الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة الرجل يبيع الحائط فيه صنف واحد من الثمار حين يبدو صلاحه ولم يعم: قال ابن القاسم وسمعت مالكا يقول في الرجل يبيع الحائط فيه صنف واحد من الثمار حين يبدو صلاحه ولم يعم الحائط كله. قال إن كان طيبه ذلك متتابعا فبيعه جائز، فأما الشيء المبكر، فلا يجوز بيع الحائط حتى يطيب طيبا متتابعا. قال وسمعت مالكا يقول في الرجل يبتاع الحائط فيه أصناف من التمر مختلفة، قد طاب بعضها وبقي بعض، قال لا أرى أن يباع منها إلا ما قد طاب، ويترك ما لم يطب. قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول في الرجل يشتري الدالية وقد بدأت الحبة في العنقود أو العنقودين قد طابت وسائرها لم يطب، والتينة كذلك، وما أشبه ذلك من الثمار؛ قال لا بأس به.قال محمد بن رشد: قوله في الذي يبيع الحائط فيه صنف واحد من الثمار حين يبدو صلاحه ولم يعم الصلاح الحائط كله، أنه بيع جائز إذا كان طيبه متتابعا. يريد بالصنف الواحد أن يكون نخلا كله، أو تينا كله، أو رمانا كله؛ وإن اختلفت أجناس التمر، أو أجناس التين، أو أجناس الرمان، فيجوز بيع الحائط كله بطيب جنس واحد منه إذا كان طيب جميعه متتابعا يقرب بعضه من بعض. وقال ابن كنانة وإن لم يقرب بعضه من بعض إذا كان طيبه متصلا لا يفرغ آخر الأول حتى يطيب أول الآخر، ويقوم ذلك من قول مالك في رسم طلق في مسألة الجنسين؛ لأن البطنين في الثمرة الواحدة كالجنسين من صنف واحد؛ وأما إذا كان الحائط أصنافا من الثمر مثل عنب وتين ورمان، فلا اختلاف في أنه لا يجوز أن يباع ما لم يطلب من الأصناف بما طاب منها وإن قرب وتتابع، إلا أن يكون الذي لم يطب منها تبعا لما طلب على اختلاف في ذلك سنذكره في آخر سماع أشهب إن شاء الله تعالى. وقوله في الرجل يبتاع الحائط فيه أصناف من الثمر مختلفة، قد طاب بعضها، وبقي بعض؛ إنه لا يباع منها إلا ما قد طاب، ويترك ما لم يطب؛ معناه في الأصناف المختلفة من الثمر، مثل تمر وتين وعنب ورمان؛ وكذلك الرواية فيه الثمر بالثاء المعجمة بثلاث لا بالتاء المعجمة باثنين؛ لأن الأصناف من الثمر يجوز أن تباع جميعا بإزهار بعضها؛ قيل إذا كان ذلك متتابعا، وهو قول مالك. وقيل وإن لم يتتابع إذا لم ينقطع الأول حتى بدأ طيب الآخر، وهو قول ابن كنانة حسبما وصفناه. وقد كان مالك يقول أولا إنه لا يجوز بيع الحائط حتى يعمه الزهو، ولا يباع بإزهار النخلة والنخلتين ثم قال: لا بأس أن يباع بازهاء النخلة والنخلتين؛ وقال إزهاء نخلة في خمسين مثل نخلة في ألف، وما أدركت الناس إلا على إجازته؛ قال ابن القاسم يريد فيما رأيت النخلة التي ليست بباكورة، وبعضه قريب من بعض؛ وقع ذلك في أصل السماع، وقيل إنه يجوز أن يباع الحائط وإن لم يزه فيه شيء إذا قرب من الزهو وإزهاء ما حواليه، وكان الرمان قد أمنت فيه العاهات؛ وهو قول مالك في رسم أخذ يشرب خمرا بعد هذا، وإليه ذهب ابن حبيب وقال إنه القياس؛ فيتحصل في هذه المسألة أربعة أقوال، أحدها، أنه لا يجوز بيع الحائط حتى يعمه الزهو، والثاني أنه يجوز بيعه وإن لم يعمه الزهو إذا أزهى بعضه، وكان زهو سائره قريبا متتابعا. والثالث أنه يجوز بيعه إذا أزهى بعضه وإن لم يقرب زهو سائره إذا اتصل طيبه ولم ينقطع الأول قبل أن يبدأ الثاني. والرابع أنه يجوز بيعه وإن لم يظهر فيه الزهو إذا ظهر فيما حواليه وكان الرمان قد أمنت فيه العاهات، وما استعجل زهوه من الثمار بعارض وسبب من مرض في الثمرة وما أشبه ذلك، فلا اختلاف في أنه لا يستباح به بيع ذلك الحائط وستأتي هذه المسألة أول رسم من سماع أشهب، وفي آخر رسم منه- إن شاء الله..مسألة يبيع الطعام على شرط إن أدركته الصفقة: قال ابن القاسم وسمعت مالكا يقول لا ينبغي بيع الطعام على شرط إن أدركته الصفقة، مثل الزرع القائم إذا يبس واستحصد؛ قال سحنون وسئل ابن القاسم عن هذا، فقال ذلك رأيي ما كان في البيوت من الطعام المخزون؛ لأنه أمر لا يدرى ما فيها وليست بمنزلة السلع؛ قال سحنون وهذا عندي في الجزاف.قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم وسحنون يبين قول مالك ويفسره، فمعنى قوله لا ينبغي بيع الطعام على شرط إن أدركته الصفقة على ما فسراه به، أي لا يجوز بيع الطعام الغائب جزافا على الصفقة، ولا يقام من قوله إن ذلك لا يجوز على شرط إن أدركته الصفقة، دليل على أن ذلك يجوز إن لم يشترط الصفقة، بل لا يجوز على حال: شرط الصفقة أو لم يشترطها؛ إذ لا يجوز أن يشتري على الصفقة إلا ما يجوز أن يسلم فيه على الصفة؛ فكما لا يجوز أن يسلم في الطعام على الصفة جزافا، فكذلك لا يجوز أن يبتاع طعام غائب على الصفة جزافا. وقوله مثل الزرع القائم إذا يبس واستحصد، يحتمل أن يريد بذلك أن ذلك لا ينبغي، كما لا ينبغي في الزرع القائم أن يبس واستحصد، وأن يريد بذلك أن ذلك ينبغي. والتأويل الأول هو الصحيح؛ لأن المعلوم من قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، أنه لا يجوز أن يسلم في فدادين من زرع على صفة، فكذلك لا يجوز أن يبتاعها على صفة؛ وأما التأويل الثاني، فلا يصح إلا على مذهب أشهب الذي يجيز أن يسلم في القصيل على فدادين موصوفة؛ ولو كان المبتاع قدر المصبر والزرع، ثم اشترى ذلك من صاحبها على رؤيته المتقدمة وهو غائب عنها؛ لجاز ذلك، اشترط الصفقة أو لم يشترطها؛ وقد نص على جوازه ابن حبيب في الواضحة، وقد فرق في هذا في المدنية من رواية ابن القاسم عن مالك من الطعام المصبر والزرع القائم، فمنع أن يشتري الطعام المصبر وهو غائب عنه على روايته المتقدمة، وأجاز ذلك في الزرع القائم وهي تفرقة لا حظ لها في النظير، فالله أعلم بصحتها..مسألة بيعت الجارية وعليها حلي وثياب ولم يشترط البائع ولا المبتاع: قال ابن القاسم قال مالك: إذا بيعت الجارية وعليها حلي وثياب، ولم يشترط البائع ولا المبتاع، فهو للبائع؛ ولا ينقض البيع لذلك، إلا ما يكون لها مما لا يزين به فهو لها؛ قال ابن القاسم وما كان مما ليس لها مما تزين به، فلا ينبغي أن يشترطه المبتاع؛ قال سحنون: من الحلي، فأما الثياب فلا بأس به؛ قال ابن وهب وسمعت مالكا يقول في الرجل يشتري الجارية عليها ثوب الوشي الحسن، فيريد البائع أن يأخذه، ويقول المشتري ليس هذا من الشيء الذي يكون للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع، قال مالك أرى إذا كانت الجارية فارهة عليها الثوب اليسير الثمن، وهو نحو بذلته عند أهلها، فإني لا أرى للبائع نزعه؛ فأما الثوب الجيد الذي إنما لبسته لتزين به، وأشباه ذلك؛ فإني أراه للبائع؛ هذه المسألة لعبد الله بن وهب في سماعه من مالك.قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة؛ لأن ما زينت به الجارية عند البيع من الحلي والثياب، لا يدخل في البيع، إلا أن يشترطه المبتاع. فقوله: إن الجارية إذا بيعت وعليها حلي وثياب، لم يشترط البائع ولا المبتاع أنه للبائع، ولا ينقض البيع لذلك؛ يريد إن كان وقع بذهب وعليها حلي ذهب، بين في المعنى؛ لأن الحلي للبائع، ولا يدخل في البيع إلا باشراط المبتاع له؛ وإذا كان الحلي والثياب للبائع، فيلزم البائع أن يكسوها كسوة تصلح لمثلها للبذلة. وقيل لا يجب ذلك عليه إذا لم يشترطه المبتاع، فإن اشترط ذلك المبتاع، لزم البائع؛ واختلف إن اشترط البائع إلا يكسوها، وأن يأخذها المبتاع عريانة؛ ففي سماع أشهب من كتاب العيوب أن شرطه باطل، وعليه أن يكسوها؛ وقيل شرطه عامل، وهو الصحيح؛ وقد مضى القول على ذلك في سماع أشهب المذكور. وقوله إلا ما يكون لها مما تزين به فهو لها يريد الحلي والثياب وإن كان الحلي حلي ذهب، فاشتراها بذهب؛ لأنه تبع لها من أجل أنه مالها. وكذلك لو كان الحلي الذي زينت به لها، فاستثناه المشتري، لجاز ذلك وإن كان حلي ذهب فاشتراه بذهب، وأما إذا لم يكن لها، فاستثناه المشتري، فلا يجوز إن كان الحلي ذهبا فاشتراها بذهب أو فضة؛ إلا أن يكون مصوغا بما معه من اللؤلؤ والحجارة غير منفصل عنه وهو تبع له فيجوز، وقول سحنون مفسر لقول ابن القاسم؛ إذ لا إشكال في أنه يجوز للمشتري أن يستثني ما عليها من الثياب التي زينت بها، وإنما لا يجوز له أن يستثني ما عليها إن كان حلي ذهب فاشتراها بذهب؛ إلا أن يكون الحلي غير منفصل عما معه من الحجارة، وهو في حيز التبع له على ما ذكرناه؛ وهذه الرواية تفسير ما مضى في سماع أشهب من كتاب الجهاد، وفي رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، وقد مضى القول على ذلك هناك..مسألة يشتري الزق ويزعم صاحبه أن فيه عشرة أقساط بقمح جزافا: قال مالك في الرجل يشتري الزق ويزعم صاحبه أن فيه عشرة أقساط بقمح جزافا: أكره ذلك إذا قبضه بكيل صاحبه، قال سحنون قال لي ابن القاسم لم أجد لهذه المسألة معنى، ولا أرى به بأسا؛ قال سحنون قول مالك الصواب، قال سحنون وقد قاله المخزومي.قال محمد بن رشد: إنما كرهه إذا أعطاه الزيت على التصديق؛ لأنه قد يفارقه ثم يكيله بحضرة بينة لم تفارقه منذ أخذه من صاحبه، فيجده ينقص نقصا بينا، فيرجع عليه في الطعام بمقدار ما نقص من الزيت، فلم يتناجزا بيع الطعام عند ما تبايعا، ولا يجوز بيع الطعام بالطعام إلا يدا بيد لا يفترقان وبينهما عمل؛ وقد قال أشهب لا يجوز التصديق في الصرف ولا في تبادل الطعامين، وقاله ابن المواز لهذه العلة، مثل قول سحنون والمخزومي، وقد روى ابن نافع عن مالك إجازة ذلك، مثل قول ابن القاسم؛ ووجه ذلك أن التناجز قد حصل بينهما بالتقابض، وما يطرأ بعد ذلك من وجود النقصان الذي تقوم عليه البينة فيوجب أن يرد من الطعام بمقدار ما نقص من الزيت، لا يؤثر في صحة العقد؛ كما لا يؤثر في صحة الصرف ما يوجد فيه بعد التناجز من زائف أو ناقص، إذ لم يأخذه على أن يكيله، وإنما أخذه على أن يصدقه بما أخبره به من كيله ولا يكيله؛ فكأنه قد باع جزافا بجزاف، وهو عندي خفيف في الصرف وفي مبادلة الطعام بالطعام بالكيل على التصديق فيهما، أو في أحدهما؛ لأنه إن وجد في أحدهما نقصانا، رجع بما يجب له من كيل قد كان عرفه، فانتقض الصرف والبدل فيه؛ ومضى فيما سواه على العقد الأول، والكيل الذي وقع به؛ وأما في بيع الطعام جزافا بالكيل، أو التبر جزافا بالدنانير، فهو ثقيل؛ لأنه إن وجد نقصانا فيما صدقه من الكيل، أو الوزن، لم يدر ما يرجع به عليه في الجزاف الذي دفع إليه إلا بعد كيل جميعه أو وزنه؛ فيئول الأمر في ذلك إلى الصرف المتأخر، أو الطعام غير يد بيد؛ إذ لا يدرى ما يمضي فيه البيع من الجزاف الذي قبض في الكيل الذي دفع إلا بعد الكيل، فيتحصل في المسألة قولان وتفرقة..مسألة باع أمة لها ولد وشرط أن عليهم رضاعه سنة ونفقته سنة: قال ابن القاسم وسمعت مالكا يقول من باع أمة لها ولد وشرط أن عليهم رضاعه سنة ونفقته سنة، فذلك جائز إذا كان إن ماتت أمه أرضعوا له أخرى؛ ووقع في المدونة ذلك جائز إذا كان إن مات أرضعوا له أخرى. قال ابن القاسم هذا وهم من مالك، أو أمر رجع عنه؛ لأنه كره أن تباع أمة لها ولد صغير يشترطه البائع لنفسه، ولا يباع صبي ويشترط الأم لنفسه، إلا أن يباعا جميعا، وأرى هذا وهما! قال سحنون: وهذا عندي على أن الولد رقيق؛ لأنها تفرقة، فأما لو كان حرا جاز البيع.قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة، أن الولد حر، وكذلك قال فيها في آخر البيوع الفاسدة من المدونة؛ وعلى ذلك أجاب مالك كما بين سحنون؛ فلم يهم مالك؛ بل وهم ابن القاسم فيما حمل المسألة عليه مما نسب فيه الوهم إلى مالك؛ والمعنى فيها أيضا أن سيد الأمة أعتقه ثم باعها ولم يبق من أمد رضاعه إلا سنة، فأجاز له أن يشترط على المشتري بقية رضاعه مضمونا عليه، لا في عين الأمة، وذلك بين من قوله: فذلك جائز إذا كان إن ماتت أمه أرضعوا له أخرى، ووقع في المدونة: ذلك جائز- إذا كان- إن ماتت أرضعوا له أخرى. وكذلك وقع هاهنا في بعض الروايات؛ فإذا وقع البيع على الشرطين جميعا: إن ماتت أرضعوا له أخرى، وإن مات أرضعوا له آخر؛ وأرادوا بذلك أن الرضاع يكون مضمونا على المشتري لا في عين الأمة، جاز باتفاق، وإن أرادوا بذلك أنه يكون في عين الأمة ما لم تمت، فإن ماتت أتى بخلفها لم يجز؛ كما لو اشترط أن الرضاع يكون في عينها، ويبطل عنه بموتها، أو يرجع عليه البائع بقدره؛ لأنه إن كان في عين الأمة، دخله التحجير على المشتري في الأمة التي اشترى، إذ لا يقدر على التصرف فيها بما يجوز لدى المالك في ملكه من أجل الشرط، وإن كان في عين الصبي ومضمونا على المشتري دخله الغرر؛ لأنه مضمون في ذمة تبطل بموت الصبي؛ واختلف إذا لم يكن لهم في الشرط نية ولا إرادة، فحمله هاهنا على أنهم أرادوا به أن الرضاع يكون مضمونا على المشتري، لا في عين الأمة وأجازه؛ وحمله في آخر رسم من سماع أشهب بعد هذا على أنهم أرادوا به أن يكون في عين الأمة ما لم تمت فلم يجزه؛ واختلف إذا وقع البيع على أنه إن مات الصبي أرضعوا له آخر، ولم ينصوا على أن الرضاع مضمون على المشتري بأن يقولوا فيه إنها إن ماتت أرضعوا له أخرى، وسكتوا على ذلك، فحمله ابن القاسم في المدونة على المضمون وأجازه، وحمله سحنون على أنه في عين الأمة يبطل على المشترى بموتها؛ فلم يجزه إلا على وجه الضرورة؛ مثل أن يرهقه دين، فيباع عليه على ذلك؛ وتأول على ابن القاسم أنه أجازه على أن الرضاع في عين الأمة، فاعترض عليه بأن قال كيف تجيز هذا وهو لا يجيز الإجارة على ذلك، فلا يجوز إلا مع الضرورة؛ ولا يلزم ابن القاسم اعتراضه؛ لأنه لم يجز ذلك إلا بأن حمل الأمر في المسكوت عليه بأن الرضاع مضمون على المشتري في عين الأمة؛ ويلزم سحنون من الاعتراض في قوله في آخر هذه المسألة: فأما لو كان حرا جاز البيع- ما ألزم ابن القاسم؛ لأنه حمل المسكوت عنه في جهة الصبي على المضمون فأجاز البيع، كما حمل ابن القاسم المسكوت عنه في جهة الأمة على المضمون في المدونة فأجاز البيع؛ وإذا انقضى الرضاع، كانت نفقته على سيده الذي أعتقه حتى يبلغ حد الإثغار؛ لأن من أعتق صغيرا لزمته نفقته حتى يستغني بنفسه ويقدر على الكسب عليها ولو بالسؤال، هذا معنى ما قاله ابن المواز فيمن أعتق صغيرا، أو التقط لقيطا؛ قال أبو إسحاق التونسي: وانظر لو فلس قبل انقضاء الرضاع، هل تباع أمه في الدين ويشترط رضاعه ومؤونته على المشتري وإن نقص ذلك من حق الغرماء، ويكون ذلك أوجب من نفقته على ولده الذين لا يترك لهم من ماله إلى أن يقدروا على أنفسهم؛ والذي أقول به في ذلك، أنه لا يلزم أن يشترط على المشتري ذلك في بيع الأمة؛ فيكون قد بدئ على الغرماء بجميع حقه، ولا يبطل أيضا حقه جملة بتبدئة الغرماء عليه، كهبة لم تقبض حتى قام الغرماء على الواهب، ولكنه يحاص له الغرماء المبلغ نفقته الواجبة له عليه بعتقه إياه وهو صغير؛ لأنه أضربه في ذلك فصارت نفقته كالدين الواجب له عليه؛ وسيأتي من معنى هذه المسألة في رسم سلعة سماها في هذا السماع، وفي آخر رسم من سماع أشهب، وفي رسم البراءة، ورسم إن أمكنتني من سماع عيسى؛ وقد مضى منه أيضا في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب طلاق السنة، فقف على ذلك كله في مواضعه، وبالله التوفيق..مسألة باع ثمرة لم يبد صلاحها ثم باعها مشتريها بعد ما بدا صلاحها: قال ابن القاسم وسمعت مالكا قال من باع ثمرة لم يبد صلاحها، ثم باعها مشتريها بعد ما بدا صلاحها؛ أن لصاحبها عدد الثمرة حين يبدو صلاحها، ولا يأخذ إلا ثمرا؛ وإن تلفت، لم يأخذ الأول من أخذ الثمرة المبتاع شيئا.قال محمد بن رشد: إذا باع الرجل الثمرة قبل أن يبدو صلاحها، فهو بيع فاسد، والمصيبة فيها إن تلفت من البائع ما دامت في رؤوس النخل وإن طابت، ما لم يجدها المبتاع؛ لأن قبض الأصول ليس بقبض لها، فإن جدها ضمنها بالجد، وكان عليه مكيلة ما جد منها رطبا إن عرفت المكيلة ولم يفت إبان الرطب؛ وإن جهلت المكيلة أو فات إبان الرطب، كان عليه قيمة خرص ذلك؛ وكذلك يكون عليه إن جدها ثمرا فبلغت مكيلة ما جد منها تمرا إن علمت المكيلة، وإن جهلت كان عليه قيمة خرص ذلك؛ وإن كان الثمر قائما، رده بعينه وانفسخ البيع على كل حال؛ هذا معنى قوله في البيوع الفاسدة من المدونة وغيره؛ واختلف إن باعها المبتاع بعد أن بدا صلاحها، فقيل إن البيع فيها قبض وفوت، فيجوز البيع ويكون على الذي اشتراها قبل بدو صلاحها قيمتها يوم باعها، قاله محمد بن المواز؛ وحكى عن مالك أن القيمة تكون عليه يوم بدا صلاحها، ومعناه إذا كان بيعه لها يوم بدا صلاحها، أو استوت القيمة في الوقتين؛ فليس قول محمد بن المواز بخلاف لما حكى عن مالك على هذا التأويل؛ وقيل ليس البيع فيها قبضا ولا فوتا؛ لأنه باع ما لم يدخل في ضمانه، فهو بيع فاسد أيضا لا يقع به فوت ما لم يجد المبتاع؛ وهو قوله في هذه الرواية؛ والقولان قائمان من كتاب العيوب من المدونة؛ لأنه لم يجعل فيه البيع الصحيح قبل القبض تفويتا للبيع الفاسد، وجعل الهبة فيه تفويتا له؛ وإذا فوته بالهبة، فأحرى أن يفوته بالبيع؛ فدل على أن ذلك اختلاف من القول؛ فقوله في هذه الرواية إن لصاحبها عدد الثمرة، معناه إذا جدها المبتاع الذي اشتراها بعد أن بدا صلاحها ثمرا؛ لأنه إذا لم يجعل البيع فيها بعد أن بدا صلاحها فوتا، من أجل أنه باعها قبل أن تجب له وتدخل في ضمانه؛ وجب أن ترد إلى البائع الأول إن كانت قائمة، أو مكيلتها إن كانت فاتت أو تلفت بعد الجد، وتنفسخ فيه البيعتان جميعا. وقوله حين يبدو صلاحها لا وجه له؛ لأن المكيلة لا تجب عليه ببدو صلاحها، إنما تجب عليه بجده إياها بعد ذلك تمرا؛ ولأن المكيلة لا تختلف باختلاف الأوقات، وإنما تختلف باختلاف القيمة على القول بأن البيع فوت؛ فقيل إن القيمة تكون فيها يوم البيع، وقيل يوم بدو الصلاح فيها؛ وقد مضى القول في ذلك، وأنه ليس باختلاف من القول، والله أعلم. وقوله ولا يأخذ إلا ثمرا، معناه أنه ليس له أن يأخذ إلا ثمرا إذا كان قد جدها ثمرا؛ لأنه هو الواجب له عليه؛ ولو تراضيا على ما سوى التمر، لجاز له أن يأخذ منه كل ما يجوز له أن يبيع به التمر، كمن استهلك لرجل تمرا. وقوله وإن تلفت لم يأخذ الأول من آخذ الثمرة المبتاع شيئا، معناه إن تلفت في رؤوس النخيل قبل أن تجد وإن يبست، ومثله في كتاب ابن المواز؛ وهو صحيح على قياس قوله إن البيع فيها ليس بفوت، فتكون المصيبة فيها إن تلفت في رؤوس النخل من البائع الأول، وتنفسخ البيعتان جميعا..مسألة البزاز يشترى منه الثوب فيأمر بعض قومته بدفعه إلى المبتاع: قال مالك في البزاز يشترى منه الثوب فيأمر بعض قومته بدفعه إلى المبتاع، ثم يقول بعد انصراف المبتاع إن الثوب الذي دفع إليك ليس بالثوب الذي بعتك، أو كان هو دفعه إليه؛ قال إذا كان أمر بدفعه، ثم زعم أنه ليس الذي باع، حلف بالله ورد عليه الثوب؛ وإن كان هو الذي دفعه إليه، فإني أرى قوله باطلا ما لم يأت مع قوله أمر معروف من رشم أكثر مما باع به، أو شهادة قوم قاسموه، أو عرفوا ما قام به عليه؛ فإن جاء بشيء من ذلك، رأيت أن يحلف ويرد عليه الثوب، وهو رأي ابن القاسم، وقد سمع بعض هذه المسألة.قال محمد بن رشد: أما الذي باع الثوب من الرجل، فأمر بعض قومته أن يدفعه إليه فدفعه إليه، ثم زعم البائع أنه ليس هو الثوب الذي باعه إياه؛ فلا اختلاف في أن القول قوله مع يمينه أنه ليس هو الثوب الذي باعه إياه، وأنه هذا الثوب المثوب الذي زعم أنه هو الذي باعه منه؛ فإن حلف على ذلك، أخذ الثوب الذي زعم أنه لم يبعه إياه، ودفع إليه الثوب الذي زعم أنه باعه منه؛ فإن نكل عن اليمين، لم يكن له شيء إذا كان المبتاع لا يكذب البائع فيما ادعى ولا يصدقه، وأما إن كذبه المبتاع، فقال بل هو الذي بعتني، فإنهما يحلفان جميعا؛ فإن حلفا لم يكن بينهما بيع في واحد من الثوبين؛ وكذلك إن نكلا؛ وإن نكل أحدهما وحلف الآخر، كان القول قول الحالف منهما إن كان البائع هو الذي حلف؛ ألزم المبتاع الثوب الذي زعم أنه باعه منه، وأخذ الثوب الذي دفع إليه قيمته؛ وإن كان المبتاع هو الذي حلف، أخذ الثوب الذي دفع إليه القيمة ولم يلزمه الآخر؛ وكذلك لو أمر التاجر بعض قومته أن يري الرجل ثوبا فأراه إياه، ثم باعه منه التاجر على تلك الرؤية، ادعى أنه ليس هو الثوب الذي أمره أن يريه إياه؛ فالقول قول التاجر مع يمينه يحلف ويأخذ ثوبه، فإن نكل عن اليمين لزمه البيع فيه، وأما إذا باعه الثوب ثم دفعه هو إليه وادعى أنه غلط، فإن لم تكن له شبهة من رشم ولا شيء لم يصدق، وإن كانت له شبهة، فعلى ما مضى القول فيها إذا دفعه إليه وكيله في الوجوه كلهاة وأما إذا باع منه الثوب ثم ادعى أن شراءه أكثر مما باعه به منه، وأنه غلط فسه، واختلط له بغيره؛ فإن كان البيع مرابحة صدق، وإن كانت له شبهة من رشم أو شهادة، قوم على ما وقع به عليه في مقاسمة أو شبه ذلك؛ كما لو قال شراء هذه السلعة كذا، ثم أقام البينة أن شراءها كان أكثر من ذلك، أو استدل على صدقه برشم في الثوب وما أشبه ذلك، واختلف إذا ادعى الغلط في بيع المساومة وزعم أنه اختلط له بغيره وهو ذو أثواب كثيرة، فقيل إنه بمنزلة بيع المرابحة وهو ظاهر هذه الرواية، وما في كتاب الأقضية من المدونة، وما في نوازل سحنون من كتاب العيوب في بعض الروايات، وما في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب من هذا الكتاب محتمل، وسيأتي القول عليها إن شاء الله؛ وقيل إن البيع له لازم، ولا حجة له فيما ذكر، وإلى هذا ذهب ابن حبيب؛ وكذلك اختلف أيضا في الجهل بصفة المبيع مثل أن يبيع الحجر بالثمن اليسير وهو ياقوت، ثم يدعي أنه لم يعلم أنه ياقوت؛ وسيأتي الكلام على هذا في رسم الأقضية من سماع أشهب، وفي سماع أبي زيد؛ وأما الجهل بقيمة المبيع، فلا يعذر واحد من المتبايعين في ذلك إذا غبن في بيع المكايسة؛ هذا هو ظاهر المذهب، وقد حكى بعض البغداديين على المذهب أنه يجب الرد بالغبن إذا كان أكثر من الثلث؛ وأقام ذلك بعض الشيوخ من مسألة سماع أشهب من كتاب الرهون، وليس ذلك بصحيح؛ لأنها مسألة لها معنى من أجله وجب الرد بالغبن، وبالله التوفيق لا بغيره..مسألة باع ثمر حائطه واستثنى مكيلة من صنف من الثمر: ومن كتاب قطع الشجر:وسئل مالك عن رجل باع ثمر حائطه واستثنى مكيلة من صنف من الثمر، قال أكره ذلك إلا أن يكون ذلك الصنف كثيرا، مخافة أن يستوعب ما استثنى من ذلك ثمر الحائط كله أو يذهب ما سمى من ذلك، فهلك قبل أن يستوفى؛ فإذا كان الصنف الذي استثنى كثيرا مأمونا فلا بأس به؛ قال سحنون وقد قال ابن القاسم في غير هذا الكتاب: لا يجوز للبائع أن يستثني من صنف من التمر إلا ثلث ذلك الصنف فأقل، قال فإن استثنى كيلا من صنف من ثمر الحائط فكان ما استثنى من ذلك الكيل يذهب بجل ذلك الصنف، أو يخاف أن يستوعبه، فلا خير فيه؛ لأنه خاطره في ذلك الصنف؛ ولا ينبغي له أن يشترط كيلا من صنف من بعض ثمر الحائط، إلا ما يجوز له أن يستثني في جميع الحائط وذلك الثلث فأدنى؛ قال أصبغ وبهذا آخذ؛ قال أصبغ: ولا تبالي قل ذلك الصنف الذي استثنى منه أو كثر إذا كان الذي استثنى منه من الكيل الثلث فأقل، قال سحنون مثله، وهو قول ابن القاسم.قال محمد بن رشد: قول مالك هاهنا فيمن باع ثمر حائطه وهو أصناف، فاستثنى مكيلة من صنف منه، أن ذلك مكروه عنده، إلا أن يكون ذلك الصنف الذي استثنى منه المكيلة كثيرا مأمونا؛ يفسر قوله في أول رسم من سماع أشهب؛ لأنه أطلق القول هناك في إجازة استثناء ثلث جميع ثمرة الحائط فأقل في صنف واحد منه، كان ذلك الصنف الذي استثنى منه المكيلة أقل الأصناف ثمرا أو أكثرها؛ ومعناه على ما قال هاهنا إذا كان الصنف الذي استثنى منه كثيرا مأمونا وإن كان أقل أصناف الحائط؛ لأنه إذا لم يكن كثيرا مأمونا فيه فضل بين على المكيلة التي استثنى، خشي أن يستغرقه المستثنى، أو يهلك قبل أن يستوفى ذلك منه، فدخله الغرر، وهذا ليس بقياس، وإنما هو استحسان مراعاة لقول من يجيز استثناء الكيل من الجزاف قل أو كثرة والقياس قول ابن القاسم إنه لا يجوز أن يستثني من صنف من الأصناف إلا ثلث ذلك الصنف فأقل؛ لأن أكثر أهل العلم لا يجيزون استثناء الكيل من الجزاف قل أو كثر؛ ومالك وأكثر أهل المدينة يجيزونه في القليل وهو الثلث فأقل؛ فإذا لم يجز بيع الصنف الواحد مفردا باستثناء مكيلة تقع في أكثر من الثلث، وكان ذلك غررا؛ وجب أن لا يجوز إذا انضاف إليه في الصفقة أصناف غيرها لم يستثن منها شيء؛ ألا ترى أنه لا يجوز بيع العبد الآبق ولا البعير الشارد وإن انضاف إليه في الصفقة عبيد حضور يقع العبد الآبق في أقل من ثلث الصفقة؟ وقوله في الرواية إلا أن يكون ذلك الصنف كثيرا مخافة أن يستوعب ما استثني من ذلك ثمر الحائط كله، كلام وقع على غير تحصيل؛ وإنما أراد مخافة أن يستوعب ما استثني من ذلك ثمر ذلك الصنف كله، إذ لا يمكن أن مكيلة ثلث ثمر الحائط أو أقل من ثلث ثمر الحائط كله، وإنما يمكن أن يستوعب ذلك ثمر الصنف الذي استثناها منه فهو الذي أراد، وبالله التوفيق..مسألة الأمة تشترى على أن يعتقها الذي اشتراها بشرط أو عدة: ومن كتاب القبلة:قال مالك في الأمة تشترى على أن يعتقها الذي اشتراها بشرط أو عدة، فيحبسها يطأها أو يستخدمها، ثم أعتقها بعد، أو مات السيد أو الأمة قبل أن يعتقها؛ قال إن كان ذلك بغير علم البائع ولا رضاه، فعليه قدر ما نقص ذلك الشرط من ثمنها يوم بيعت للبائع؛ وإن كان قد علم بذلك البائع فأقر بذلك أو رضي، فذلك جائز للمبتاع ولا شيء عليه؛ وإن علم به قبل أن يفوت العبد، رأيت أن البائع إن أحب أن يسترجع عبده أو يدعه فذلك له.قال محمد بن رشد: قول مالك في هذه المسألة مبني على ما في كتاب البيوع الفاسدة من المدونة من أن الشراء على العتق جائز، ولا يلزم المشتري العتق؛ فإن لم يعتق، كان للبائع أن يرد البيع، وينبغي على قياس قوله ألا يجوز النقد فيه بشرط؛ لأنه إن لم يعتق واسترد البائع عبده، رجع إلى المبتاع الثمن الذي نقده؛ فكان مرة بيعا، ومرة سلفا؛ وإنما يجوز النقد فيه بشرط على مذهب أشهب الذي يلزم المبتاع العتق، ويرى البيع باتا وهو أظهر؛ لأن العتق إذا لم يكن في اشتراطه غرر، وجب أن يلزم المبتاع بالشرط؛ والأصل في جواز البيع بشرط العتق «حديث بريرة، وما روي فيه من أنها جاءت تستعين عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فقالت لها عائشة: إن أحب أهلك أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة وأعتقك، فعلت؛ فذكرت ذلك بريرة لأهلها، فقالوا: لا، إلا أن يكون لنا ولاؤك؛ فذكرت ذلك عائشة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: اشتريها وأعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق». فأباح لها النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ شراءها للعتق، إذ كانت قد عجزت عن كتابتها، وحكم أن الولاء لها وإن كان أهلها إنما باعوها منها على أن تعتقها. ومساواته في الرواية بين الشرط والعدة صحيح، لتساويها جميعا في المعنى؛ لأن الشرط هو أن يقول البائع للمبتاع أبيعها منك بكذا وكذا على أن تعتقها، والعدة هي أن يقول المبتاع للبائع بعها مني وأنا أعتقها، أو بعها مني بكذا وكذا وأنا أعتقها؛ وإذا قال ذلك المبتاع للبائع، فباعه البائع على ما وعده؛ فكأنه قد اشترطه إذا لم يبعه إلا على ما وعده؛ فصار التمليك ثمنا للعدة، فوجب أن يلزم؛ وقد قيل إن العدة بخلاف الشرط، فلا تلزم المبتاع ولا يكون للبائع في ذلك كلام؛ وعلى هذا يأتي ما حكى ابن حبيب عن مالك من رواية مطرف عنه في الرجل يقول للرجل بعني جاريتك فلانة أتخذها أم ولد فباعه، أنه لا مكروه فيه؛ وهو إن شاء باع، وإن شاء اتخذ حتى يكون شرطا؛ مثل أن يقول بعنيها على أن أتخذها؛ أو يقول له بائعها أبيعكها على أن تتخذها، فيكون بيعا مكروها. وقوله فعليه قدر ما نقص ذلك الشرط من ثمنها في الذي أعتقها بعد أن حبسها يطقها ويستخدمها، أو مات السيد أو الأمة قبل أن يعتقها؛ يريد بعد أن حبسها يطقها ويستخدمها؛ لأنها لو ماتت بقرب شرائه، لم يكن للبائع رجوع على المشتري؛ كذلك وقع في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ، وفي العتق من كتاب ابن المواز، ولو مات السيد المشتري بقرب شرائه أيضا ولم تفت الأمة، لوجب أن يكون ورثته بمنزلته، يخيرون بين أن يعتقوا أو يردوا؛ ووجه العمل في التوصل إلى معرفة قدر ما نقص ذلك الشرط من ثمنها، أن تقوم يوم بيعت بغير شرط العتق؛ فإن كانت قيمتها على هذا مائة في التمثيل، قومت أيضا بشرط العتق، فإن كانت قيمتها على هذا تسعين في التمثيل، رجع البائع على المبتاع بعشر الثمن كان أقل من مائة أو أكثر؛ وهذا خلاف ما في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ؛ لأنه قال فيه إن المشتري يغرم للبائع إذا فات عنده فواتا بعيدا بالعيوب المفسدة، والنقصان المتفاحش، والزيادة المتباينة، ما نقص من قيمته يوم اشترائه، إلا أن يتقارب ذلك؛ فإن كان قيمته على رواية أصبغ هذه يوم اشتراه بغير شرط العتق قريبة من الثمن الذي اشتراه به، لم يكن للبائع على المشتري شيء؛ وإن كانت قيمته أكثر من الثمن بكثير، رجع عليه بما زادت القيمة على الثمن الذي اشتراه؛ وقول مالك أصح في المعنى من رواية أصبغ؛ لأن البيع قد يكون بمثل القيمة وأقل وأكثر، فيمضي العتق على من وقع عليه منهما؛ وإنما قال إن عليه قدر ما نقص ذلك الشرط من قيمتها إذا كان أعتقها بعد أن حبسها يطقها ويستخدمها؛ لأنه إذا فعل ذلك فلم يتم للبائع ما قصده بشرطه من تعجيل عتقها، إذ إنما أعتقها لنفسه بعد أن قضى وطره منها؛ فعلى قياس هذا لو كان عتقه لها في عتق واجب عليه، لوجب أن يجزيه؛ وكذلك لو أعتقها بعد أن تفوت عنده بالعيوب المفسدة؛ وإذا علم البائع أن المبتاع لم يعتق وأنه يطأ ويستخدم فأقر بذلك ورضي به، فلا اختلاف في أن ذلك جائز للمبتاع، ولا شيء عليه كما قال؛ وسكوته مع علمه بوطء البائع واستخدامه رضى، ولا يدخل في هذا عندي الاختلاف في السكوت هل هو إذن أم لا على ما يأتي في كثير من مسائلهم. وقوله: وإن علم به قبل أن يفوت العبد، رأيت أن البائع إن أحب أن يسترجع عبده أو يدعه فذلك له فيه تفصيل؛ أما إذ علم أن المبتاع لم يعتقه بحدثان البيع قبل أن يفوت، فليس له إلا ما قال، وأما إذا علم بذلك بعد أن طال الأمر والمبتاع يطأ ويستخدم، فهو مخير بين أن يسترجع عبده أو يدعه له ويرجع عليه بقدر ما نقص الشرط من ثمنه على التفسير الذي ذكرناه؛ أما إذا فات فليس له أن يسترجعه، وإنما له أن يرجع عليه بما نقص الشرط من الثمن، أو ببقية القيمة على رواية أصبغ؛ ولا يفوت إلا بالعيوب المفسدة، كذلك في رواية أصبغ؛ وقد قيل إنه يفوت بحوالة الأسواق وهو بعيد؛ لأنه ليس ببيع فاسد.
|