الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)
.فصل في ذكر حجب الإسقاط: تقدم في فصل أحوال الميراث أن الوارثين على ثلاثة أقسام: من لا يحجب أبداً، ومن يحجب فلا يرث شيئاً وهو حجب الإسقاط، ومن يحجب عن كثرة الميراث إلى قلته ويسمى حجب نقل وحجب نقص، وتكلم هنا على أعيان كل قسم، فأشار للثالث بالفصل بعد هذا وللأولين بقوله:(ولا سقوط لأب) دنية بل وإن علا (ولا ولد) وإن سفل (ولا) سقوط أيضاً (لزوجين ولا أم فقد) أي فحسب إلا أن يقوم بواحد ممن ذكر مانع من كفر أو رق أو قتل عمداً كما يأتي في موانع الميراث. (و) لكن (الجد) الأعلى (يحجبه) الجد (الأدنى) منه فلا يرث معه شيئاً (و) يحجبه أيضاً (الأب) فلا يرث معه شيئاً، وكما يحجب الجد بالأب وبالجد الأدنى منه (كذا ابن الأبناء) الأسفل (بالأعلى) منه من ابن أو ابن ابن (يحجب) فلا يرث مع الأعلى شيئاً. (وبأب وابن وبابن ابن حجب إخوة من مات) أشقاء كانوا أو لأب أو لأم (فلا شيء يجب) لواحد منهم مع وجود من ذكر. (كذا بنو الإخوة أيضاً حجبوا بالجد و) حجبوا أيضاً ب (الإخوة) حال كونهم (ضمهم أب) لأن الأخ للأب مقدم على ابن الأخ الشقيق، وأحرى أن يقدم الأخ الشقيق على ابن أخيه الشقيق أو لأب. (والجد بالحجب لإخوة دها) أي أصاب يقال ما دهاك أي ما أصابك كما في الجوهري (فيما) أي في الفريضة التي (انتمت لمالك) وهي زوج وجد وأم وأخ لأب وأخوان فصاعد الأم أصلها من ستة للأم واحد وللزوج ثلاثة وللجد واحد يبقى واحد. قال مالك في مشهور قوله: هو للجد أيضاً لأنه يقول للأخ للأب: لو كنت دوني لم يكن لك شيء، وكان الثلث الباقي للإخوة للأم، وأنا حجبتهم فأنا أحق بنصيبهم، وقال زيد بن ثابت رضي الله عنه: إن السدس الباقي يكون للأخ للأب لأن الإخوة للأم محجوبون، ووافقه مالك في قوله الآخر حسبما حكاه ابن العربي والقرطبي في تفسيره. ولما كان المشهور عن مالك هو الأول قيل: لم يخالف مالك زيداً إلا في هذه، ولذا سميت بالمالكية فإن كان محل الأخ للأب أخ شقيق فهي شبه المالكية كما قال:(وشبهها) عطف على ما أي، وفي شبه المالكية وهي زوج وأم وجد وأخ شقيق وأخوان فأكثر لأم، فعلى قياس مشهور قول مالك: لا شيء للشقيق لأن الجد يقول له: لو كنت دوني لكنت تشارك الإخوة للأم في الثلث الباقي الذكر كالأنثى وهي المسماة بالحمارية فأنت إنما ترث في الحمارية بالأم، وأنا أحجب كل من يرث بالأم فلا شيء لك، وإنما سميت بالحمارية حيث لا جد فيها لأن عمر رضي الله عنه قضى فيها أولاً بأن لا شيء للشقيق لاستغراق ذوي الفروض التركة للزوج ثلاثة وللأم واحد وللإخوة للأم اثنان، والشقيق عاصب لم يفضل له شيء، ثم نزلت به في العام القابل فاحتج عليه الأشقاء، وقيل علي رضي الله عنه بقولهم هؤلاء إنما ورثوا بأمهم وهي أمنا. هب أن أبانا كان حماراً أو حجراً ملقى في اليم أليست الأم تجمعنا ما زادنا الأب إلا قرباً فأشركهم في الثلث لاجتماعهم في الأم، وقوله: وشبهها إنما سميت بشبه المالكية لأن مالكاً لم يتكلم عليها، وإنما تكلم عليها أصحابه، فمنهم من قاسها على قول مالك في المالكية وهو الراجح عند الناظم وغيره من شراح (خ) ومنهم من قال فيها بقول زيد وأن السدس الباقي يكون للشقيق، ورجحه ابن يونس قائلاً: الصواب أن يكون السدس الباقي في المالكية، وشبهها للأشقاء أو للذين للأب، وحجتهم أن يقولوا: أنت لا تستحق شيئاً من الميراث إلا شاركناك فيه فلا تحاسبنا بأنك لو لم تكن لأنك كائن بعد، ولو لزم ما قاله الجد للزم في ابنتين وبنت ابن وابن ابن أن لا ترث بنت الابن مع ابن الابن شيئاً، ويحتج بمثل احتجاج الجد. اهـ. ونحوه لابن خروف قائلاً: وقول زيد أجرى على القياس والأصول قال: والحجة المذكورة في شبه المالكية لا يلتفت إليها لأنهم إنما شوركوا معهم حين ورثوا، فإذا سقطوا صار الآخرون عصبة فجرى عليهم حكم العصبة. اهـ. وقال الطرابلسي: ما قاله زيد هو الصحيح لأن المحجوب عن الميراث كأنه لم يكن.تنبيه:إنما صوروا المالكية وشبهها بتعدد الإخوة للأم ليتم احتجاج الجد الذي هو قوله: لو كنت دوني لم ترث شيئاً وهو إنما لا يرث شيئاً مع فقدان الجد إذا تعددت الإخوة للأم، وأما لو كان الأخ للأم واحداً فله واحد ويبقى للأخ للأب أو الشقيق واحد، فلا يتم الاحتجاج حينئذ، وإلاَّ فالجد يحجب الأخ للأم واحداً أو متعدداً فيكون أحق بنصيبه في المالكية وشبهها على قول مالك: (وابن أخ) ولو لأب (بالحجب للعم) ولو شقيقاً (وفا) أي جاء في الشرع أن ابن الأخ يحجب العم لكونه أقرب للهالك منه (والعم) حاجب (لابن العم ما كان) أي كيفما كان العم شقيقاً أو لأب فإنه (كفى) في حجب ابن العم شقيقاً أو لأب أيضاً. (والأم كلتا الجدتين تحجب) بضم الجيم مبنياً للفاعل خبر عن قوله: الأم، وكلتا مفعوله أي الأم تحجب جدة الهالك من جهة أمه وجدته من جهة أبيه (وجدة للأب) بالنصب مفعول مقدم بقوله: (يحجب الأب) ولا يحجب جدة الهالك من أمه بخلاف الأم فإنها تحجب الجدة مطلقاً (خ): وأسقطتها الأم مطلقاً والأب الجدة من جهته. (ومن دنت) كأم الأم أو أم الأب (حاجبة لبعدى جهتها) فتحجب كل واحدة منهما أمها وأم أمها وإن علت (من غير أن تعدى) بحجب غير جهتها أو ما ذكره في قوله. (وقربى الأم) كأم الأم (حجبت بعدى لأب) كأم أم الأب (والعكس) وهو أن تكون الجدة للأب أقرب من التي للأم كأم أم أمه وأم أبيه (إن أتى) ذلك (فما حجب وجب) بل يشتركان في السدس، وكذلك إن كانتا في رتبة واحدة كأم الأم وأم الأب فإنهما يشتركان أيضاً كما قال: (وحظها) أي الجدة (السدس في الانفراد وقسمة السواء في التعداد) حيث كانت الجدة للأب أقرب أو كانتا في رتبة واحدة كما مر. (خ): وأسقطت القربى من جهة الأم البعدى من جهة الأب وإلا اشتركتا. (والإرث لم يحزه من هاتين) الجدتين أي التي من جهة الأم والتي من جهة الأب (تعدداً) أي حال تعددهن ووجود جماعة منهن (أكثر) فاعل يحز (من اثنتين) إحداهما أم الأم وإن علت والأخرى أم الأب وأمها وإن علت. قال في الرسالة: ولا يرث عند مالك أكثر من جدتين أم الأم وأم الأب وأمهاتهما، ويذكر عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه ورث ثلاث جدات. واحدة من قبل الأم واثنتين من قبل الأب أم أم الأب وأم أبي الأب وإن علين، ولم يحفظ عن الخلفاء توريث أكثر من جدتين. اهـ. (ومسقط) خبر عن قوله (ذو جهتين) جهة الأب وجهة الأم (أبدا) في جميع الميراث (ذا جهة) مفعول بمسقط (مهما تساووا قعددا) أي رتبة فالأخ الشقيق ذو جهتين حاجب للذي للأب والعم الشقيق حاجب العم للأب، وابن الأخ الشقيق حاجب ابن الأخ للأب وابن العم كذلك، وهكذا ويستثنى من كلامه الأخ للأم، فإنه ذو جهة ولا يحجبه الشقيق، ومفهوم تساووا قعددا أنهم إذا لم يتساووا فيه كالأخ للأب مع ابن الأخ الشقيق أنه لا شيء لابن الأخ لأن الأخ أقرب منه للهالك (خ): ثم العم الشقيق ثم للأب ثم عم الجد الأقرب بالأقرب وإن غير شقيق، وقدم مع التساوي الشقيق مطلقاً. (ومن) موصولة واقعة على الأخ للأب الذي (له حجب بحاجب) هو الشقيق من نعت وصفة هذا الحاجب الذي هو الشقيق (حجب) أيضاً بولد الهالك (فحجبه) أي الأخ للأب (بمن) أي الذي (له الحجب) لحاجبه (يجب) فحجب مبتدأ وضميره لمن الواقعة على الأخ للأب مثلاً، وجملة له حجب صلته ولحاجب يتعلق بحجب، وجملة حجب بالبناء للمفعول صفة لحاجب وحجبه مبتدأ خبره يجب وبمن يتعلق به، وجملة له الحجب صلة من والتقدير: والأخ للأب المحجوب بشقيق محجوب بولد يجب حجبه عند فقد الشقيق بالولد الحاجب لحاجبه، فإذا هلك وترك ابناً وأخاً وشقيقاً وأخاً لأب فالأخ للأب محجوب بالشقيق، والشقيق محجوب بالابن فلو عدم الشقيق لم يرث الأخ للأب شيئاً لوجوب حجبه بالابن الذي هو حاجب حاجبه، وهكذا يقال في ابن الأخ مع وجود أخ وابن للهالك، فإن ابن الأخ محجوب بالأخ ولو عدم لكان محجوباً بالابن، وكذا ابن الأخ مع العم وابن العم، فإن العم محجوب بابن الأخ وابن العم محجوب بالعم، فلو فقد العم لم يرث ابن العم لوجوب حجبه بحاجب حاجبه، وهذا البيت مع تعقيده قليل الجدوى مفهوم حكمه من البيت الذي قبله، إذ من المعلوم أن حاجب الحاجب لغيره حاجب لذلك الغير، وأن الأقرب يحجب الأبعد. (وإخوة الأم) مبتدأ (بمن يكون في عمودي النسب) من ابن أو بنت للهالك وإن سفلت وأب أو جد وإن علا (حجبهم) مبتدأ ثان (يفي) خبره والمجرور بالباء يتعلق به، والجملة خبر الأول، والمعنى أن الإخوة للأم محجوبون بمن يوجد في عمودي النسب الأعلى والأسفل، فعموده الأعلى الأب والجد وإن علا وعموده الأسفل الولد وولده وإن سفل فيدخل في ذلك البنت وبنت الابن وإن سفلت لأنهما من عموده الأسفل قطعا (خ): وسقط الأخ للأم بابن وابنه وبنت وإن سفلت وأب وجد إلخ. وإنما حجبوا بما ذكر لقوله تعالى وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت} (النساء: 12) الآية. والكلالة كما في الأزهري وغيره الفريضة التي لا ولد فيها ولا والد ولذا قيل فيها: وكلالة في الآية إما تمييز والأصل يرثه كلالة بالرفع على الفاعلية، فحذف الفاعل وبني الفعل للمفعول فارتفع الضمير واستتر، ثم جيء بالفاعل تمييزاً، وإما حال من ضمير يورث أي ذا كلالة، وسيأتي في الفصل بعده أن الإخوة للأم يحجبون الأم للسدس وإن كانوا محجوبين بالجد ونحوه.
|