا في الموت البغتة أربعة وعشرين ألفًا، وكلم الرب موسى وقال له: فنحاس صرف غضبي عن بين إسرائيل وغار غيرة لله بينهم وطهر بني إسرائيل، وكان اسم القتيل الذي قتل مع المدينية زمري ابن سلو، وكان رئيسًا في قبيلة شمعون، وكانت المرأة المدينية كزبى بنت صور، وكان أبوها- من رؤساء أهل مدين، وقال بعض المفسرين: أنه خرج رافعًا الحربة إلى السماء، قد اعتمد بمرفقه على خاصرته، وأسند الحربة إلى لحيته، فمن هنالك يعطي بنو إسرائيل ولد فنحاس من كل ذبيحة القبة والذراع واللحي والبكر من كل أموالهم وأنفسهم لأنه كان بكرًا لعيزار بن هارون.ثم كلم الرب موسى وقال له: ضيق على أهل مدين وأهلكهم كما ضيقوا عليكم ولحسوكم، ثم قال: ثم كلم الرب موسى وقال له: إني لمنتقم من المدينيين ما صنعوا بين بني إسرائيل، ثم تقتص إلى شعبك، ثم قال موسى للشعب: يتسلح منكم قوم للحرب لينتقموا للرب من المدينيين، وليكونوا اثنى عشر ألفًا، فانتخب موسى من بني إسرائيل ألفًا من كل سبط، اثنى عشر أبطالًا متسلحين وأرسلهم، وصير قائدهم فنحاس بن اليعازر الحبر ومعه أوعية القدس وقرون ينفخ بها، وتقووا على مدين كما أمر الرب موسى وقتلوا كل ذكر فيها وقتلو ملوك مدين مع القتلى، وقتل بلعام بن بعور معهم في الحرب، وسبى بنو إسرائيل نساء مدين وانتهبوا مواشيهم وسلبوا جميع دوابهم وأموالهم وأخربوا جميع قرى مساكنهم وأتو بما انتهبوه إلى موسى، وخرج موسى وجميع عظماء الجماعة فتلقوهم خارج العسكر، وغضب موسى على رؤساء الأحبار ورؤساء الألوف والمئين الذي أتوه من الحرب فقال لهم: لماذا أبقيتم على الإناث وهن كن عثرة لبني إسرائيل عن قول بلعام ومشورته، وفتنوا وغدروا وتمردوا على الرب في أمر فغور- وفي نسخة السبعين: فإن هؤلاء كن شيئًا لبني إسرائيل لقوم بلعام أن يتباعدوا ويتهاونوا بكلمة الرب من أجل فغور- فواقعت السخطة جماعة الرب- وفي النسخة الأخرى: وتسلط الموت على جماعة الرب- بغتة، فاقتلوا الآن جميع الذكورة من الصبيان، وكل امرأة أدركت وعقلت وعرفت الرجال فاقتلوها، وأبقوا على جميع النساء اللواتي لم يعرفن الرجال وأما أنتم فانزلوا خارجًا عن العسكر سبعة أيام- إلى آخر ما مضى قريبًا في الآصار. اهـ.
ومن أبياته أيضًا: قال أبو الفتح الموصلي يريد كخواف محذوف الياء.وأما قوله: {وَمَن يُضْلِلِ} يريد ومن يضلله الله ويخذله {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون} أي خسروا الدنيا والآخرة. اهـ.
|